مرافعة: دفاعاً عن الشرعية الدستورية وليس دعوة للتشبه!
الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة 198 من قانون الجزاء، والتي تجرم التشبه بالجنس الآخر، يعد انتصارا هاما فيما يكفل الحريات الشخصية التي كفلها الدستور، ويضمن سلامة الرقابة الدستورية التي نصت عليها المادة 173 من الدستور.والمعايير التي أوردتها المادة 198 من قانون الجزاء لتكون صورا للتشبه ومناطا للتجريم هو ما اعتبره الحكم الدستوري ضابطا غير سليم أمام القاضي الجنائي للتقدير بأن ما وقع به المتهم أو المحال للمحاكمة الجزائية تشبه من عدمه، ولذلك فالحكم الدستوري لم يدافع عن المتشبهين والمثليين، كما صور بعض السياسيين فور صدور الحكم، وإنما دافع عن الشرعية الدستورية التي سبق له الدفاع عنها عندما قضى بعدم دستورية المادتين 1 و4 والمواد المرتبطة بهما بقانون التجمعات، وعندما سبق له الدفاع عنها بالحكم بعدم دستورية قانون تعارض المصالح.ومهما وصل بنا الرأي اتفاقا أو اختلافا إزاء ما صدر عن القضاء الدستوري مسبقا في العديد من الطعون الدستورية، والتي عرضت عليها، وتحديدا التي أقيمت في الطعون على أحكام المواد 4 و15 و25 و37 من قانون أمن الدولة، بعدما تم الطعن عليها بعدم الدستورية، نظير ما شابها من عيوب أو مثالب دستورية إلا أن ذلك لا يغير من وظيفة واختصاص المحكمة الدستورية من رقابتها على دستورية القوانين واللوائح، كما أن القانون لا يمنع مستقبلا من الطعن على تلك المواد أعلاه مجددا أمام المحكمة الدستورية.
ومثل تلك الشرعية الدستورية التي يأتي قوامها من المادة 173 من الدستور جعلت من المحكمة الدستورية حاميا للحقوق والحريات التي كفلها الدستور، وهو ما يتعين فهم اختصاصها ووظيفتها التي أشار إليها الدستور أو قانون إنشائها أو لائحتها الداخلية.وبشأن الآثار التي يرتبها الحكم الدستوري بعدم دستورية المادة 198 من قانون الجزاء بشأن التشبه بالجنس الآخر فإنه ووفقا لأحكام قانون إنشاء المحكمة ولائحتها الداخلية فإن ما يرتبه الحكم بعد نشره في الجريدة الرسمية يتمثل في ثلاث مسائل، أولا: الإفراج عن جميع المحكومين المدانين بهذه الجرائم، وثانيا: إسقاط جميع التهم المنسوبة إلى المتهمين بهذا النوع من الجرائم إذا كانت صحف الاتهام بحقهم عرضة للتقديم إلى المحاكمة الجزائية ووجب حفظها، وثالثا: تبرئة المتهمين المحالين بهذا النوع من الاتهامات إذا كانوا محالين للمحاكمة الجزائية، وذلك إعمالا لحكم المادة 34 من الدستور، والتي تنص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولما كان الفعل المنسوب إلى المتهمين والمدانين بات مباحا، ولم يطله التجريم، الأمر الذي يتعين معه إسقاط الأحكام والاتهامات بحق كل المتهمين بجرائم التشبه بالجنس الآخر.كما لا يجوز لرجال الأمن القبض على أي إنسان ذكر أو أنثى بتهمة التشبه إعمالا لحكم المادة 198 من قانون الجزاء، وذلك لزوال النص وفقا للحكم الصادر من المحكمة الدستورية، إلا أنه يجوز محاسبة كل إنسان على أفعال أخرى كالفعل الفاضح أو التحريض على الفسق والفجور، وذلك وفقا لنصوص أخرى يرد ذكرها بقانون الجزاء مازالت قائمة إذا صدرت من الشخص أفعال تمثل منافاة الآداب العامة أو التحريض على الفسق والفجور.