آخر فضائح بوريس جونسون؟

نشر في 22-02-2022
آخر تحديث 22-02-2022 | 00:00
هناك كثير ممن أدلوا بأصواتهم لجونسون لأنه «مزحة»، أدركوا أخيرا أن المزحة كنا نحن موضوعها، والتعامل مع قادتنا بالطريقة ذاتها التي نتعامل بها مع محترفي الترفيه لن يقودنا إلى الطريق إلى إدارة أفضل للحكم، وبعد فضيحة السهرات، يجب أن يقول البريطانيون: «كلا يا رئيس الوزراء، كن على قدر منصبك».
 بروجيكت سنديكيت تورط رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون، "الفتى الرهيب" في عالَـم السياسة البريطانية، في فضيحة بريطانية خالصة، كما شاهدنا مؤخرا في مسلسل تلفزيوني أنتجته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) والذي يستند إلى القضية الشهيرة "أرجيل ضد أرجيل"، أصبحنا الآن في مواجه طلاق ذائع الشهرة، لكن الانفصال المحتمل هذه المرة سياسي، وأخيرا أظهر درع جونسون الرقيق علامات الاهتراء.

في الحادي والثلاثين من يناير، سلط تقرير صادر عن الموظفة الحكومية سو جراي الضوء على "إخفاقات القيادة والحكم" في ما يتعلق بالتجمعات التي جرت في مقر رئيس الوزراء البريطاني في وقت كانت حكومة جونسون تفرض قيودا صارمة على بقية البلاد في التعامل مع مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد19)، وقد أحيل تقرير جراي إلى المزيد من التحقيق من قِـبَـل شرطة العاصمة.

يخضع للتدقيق حاليا ما لا يقل عن 12 من سهرات "النبيذ والكعك"، والتي حضر جونسون العديد منها، وفي أعقاب الكشف عن هذه المعلومات، تقدم أكثر من عشرة من أعضاء البرلمان المحافظين بخطابات لسحب الثقة من جونسون (54 رسالة من هذا القبيل تُـفـضي إلى تصويت رسمي بحجب الثقة بين نواب حزب المحافظين). بالإضافة إلى هذا، استقال خمسة من مساعدي رئيس الوزراء الرئيسيين، ومنهم كاتمة الأسرار والصديقة الحميمة منيرة ميرزا، التي كثيرا ما يطلق عليها لقب "مُـخ بوريس"، وارتفعت الأصوات المطالبة برحيل جونسون.

الواقع أن جونسون، في أقل تقدير، ليس غريبا على إثارة القضايا الجدالية، ففي وقت سابق قال إن النساء المسلمات اللاتي يرتدين البرقع يشبهن "صناديق البريد"، وأشار ضمنا إلى أن مأساة ملعب هليزبورو لكرة القدم في عام 1989، التي انتهت إلى موت 97 من مشجعي فريق ليفربول، عززت ثقافة الضحية في تلك المدينة.

لكن شعبية "رجل الشعب" هذا، الذي حقق للمحافظين في الانتخابات العامة لعام 2019 أكبر أغلبية برلمانية لهم منذ قادت مارغريت تاتشر الحزب في ثمانينيات القرن العشرين، تلاشت على نحو مفاجئ مؤخرا، ويرى نحو 62% من الناخبين أنه يجب أن يستقيل، وسجلت نسبة تأييده انخفاضا شديدا لتصل إلى 22%، والآن يتخلف المحافظون عن حزب العمل بأكثر من عشر نقاط في استطلاعات الرأي.

بطبيعة الحال، تتضاءل ثروات جميع السياسيين وتتلاشى، ولكن لماذا قد يؤدي حضور جونسون غير المؤذي نسبيا، وإن لم يكن حكيما، سهرة أو اثنتين إلى إنهاء حياته السياسية؟ ففي عهده رأينا أعلى مستويات الوفاة بكوفيد19 على مستوى أوروبا، والخروج الأخرق من الاتحاد الأوروبي، فضلا عن مستويات عالية من الفساد، بالإضافة إلى سجل حافل بالسلوكيات البغيضة.

مثله كمثل أغلب القادة الشعبويين، تخصص جونسون لفترة طويلة في اللعب على مشاعر الناخبين، فقد كان من أوائل أنصار "الأخبار الكاذبة"، فاستخدم المساحة المتاحة له في مطبوعات مثل The Daily Telegraph، وThe Spectator، وGQ، لكتابة أعمدة تعرض نظريات المؤامرة المشككة في أوروبا والتي لعبت على مخاوف أولئك الحريصين على الدفاع عن الطابع البريطاني. لم تشكل الحقيقة أي عقبة أمامه، كما حدث عندما شبه الحماس لإضفاء الطابع الفدرالي على الاتحاد الأوروبي بمخططات هتلر، وكان يصور نفسه طوال الوقت- حرفيا في الأغلب- على أنه "الرجل في الشارع"، سواء كان بريطانيا دمث الخلق أشعث الشعر على دراجة، أو عاشقا أصيلا حلو المعشر لحافلات لندن.

لكن مع "فضيحة السهرات"، يتحدى جونسون القيمة الأكثر بريطانية على الإطلاق: اتباع القواعد، فمنذ بداية الجائحة، أصدرت الشرطة أكثر من 100 ألف "إشعار عقوبة ثابت" في إنكلترا لخرق القيود المرتبطة بفيروس كورونا، غالبا بسبب انتهاك الحظر المفروض على التجمعات الصغيرة، وتراوحت الأمثلة بين الهزلي- غرامات قدرها 400 جنيه إسترليني (550 دولاراً أميركيا) كما حدث مع شخص يسير حاملا في يده فنجانا من الشاي، فاعتبرته الشرطة أنه خرج في "نزهة"- أو المأساوي كما في حالة سارة إدوارد، التي اختُـطِـفَـت واغتُـصِـبَـت وقُـتِـلَـت بيد رجل شرطة اتهمها بانتهاك قواعد فيروس كورونا.

أحصى المحامي آدم فاغنر ما يقرب من 100 تغيير للقواعد أثناء الجائحة، والتي حدثت كل 4 إلى 5 أيام في المتوسط، لقد حافظ البريطانيون إلى حد كبير على تيبس شفتهم العليا، حتى عندما انفصلوا عن أحبائهم في أيامهم الأخيرة، كما أوضح في البرلمان النائب المحافظ أرون بِـل، وكما تشهد روايات شخصية عديدة، وقد عبرت صورة الملكة إليزابيث الثانية، وهي جالسة بمفردها في جنازة زوجها الأمير فيليب في إبريل 2021، عن هذا المزاج بوضوح.

باختصار، لقد ضحى الشعب البريطاني بالكثير حتى لم يعد بوسعه أن يتسامح مع جونسون الذي يحضِّـر كعكته ويتناولها بجشع الآن، تتمثل خطيئة رئيس الوزراء الرئيسة في أنه نسي المبدأ الأساسي لسيادة القانون: فمن يضعون القواعد ملزمون بها هم أيضا.

مؤخرا، قالت تيريزا ماي، سلف جونسون، "إن رئاسة وزراء المملكة المتحدة لا تحترم الضوابط التنظيمية التي فرضتها على عامة الناس"، ربما لم يقرأ جونسون "القواعد" أو "لم يفهم ماذا تعني"، أو ربما هو وآخرون من حوله... لا يعتقدون أن القواعد تنطبق عليهم"، أو كما كتبت إيزوبيل ذات السبع سنوات من شيفيلد، والتي لم تتمكن من إقامة حفل عيد ميلادها في حين حظي جونسون بحفل عيد ميلاده، في رسالة موجهة إليه: "في المرة القادمة عليك اتباع القواعد! أنا أعلم أنك من وضعتها لكن هذا ليس عذرا".

أثناء وجوده في جامعة أكسفورد، كان جونسون عضوا في نادي بولينغدون، وهو مجتمع الشرب الذي يهيمن عليه خريجو كلية ايتون، والذي اشتهر أعضاؤه، بسبب ولعهم بحرق أوراق نقدية بقيمة خمسين جنيها إسترلينيا أمام المشردين، بانعدام الأخلاق بدرجة فاضحة وقحة ويقينهم بالإفلات من العقاب. كان مثل هذا السلوك السمة التي ميزت حياة جونسون المهنية بالكامل، من تلفيقه لاقتباس عندما عمل في صحيفة The Times إلى الاتهام الكاذب، الذي وجهه، وهو يردد الكلمات كالببغاء على طريقة نظرية المؤامرة التي ابتدعها اليمين المتطرف الأميركي، إلى زعيم حزب العمال كير ستارمر، ومفادها أنه تقاعس في وقت سابق عن مقاضاة شخص من مشتهي الأطفال في المملكة المتحدة.

يعشق جونسون التباهي بتعليمه الكلاسيكي في ايتون وأكسفورد، ولكن يبدو أنه نسي أن التأثير الذي تخلفه القواعد على السلوك يعتمد على تفهم الناس للمحتوى الأخلاقي الكامن في القواعد، والذي يعتمد بدوره على السلوك المثالي الذي يستعرضه صناع القواعد، وفي غياب هذا الارتباط الأخلاقي، تتحول القواعد إلى أصداف فارغة.

الواقع أن كثيرين من أولئك الذين أدلوا بأصواتهم لجونسون لأنه "مزحة"، ربما أدركوا أخيرا أن المزحة كنا نحن موضوعها، إن التعامل مع قادتنا بالطريقة ذاتها التي نتعامل بها مع محترفي الترفيه لن يقودنا إلى الطريق إلى إدارة أفضل للحكم، وبعد فضيحة السهرات، يجب أن يقول البريطانيون: "كلا يا رئيس الوزراء، كن على قدر منصبك".

* أنتارا هالدار مُـحاضِـرة جامعية في الدراسات القانونية التجريبية في جامعة كمبريدج.

«بروجيكت سنديكيت، 2022» بالاتفاق مع «الجريدة»

أنتارا هالدار

back to top