حكم قضائي يشرف الدولة
المسألة الوحيدة التي تذكرها المنصات الإخبارية العالمية ومنظمات حقوق الإنسان عن الكويت لم تكن عن استقالة الوزيرين، أو الاستجوابات النيابية المتلاحقة، أو تيه السلطة في حسم مسألة العجز المالي، بل كانت تحديداً حكم المحكمة الدستورية الأخير بعدم دستورية المادة 198 من قانون الجزاء، بخصوص تجريم "التشبه بالجنس الآخر"، غير هذا الخبر اسم الكويت لا يذكر لا بالخير ولا بالشر.الحكم يعد وساماً سامياً على صدر القضاء الكويتي، الذي فتح قليلاً باب الأمل بوجود "مؤسسات" فاعلة تحد من سلطات الدولة وتهور الأغلبية البرلمانية حين تشرع مثل تلك التشريعات المعيبة، ومنها اشتراط الإسلام لمنح الجنسية الكويتية الذي صوّت له مجلس الأمة في الثمانينيات - باعتراض فقط الراحل جاسم الصقر - وبصمت عليه الحكومة بجلسة التصويت في غفلة من الزمن.المحكمة رأت في ذلك النص المجرم عبارات فضفاضة غير منضبطة لا تحدد مفهوم الجريمة، ولم يضع المشرع (مجلس من مجالس الغمة) معياراً محدداً موضوعياً لتحديد الجريمة، وهذا يعد تهديداً لحقوق الأفراد وحرياتهم.
فإذا كان المتهم بالتشبه بالجنس الآخر (أي الجنس المحرم والمجرم في آن واحد) مريضاً بجيناته التي ولد بها أو لحالة نفسية يعاني منها فكيف تتم معاقبة المرضى؟ وبأي حق تم حبس عدد منهم ويتم تعريضهم للامتهان والاستغلال الجنسي ممن أنيط بهم مهمة تطبيق القانون؟ لم يصدق حزب المزايدين على مشاعر التخلف وقمع حرية البشر من نواب سابقين أو معاصرين، وهم بالمناسبة إذا لاحظتم في الحضن الحكومي بأغلب الأحوال، فتفجرت تصريحاتهم البائسة كالعادة بضرورة إعادة صياغة النص وتجريم الفعل من جديد. تلك المجموعة من النواب لا يشكلون هماً عند السلطة، بل هم في أحضانها الدافئة حين يتم التصويت على قضايا الاستجواب وإثارة قضايا المال العام، فهم ليسوا من النوعية المحافظة والمتشددة والمضحية بذاتها في محاربة الفساد وهدر المال العام، مثل النواب السابقين فيصل مسلم أو مسلم البراك وجمعان الحربش والطاحوس، وغيرهم.هؤلاء النواب السابقون المغضوب عليهم والمحكوم عليهم ظلماً بالإعدام السياسي، وإن كانوا نتائج فكرية لبيئة محافظة تقليدية، لكنهم بالوقت ذاته كانوا يقضون مضجع السلطة في طرحهم لقضايا الفساد المالي في كثير من الأحيان، بعكس تلك الماركة الجديدة من نواب اليوم المحافظين الذين لا هم ولا قضية عندهم إلا اليوغا أو عبارات في دعاية تجارية أو تمثال صغير وضع في زاوية منسية بمجمع تجاري.ينسب للنائب الطبيب الشلاحي أنه يطالب الدولة بمنع دخول الهندوس للكويت! تحية له على هذه الممارسة المؤلمة لمفهوم حرية الاعتقاد واحترام عقائد البشر، وإذا تعرض بعض المسلمين لممارسات طائفية عنصرية في الهند على يد عصابات من الهندوس المجرمين من دون نسيان تشجيع عنصرية حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، فهل تنتقم بالمقابل من كل هندوسي بمثل ذلك الطرح يا دكتور؟ ماذا لو صنعت دول غربية مثل رأيك للكثير من قضايا الإرهاب التي تمت على أيدي مسلمين؟ حاول ترامب ذلك فتصدت له مؤسسة القضاء والمجتمع المدني الغائب عنا، ثم تراجع وقصر المنع على دول لا حول لها ولا قوة... الله يهني هذا الشعب "المستنير المتسامح" بتلك السلطة وهذا المجلس، فكلاهما يعيد إنتاج الآخر.