تلقت روسيا أمس، وجبة أولى من العقوبات الغربية المؤلمة، رداً على قرار رئيسها فلاديمير بوتين الاعتراف بـ «جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك» المعلنتين من جانب واحد، والواقعتين في منطقة الدونباس شرق أوكرانيا. وأثارت خطوة بوتين، التي أقرها الدوما أمس، وخطابه الذي تضمن رسائل سياسية وتاريخية عالية السقف تشكك بشرعية وجود أوكرانيا كدولة، مخاوف وتساؤلات حول «الخطوة التالية» التي من المتوقّع أن يقدم عليها، خصوصاً بعد أن أعلن إرسال الجيش الروسي رسمياً إلى تلك المنطقتين، وهو ما يمكن أن يشكل رأس جسر لتمدد عسكري روسي قد يشمل كامل منطقة شرق نهر دنيب الذي يجتاز أوكرانيا من الشمال إلى الجنوب وتقع كييف عليه.
في هذا الإطار، كشفت «نيويورك تايمز» أن الرئيس الأميركي جو بايدن اطلع على خطط بوتين منذ أكتوبر الماضي، وذكرت شبكة «إن بي سي» الأميركية، أن واشنطن تخطط لنقل القيادة الأوكرانية المنتخبة من كييف إلى «لفيف» في غرب أوكرانيا، التي انتقلت إليها معظم السفارات الغربية.ولا يزال السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل هناك غزو روسي واسع النطاق لأوكرانيا؟ وذلك مع استمرار التحذيرات الغربية وآخرها على لسان لندن التي أشارت أمس، إلى أن الغزو قد بدأ بالفعل بإرسال الجيش الروسي إلى جمهوريتي «الدونباس».كما أعلن الجيش الأوكراني قصف مواقع دفاعية تابعة له قرب مدينة ماريوبل على بحر أزوف المغلق، في حين أشارت تقارير إلى أن موسكو تنوي السيطرة على كامل الواجهة البحرية لبحر آزوف وهو ما يربط شبه جزيرة القرم بجمهوريتي الدونباس ويمنع السفن الاوكرانية من عبور مضيق كيرش. وفي خطوة تبقي التكهنات مطروحة بشأن نواياها، أكدت الخارجية الروسية، أن "ترسيم حدود جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك مسألة مستقبلية سيتم حلها لاحقا".
لسنا إمبراطورية
وحاول بوتين أمس، احتواء الصدمة التي أثارتها كلمته أمس الأول خصوصاً قوله، إن الاتحاد السوفياتي صنع أوكرانيا التي لم تكن موجودة تاريخياً، وقال إنه لا يسعى لاستعادة الإمبراطورية الروسية، مضيفاً خلال اجتماع مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف في الكرملين، إن بلاده تعترف باستقلال الجمهوريات السوفياتية السابقة لكن «أوكرانيا استثناء».وبينما دعت وزارة الخارجية الروسية دول العالم «لاتباع خطوتها» في الاعتراف بالمنطقتين الانفصاليتين، صدق مجلس الدوما (البرلمان)، على معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة مع دونيتسك ولوهانسك التي من شأنها أن تمهد الطريق أمام موسكو لبناء قواعد عسكرية في الجمهوريتين وتبني موقف دفاعي مشترك وتقوية التكامل الاقتصادي.وأوضحت وكالة «تاس» الروسية للأنباء أن العمل بهذه المعاهدات سيستمر مدة 10 سنوات قابلة للتجديد تلقائياً 5 سنوات.«كييف» والحل العسكري
وفي أول تصريحات له بعد إعلان بوتين استقلال الجمهوريتين الانفصاليتين، لوّح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مؤتمر صحافي مع نظيره الأستوني بقطع العلاقات بشكل كامل مع روسيا، متهماً إياها أنها ردت على تمسكه بالحوار خلال الأشهر الماضية بالاعتراف بالانفصاليين.وأوضح: «نحن ندرك جميعاً أن هناك حرباً شاملة ضد أوكرانيا، وربما ستصعد روسيا الأمور، وفي حال حصل ذلك فسنلجأ للحل العسكري».وتابع:»صحيح أننا لسنا في حلف الناتو، لكن دولاً مجاورة في الحلف ستتضرر في حال شنت روسيا الحرب».من ناحيته، دعا وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي رزنيكوف في خطاب موجه إلى جنود بلاده أمس، للاستعداد للحرب. وقال: «ستكون هناك محن وخسائر. سيتعيّن علينا تحمّل الألم وتجاوز الخوف واليأس». لكنه أضاف «سننتصر حتماً، إننا على أرضنا».اشتباكات
ميدانياً، وفي أعلى حصيلة للضحايا منذ بداية العام، أعلن الجيش الأوكراني، أمس، إن اثنين من جنوده قتلا وأصيب 18 في قصف شنه انفصاليون موالون لروسيا في شرق أوكرانيا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وذكر أنه سجل 84 ظرفاً لقذيفة أطلقها الانفصاليون الذين فتحوا النار على نحو 40 منطقة سكنية بطول الشريط الحدودي مستخدمين المدفعية الثقيلة.العقوبات
وأعلنت الولايات المتّحدة، أمس الأول، فرض عقوبات على المنطقتين الانفصاليتين المواليتين لموسكو في شرق أوكرانيا. وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي، إنّ الرئيس جو بايدن أصدر أمراً تنفيذياً «يحظر على الأميركيين القيام بأي عمليات جديدة، استثمارية أو تجارية أو تمويلية، إلى أو مِن أو داخل ما يسمّى بجمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية».وفي بروكسل، أعلن رئيسا المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية في بيان مشترك، أن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي درسوا مجموعة عقوبات على روسيا، بهدف وضع اللمسات الأخيرة عليها دون إبطاء.وأضاف أن العقوبات، التي تم الاتفاق عليها إثر اعتراف روسيا رسمياً بالمنطقتين الانفصاليتين، تشتمل استهداف المشاركين في القرار غير القانوني، والبنوك التي تمول عمليات الجيش الروسي وغيره في المنطقتين، وقدرة الدولة الروسية والحكومة على الوصول إلى الخدمات وأسواق رأس المال والأسواق المالية في الاتحاد الأوروبي، للحد من تمويل السياسات التصعيدية والعدوانية، وحركة التجارة مع المنطقتين الانفصاليتين من وإلى الاتحاد الأوروبي، لضمان إحساس المسؤولين عن الأعمال غير القانونية والعدوانية بوضوح بالعواقب الاقتصادية لأعمالهم.وبعدما ترأس اجتماعاً للجنة الأمن القومي للطوارئ في بريطانيا في وقت مبكر، أمس، أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمام البرلمان، أمس، أن بلاده ستفرض عقوبات على 5 مصارف روسية و3 «أفراد أثرياء» منهم رجل الأعمال الروسي غينادي تيمتشينكو، رداً على اعتراف موسكو بالمنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا.وقال: «ستبدأ المملكة المتحدة وحلفاؤنا فرض عقوبات على روسيا قمنا بإعدادها بالفعل باستخدام صلاحيات جديدة وغير مسبوقة منحها هذا المجلس لمعاقبة أفراد روس وكيانات تحمل أهمية استراتيجية بالنسبة للكرملين».وحذر مجدداً من هجوم روسي قائلاً، إنه «عبر إنكار شرعية أوكرانيا كدولة وتصوير وجودها على أنه تهديد مميت لروسيا، يضع بوتين أسساً ذريعة من أجل شن هجوم شامل»، محذّراً من «أزمة طويلة الأمد» في أوكرانيا.وفي برلين، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس، أمس، أنه قرر تعليق المصادقة على تشغيل خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» مع روسيا، وحذّر خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الأيرلندي ميشال مارتن من عقوبات إضافية محتملة. لكن المستشار الألماني أكد في الوقت نفسه أن مواصلة الجهود الدبلوماسية «مهم لمنع مزيد من التصعيد وبالتالي كارثة» في المنطقة، مجدداً رفضه توريد أسلحة ألمانية إلى أوكرانيا.وفي باريس، قال رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستيكس، إن بلاده ستمضي بطريقي الدبلوماسية والعقوبات مع روسيا.وقلل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، من فرض العقوبات ووصف رد الفعل بأنه متوقع، قائلاً، إن الغرب سيعاقب روسيا بغض النظر عن أفعالها.استدعاء سفراء وموجة إدانة
ووسط موجة تنديد عالمية بقرار بوتين الذي ينهي عملياً «اتفاقات مينسك» التي أنهت الحرب في شرق أوكرانيا في 2014، استدعت بريطانيا والنمسا أمس، السفيرين الروسيين لديهما، وبدا موقف الصين لافتاً بحضها «جميع الأطراف» على «ضبط النفس وتجنب أي عمل من شأنه تأجيج التوتر».وأوضح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، أن دول مجلس التعاون تتابع بقلق تطورات الأحداث الجارية في أوكرانيا، وتؤكد تأييدها لكل الجهود الدبلوماسية لتخفيف حدة التوتر والتصعيد والشروع في إجراءات التهدئة بما يكفل عودة الاستقرار ويفسح المجال أمام إجراء مباحثات سياسية تفضي إلى حل سياسي للأزمة.وقالت وزارة الخارجية الروسية، إنها لاتزال منفتحة على عقد اللقاء المرتقب بين لافروف ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في جنيف.