إن السياق التاريخي مهم لفهم التجربة الديموقراطية الكويتية، والممتدة لقرنٍ من الزمان، وهي مدة كفيلة لتحقق الاستقرار السياسي والازدهار الاجتماعي والتنموي للبلاد، لكنها خلال تجربة الدستور منذ عام 1962 إلى اليوم تمر بمطبات وهفوات تحول دون إتمامها، والسبب الجوهري هو عدم قناعة الأسرة الحاكمة بفكرة المشاركة وتقاسم إدارة شؤون الدولة مع الشعب، ومحاولتها تقليص مظاهر الإدارة والمشاركة الشعبية قدر المستطاع.

وفي هذا السياق يمكن أن ندرك المبررات التي حملت السُّلطة إلى ما هو معروف بسنة تزوير الانتخابات عام 1967، ثم تبعتها بقيام النظام عام 1976 بحلّ مجلس الأمة حلاً خارج رحم الدستور، وعلّق الدستور وعطّل مجلس الأمة وقيّدت الحريات، في محاولة لإعادة النظر في النظام السياسي لتقليص دور الشعب بالإدارة في شؤون الدولة، ولم تنجح تلك التجربة، فعاد البرلمان عام 1982، ولكن استمرار عدم قناعة الأسرة دفعها مرة أخرى لحلّ مجلس الأمة عام 1986 على نفس النمط الذي تم في عام 1976 بأمر أميري، وتم التفرد بالسُّلطة، وتراجعت الكويت في فترتي الحل (عام 1976 و1986)، وهو ما يبيّن أن ضعف أداء الدولة ليس له ارتباط بمجلس الأمة وأعضائه، وإنما سببه التفرد بالسُّلطة وسوء الإدارة العامة.

Ad

إن الدستور الكويتي الصادر عام 1962 أرسى استقراراً سياسياً من خلال نصوصه، فأفرد الأسرة الحاكمة بمنصبَي الأمير وولي العهد، وجعلها إمارة وراثية بذرية مبارك، ونأى بالأمير عن المساءلة السياسية، فلم يُسند إليه سُلطات مباشرة في إدارة شؤون الدولة، تماشياً مع الأنظمة البرلمانية المماثلة، بل حرص الدستور بالنأي بأسرة الحكم عن التدخل في الشؤون العامة في الدولة، فمنع مشاركتها بالانتخابات، وسمح استثنائياً بإشراكهم بعضوية مجلس الوزراء بالتعيين من خارج مجلس الأمة.

إلا أن الدستور فقد توازنه، ليس بسبب نصوصه، ولا بسبب ممارسات أعضاء مجلس الأمة، وإنما بسبب أن الأسرة الحاكمة أرادت أن تجمع بين يديها سُلطتين أولاهما منحت لها بالدستور وهي إمارة الدولة وولاية عهدها، والثانية لم تمنح لها إطلاقاً، وهي رئاسة مجلس الوزراء، ولم يكن يعجز واضعو الدستور لو أرادوا إسنادها، لكنهم تركوها دون هذا الإسناد لحكمة مقصودة، بل تؤكد المذكرة التفسيرية بمواضع مختلفة على أمرين أساسيين؛ النأي بالأسرة الحاكمة عن مواضع للتجريح والنأي بها أن تكون خصماً سياسياً من جهة أخرى، بل وإغلاق الباب أمام أي مبالغات بضمانات للسُّلطة التنفيذية من جهة ثالثة، وهو ما يعني أن الأسرة الحاكمة تم النأي بها عن تولي السُّلطة التنفيذية، لكن الواقع سار عكس ذلك، فتولت إدارة شؤون البلاد كأمير وولي للعهد، وفقاً لما هو مقرر بالدستور، وتولت كذلك إدارة السُّلطة التنفيذية، من خلال استئثارها بمنصب رئيس الوزراء، وهو مكمن الخلل الذي نعيشه حتى اليوم، إذ إن المساءلة السياسية وفق النظام البرلماني تتم لرئيس الوزراء والوزراء، وعند اقترابها من أحد أبناء الأسرة تثور الحساسية السياسية، لأن التجريح سيكون من نصيبهم، وهو ما عمد الدستور إلى النأي بهم عنه، لكن إصرارهم على تولي منصب رئيس الوزراء وتعيين وزراء من أبناء الأسرة، أصبح بموجبه أبناء الأسرة الحاكمة من الوزراء موضعاً للمساءلة السياسية - وهو أمر طبيعي - وفقاً للنظام البرلماني، فنجم عنه حساسية، ونُظر إليه من أبناء الأسرة من جهة ومن قبل من يحرض على النظام البرلماني الكويتي أنه تحدٍّ من قبل البرلمان للأسرة الحاكمة، وهذا ادعاء باطل وفاسد.

إن صيرورة رئاسة مجلس الوزراء بيد الأسرة الحاكمة، جعلت هذا المنصب مرحلة من مراحل اعتلاء مناصب الدولة، والتي منها ولاية العهد والإمارة، لذلك أصبح منصب رئاسة مجلس الوزراء، بل حتى الوزراء، من المناصب التي تشهد صراعاً مستمراً بين أبناء الأسرة الحاكمة، الأمر الذي يستوجب أن تعود الأمور إلى نصابها، وأن تضع حالة الصراع بينهم أوزارها، وتنتهي هذه المسألة إلى غير رجعة، بالالتزام بالدستور والنأي بالأسرة الحاكمة عن المساءلة السياسية، ويأتي على رأسها ابتعادهم عن منصب رئاسة الوزراء، ولتبقَ الأسرة الحاكمة بموضع المرجعية والحياد بعيداً عن التجريح، باقتصارها على منصبَي الأمير وولي العهد.

محمد المقاطع