الهند تعيّن أول منسّق وطني للأمن البحري
عيّنت الهند نائب الأدميرال جي أشوك كومار، النائب السابق لرئيس هيئة الأركان البحرية، كأول منسّق وطني للأمن البحري، ولو في مرحلة متأخرة. بالنسبة إلى بلدٍ يرتبط أمنه ووضعه الاقتصادي بالبحر، كان غياب هذا المنسّق طوال 75 سنة غير مبرر.لا يقتصر الأمن البحري على الأمن الإقليمي أو العسكري التقليدي، إذ يفتقر المجال البحري إلى أي حدود واضحة، وتشمل المسؤوليات البحرية حركة السفن الخارجية والغواصات التي تملك حق المرور "البريء" بموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، لكن بدأت طبيعة التهديدات البحرية تتغير اليوم، فلا يزال الصراع التقليدي بين الدول سبباً لانتشار القوات البحرية حول العالم، لكن قد يؤدي ظهور التهديدات غير المتماثلة وشبه التقليدية والعابرة للحدود إلى زعزعة الاستقرار، وغالباً ما يستلزم هذا الوضع رداً متفاوتاً من القوات البحرية، وفي ذروة القرصنة الصومالية، انتشرت أكثر من 20 قوة بحرية لاحتواء عدد صغير من العناصر الشابة والمضللة التي كانت تستعمل بنادق "إي كيه-47" على متن قوارب صغيرة وتمكنت من ابتزاز التجارة العالمية.اتّضحت الحاجة إلى مقاربة منسّقة للتعامل مع الأمن البحري في الهند غداة الأحداث المأساوية في 26 نوفمبر 2008، حين نجح عدد من الإرهابيين المنقولين بحراً في دخول عاصمة الهند المالية على متن قارب صيد عادي وارتكبوا مجزرة صدمت البلد في ظل عجز المعنيين عن الرد على ما حصل. لم تكن تلك الحادثة المرة الأولى التي تتعرض فيها مومباي للاستهداف، ففي عام 1993، هبطت متفجرات على ساحل "غوجارات" واستُعمِلت لتنفيذ سلسلة من الانفجارات الجريئة والمنسّقة في أنحاء مومباي الكبرى وأسفرت العملية عن سقوط خسائر بشرية.
لسبب معيّن، لم يطلق ذلك الهجوم نوع الردود التي يمكن توقعها من المؤسسة الأمنية، لكن لحسن الحظ، لاقت أحداث نوفمبر 2008 الصدى المطلوب وأدت إلى إعادة هيكلة الهندسة الأمنية الوطنية الساحلية بالكامل، وسرعان ما اتّضحت المسؤوليات ونشأت وحدة قوية للقيادة والتحكم، لكن في خضم تنفيذ هذه المسؤوليات، اتضحت الأولويات المتضاربة في مختلف الأقسام والوزارات المرتبطة بالحوكمة البحرية الوطنية، فاقترحت القوات البحرية الهندية في تلك الفترة إنشاء سلطة قوية لتنسيق طريقة حُكم المجال البحري، لكنها لم تلقَ التجاوب المطلوب في أعلى مراتب السلطة لأسباب يسهل توقّعها، لذا يُعتبر تعيين منسّق وطني للأمن البحري قراراً إيجابياً جداً اليوم. يُفترض أن ينشط هذا المنسّق الوطني تحت إشراف مستشار الأمن القومي، مع أن نطاق المسؤوليات لم يتّضح بعد في المجال البحري المفتوح، ويأمل الكثيرون أن تتوسع صلاحيات هذا المنصب وتتجاوز حدود الأمن الساحلي الضيقة والنشاطات ذات الصلة.يواجه المجال البحري تحديات عدة أصلاً وأصبحت الهند، بصفتها القوة الرائدة في المحيط الهندي، مضطرة لمعالجة التحديات الإقليمية والتأكد من استمرار تفوّقها في منطقة المحيط الهندي، فقد سبق أن تولّت الهند دوراً قيادياً في رسم المعالم البحرية الإقليمية استناداً إلى عقيدة "ساجار" (الأمن والنمو للجميع في المنطقة) التي أطلقها رئيس الوزراء و"مبادرة المحيطَين الهندي والهادئ" الجديدة، وبما أن الهند تحافظ على الأمن في منطقة المحيط الهندي، فغالباً ما تكون هذه الدولة أول جهة تتجاوب مع الأزمات الإنسانية تزامناً مع دعم قضية محاربة التغير المناخي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تشمل جوانب عدة من المجال البحري. كان رئيس الوزراء قد سلّط الضوء مراراً على أهمية هذا المجال لتطوير مستقبل الهند، مما يؤكد ضرورة تطبيق مقاربة كلية ومنسّقة للتعامل مع الشؤون الأمنية البحرية... على أمل أن يسمح تعيين المنسّق الوطني للأمن البحري بتلبية هذه الحاجة الأساسية.* أنيل جاي سينغ