لم يكن بيان استقالة نائبي رئيس مجلس الوزراء وزيري الدفاع والداخلية السابقين الأسبوع الماضي معبراً عن أزمة سياسية فقط، إنما شهادة إخفاق لمؤسسات الدولة في الكويت من شخصين توليا نيابة الرئيس في إحدى السلطتين، علاوة على نفوذهما بحكم الانتماء إلى الجيل الثاني من الأسرة الحاكمة. وبغض النظر عن الأبعاد السياسية للاستقالة، فمن المهم الالتفات إلى ما ورد في بيانها، خصوصاً بشأن «واقع أجهزة الدولة التنفيذية التي تتطلب منّا القيام بتعديلات وإصلاحات جذرية ومتراكمة» فهو أمر يلقي الضوء على أوضاع العديد من المؤسسات والأجهزة على مستوى الدولة، وبعضها أُسس أصلاً بهدف معالجة الإخفاقات في وزارة معينة أو بغرض تقويم خلل اقتصادي واضح، فضلاً عن هيئات وجهات لم تُفلح في مهمتها الأساسية وهي تقديم «خدمات لوجستية» على شكل بيانات وسياسات ومؤشرات لبقية مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى محدودية قدرات السلطة التنفيذية على تحقيق أي سياسات أو إصلاحات اقتصادية أو مالية، حتى ولو كانت مُدرجة ضمن بيانات مجلس الوزراء المخصصة للشأن الاقتصادي أو خطابات وتعهدات رئيس الوزراء المفتوحة مع القياديين والأكاديميين.
الإحصاء والتنمية
فخلال السنوات الأخيرة، تعاظم إخفاق المؤسسات التنفيذية في البلاد إلى مستويات تؤثر على اتخاذ القرار وتحليل البيانات الحاضرة واتخاذ السياسات المستقبلية، وهو ما تمثل في عدم قدرة جهاز مهم كالإدارة المركزية للإحصاء على ممارسة الأغراض التي أنشئ من أجلها؛ وهي تقديم البيانات والإحصاءات المهمة للاقتصاد، فتعثر عن إصدار بيانات التضخم في أهم فترات صعوده عالمياً، بالتوازي مع توقفها (الإحصاء) عن نشر تقديرات الناتج المحلي الإجمالي في فترة شهدت اقتصادات العالم تقلبات لافتة في أحجامها ومكوناتها بسبب تداعيات جائحة «كوفيد 19»، في حين توقف جهاز آخر معني بتقديم الخطط والسياسات المستقبلية وهو «الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية» عن إصدار التقارير الدورية لمتابعة خطة التنمية لأكثر من فترة، وأهمل توصيات رئيس الوزراء بإطلاق ما يُعرَف بمؤشر الكويت الاقتصادي المعني بتحليل البيانات الاقتصادية قبل اتخاذ القرار بشأنها.مؤسسات أخفقت
وهذا الإخفاق في المهام التي أُسست من أجلها الجهات المعنية، يتسق مع إخفاقات عديدة لجهات تنفيذية أُسست أصلاً لتجاوز بيروقراطية وزارات الدولة، فمثلاً الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة تحول إلى بيئة خصبة للصراعات الإدارية وعدم الاستقرار الوظيفي، مما أدى إلى عرقلة أعمال وتمويل المبادرين المتوقف منذ نحو عامين، وهيئة تشجيع الاستثمار المباشر «الأجنبي» لم تستطع أن تحسِّن ترتيب البلاد كأقل دول الخليج استقطاباً للاستثمارات الأجنبية أو الجهاز الفني لبرامج التخصيص، الذي لم يخصص مشروعاً واحداً منذ إنشائه أو جهاز حماية المنافسة الغائب منذ سنوات عن رصد المظاهر الاحتكارية أو الممارسات الضارة بالمنافسة، كذلك هيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي كان الهدف الأساسي من إنشائها تفعيل نمط علاقة جديد بين القطاعين العام والخاص، يتمثل في رفع مستوى التعامل مع خلال مشاريع «BOT» و»PPP»، بدلاً من تنفيذ المشاريع عبر المناقصات العامة، فلم تنفذ إلا مشروعين من أصل 19 مشروعاً على لائحتها.توجهات غير منفذة
وأضِف إلى مجمل ذلك أن توجيهات رئيس الوزراء وبيانات السلطة التنفيذية لم تصل إلى مرحلة التنفيذ، مما يعكس جانباً من أزمة الإدارة العامة في الكويت، فلم تنفذ أي جهة حكومية مثلاً قرار مجلس الوزراء بخفض مصروفات الجهات الحكومية بنسبة 10 في المئة من ميزانية السنة المالية الحالية، ولم يتطور الواقع التنفيذي في أيّ من مشاريع البنية التحتية الكبرى في البلاد كمدينة الحرير أو ميناء مبارك أو منطقة العبدلي الاقتصادية، فضلاً عن تعهدات رئيس الوزراء بشأن «إصلاح الخلل الاقتصادي شيئاً فشيئاً، وسنبدأ به في البيت الحكومي»، في حين أن واقع الحال خلال عام فقط رهَن مالية الدولة لمصلحة استمرار الكرسي الوزاري على شكل أمثلة متعددة كوقف استقطاع القروض، أو الإسراع في تمرير مكافآت الصفوف الأمامية، أو الموافقة على زيادة رأسمال بنك الائتمان، وأخيراً الموافقة على بيع الإجازات السنوية للموظفين دون حتى بيان تكلفتها على المالية العامة للدولة.نفوذ ووضع
ومهما كانت استقالة الوزيرين «الجابر» و«المنصور» نتيجة تباين سياسي داخل مجلس الوزراء أو خلافات مع شريحة من نواب مجلس الأمة، فإنها تكشف من جانب آخر- وهو الأكثر أهمية- إخفاق المؤسسات التنفيذية، وعلى رأسها مجلس الوزراء في إدارة شؤون الدولة، مما سينعكس سلباً ليس فقط على مختلف الأوضاع الاقتصادية والتنموية في البلاد، إنما أيضاً يعطي مؤشراً من وزيرين نافذين يتوليان منصب نائب الرئيس، وهما من أبناء الأسرة الحاكمة على أن «الإصلاح شبه مستحيل» مما يئِد أي محاولة للإصلاح يمكن أن يتبناها وزراء آخرون لا يمتلكون نفوذهما أو وضعهما «السياسي- العائلي» وإن حسُنت نواياهم.منطق الوزيرين
القبول بمنطق الوزيرين المستقيلين- مهما كانت الآراء في سياستهما أو قراراتهما- يجب ألا يكون مبعث إحباط تجاه اتخاذ إجراءات من شأنها إصلاح أوضاع المؤسسات والجهاز التنفيذي للدولة، بقدر ما يجب أن يكون محفزاً لإصلاح أوضاع من المستحيل القبول باستمرارها، وأول أوجه الإصلاح يتمثل في استبدال نهج مجلس الوزراء لا الأشخاص، واختيار حكومات على معيار الكفاءة لا الولاء، وإلزام السلطة التنفيذية ببرنامج واضح ومعلن يختلف عن العبارات الفضفاضة الواردة في برنامج العمل الحكومي الأخير، ويكون الهدف معالجة اختلالات الاقتصاد المتعاظمة خصوصاً على صعد «تنويع الاقتصاد والإيرادات والعمالة والتركيبة السكانية» وفق جداول زمنية وجدية في المحاسبة وجودة في الإنجاز؛ عندها يمكن أن نضع البلاد على أول طريق معالجة إخفاقات السنوات الماضية.