ردود فعل غائبة
ردود الفعل من معظم التنظيمات السياسية وجمعيات النفع العام الكويتية على حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية (المادة 198 جزاء) التي تجرم "التشبه بالجنس الآخر" كانت مخجلة، ومعيبة، سايرت نهج القطيع في صمتها وعدم اكتراثها لأهمية تقدمية حكم "الدستورية"، وتركت الساحة فارغة لقوى المزايدة الرجعية، التي ضمّت جماعات الإسلام السياسي ومن يزايد معها في استعراضات فتل العضل على المتشبهين، وكأنهم آفة اجتماعية دخيلة لم يعرفها المجتمع الكويتي منذ بداياته، أو كأنهم حالة شاذة لهذا العالم الإسلامي "النموذجي"، كما يروج له دعاة البؤس اليوم.مرض اضطراب الهوية الجنسية الـ "جندر" قديم قدم التاريخ البشري، وتصدى له فقهاء مسلمون في جزئية مسألة التوريث، وما إذا كان صاحبها يورث كأنثى أو كذكر متى كان مزدوج الأعضاء التناسلية. أما على صعيد التاريخ الاجتماعي للدولة الإسلامية، فكانت حالة ليست غريبة، وليس هذا موضوعنا الآن.لماذا صمتت تلك الجمعيات في المجتمع المدني الكويتي "الكومبارس"، وآثرت طريقة السلامة ومسايرة نهج الخجل، بدلاً من مواجهة قوى التزمت الرجعية؟
المحكمة الدستورية في حكمها المتفق وصحيح القانون والتفسير الأمثل لحقوق الإنسان وكرامته لم تكن المحكمة الأميركية العليا التي شرعت زواج المثليين، وقبلها الإجهاض في حدود معينة. كل ما صنعته المحكمة الكويتية أنها قالت إن النص بصورته هذه، والذي تسابق على تشريعه عناترة المجلس في زمن مغبر مع "تتبيلة" السلطة الحكومية كالعادة، يُعد خطراً على حريات وحقوق الإنسان بذلك الشكل المعيب الذي خرج به، ولم يحدد معياراً موضوعياً لتحديد تخوم الجريمة، فأين العيب والانحراف الدستوري مثلما غرد "دوجي" الفقه الدستوري الكويتي؟ دوجي هو أحد عظماء الفقه الدستوري الفرنسي في زمن مضى، بالتأكيد لم يكن يحشر معتقداته الشخصية السياسية في التفسير الفقهي على نحو ما فعل "دوجي" الكويت اليوم ومن معه من نواب الرياء ممن يضربون الطار بالمقلوب في حلقات التكسب السياسي على مشاعر الجهل والانغلاق الثقافي.أزمة هذه الدولة ليست أزمة سلطة نسيت مشيتها كالغراب في نهج إدارة الدولة، بل هي أزمة مجتمع استهلاكي متكلس ومحنط بفكر يهيم في سمائه الغربان، ولا عزاء لحقوق الإنسان.