بعد ساعات من اعتبار الرئيس الأميركي جو بايدن بأن الغزو الروسي لأوكرانيا بدأ بالفعل، مع اتجاه موسكو لإرسال قوات إلى جمهوريتي الدونباس الانفصاليتين شرق أوكرانيا، أعلنت كييف أمس، حال الطوارئ لمدة 30 يوماً واستدعت جنود الاحتياط، فيما أبقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يضبط منذ البداية إيقاع الأزمة الراهنة مع أوكرانيا والدول الغربية، الغموض حول نواياه.

Ad

بوتين لن يساوم

وبعد حضوره مراسم وضع إكليل من الزهور على ضريح الجندي المجهول لمناسبة "يوم المدافع عن الوطن"، حذر بوتين أمس، من أنه لن يساوم أو يفاوض على "مصالح روسيا ومواطنيها وأمنهم"، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يزال منفتحاً على الحوار لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة.

وذكر بوتين أنه لم يحصل بعد على أجوبة على الضمانات الأمنية للأمن في أوروبا، وأبرزها الحصول على تعهد بعد انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وقال آندريه تورتشاك العضو البارز في الحزب الحاكم في روسيا، أمس، إن الجيش الروسي سيدخل جمهوريتي الدونباس، إذا طلب زعماء الانفصاليين هناك ذلك.

بدوره، أكد دينيس بوشيلين، زعيم إحدى المنطقتين الانفصاليتين، للصحافيين، أمس، إن الجيش الروسي غير موجود حتى الآن في الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون رغم مزاعم الغرب بأن موسكو لها وجود عسكري سري هناك منذ أعوام.

وصرح بوشيلين للصحافيين بأن القوى الانفصالية في الدونباس لا تحاول توسيع رقعة أراضيها، مضيفة أنها تفضل حل أي مشاكل لترسيم الحدود مع أوكرانيا سلميا.

وتتوافق تصريحات بوشيلين مع ما أعلنته وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، التي قالت: "رغم أن بوتين أعلن أنه سيرسل قوات، فإنه ليس لدينا حتى الآن الدليل الكامل على حدوث ذلك"، واصفة الوضع الحالي بأنه "مبهم".

في السياق، قال وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير، إن كلمة "غزو" التي استخدمها بايدن ليست مناسبة لما يحدث الآن في شرق أوكرانيا. وأَضاف: "ما يحدث الآن هو محاولة للتعدي على وحدة أراضي أوكرانيا والتشكيك في الاتفاقات الدولية".

معارك في الشرق

ميدانياً، أفاد الجيش الأوكراني، أمس، بمقتل أحد جنوده وإصابة 6 آخرين في قصف نفذه انفصاليو الدونباس، مضيفاً أنه رصد 96 واقعة قصف من انفصاليين في الساعات الـ 24 الماضية.

في المقابل، أعلنت لوهانسك ودونيتسك المعلنتين من جانب واحد عن تعرض المناطق السكنية في أراضيهما إلى قصف متواصل من القوات الأوكرانية.

وفي وقت أعلن القائم بأعمال وزير الطوارئ في روسيا، ألكسندر تشوبريان، أن أكثر من 95 ألف لاجئ من دونباس عبروا الحدود حتى صباح أمس، أكدت هيئة الأمن الفدرالي الروسية إحباطها "مخططاً إرهابياً لتدبير تفجير في إحدى الكنائس المسيحية بشبه جزيرة القرم".

وأشارت إلى أن 6 مواطنين روس اعتقلوا على خلفية هذه القضية، مشيرة إلى أن هؤلاء من أنصار جماعة "القطاع الأيمن" الأوكرانية اليمينية المتطرفة.

إجلاء متبادل

وفي خطوة تعكس جحم التوتر، دعت وزارة الخارجية الأوكرانية، أمس، مواطنيها إلى مغادرة روسيا في أقرب وقت، بعد قليل من إعلان موسكو، إنها بدأت بإجلاء دبلوماسييها من أوكرانيا "لحماية أرواحهم"، في وقت ذكرت وكالة "رويترز"، أن سفارة روسيا في كييف أنزلت العلم الروسي عن مقرها.

مناورات دول البلطيق

في غضون ذلك، أعلن وزراء دفاع 10 دول عن مناورات عسكرية في بحر البلطيق، بعد محادثات في بريطانيا دانوا خلالها الخطوات الروسية حيال أوكرانيا.

وتضم القوة التي تشكّلت عام 2012 دولاً أعضاء في "الناتو" هي الدنمارك وإستونيا وآيسلندا ولاتفيا وليتوانيا وهولندا والنروج والمملكة المتحدة، إلى جانب فنلندا والسويد غير المنضويتين في الحلف. وبالتزامن، قرّرت المجر نقل قوات إلى حدودها مع أوكرانيا حيث تستعد لتدفق محتمل للاجئين الفارين من الصراع مع روسيا.

ويبلغ طول الحدود بين المجر، العضو في الاتحاد الأوروبي ، وأوكرانيا نحو 140 كيلومتراً.

ضوء أخضر للعقوبات

وغداة إطلاق إدارة بايدن حزمة أولى من العقوبات، التي من شأنها أن تعزل روسيا عن المنظومة المالية الغربية، وتستهدف "النخب الروسية" ومؤسسات مالية مشدّداً على أنها "تتجاوز بكثير الخطوات التي نفذناها نحن وحلفاؤنا وشركاؤنا في 2014"، في إشارة إلى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا في ذلك العام، أعلن الاتحاد الأوروبي رسمياً الحزمة الجديدة من العقوبات التي فرضها على روسيا، على خلفية قرارها الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك في الدونباس.

وتشمل قائمة العقوبات الأوروبية الجديدة 351 نائبا في مجلس الدوما (الغرفة الأدنى للبرلمان الروسي)، الذين صوتوا لمصلحة الاعتراف بالجمهوريتين، إضافة إلى 27 فرداً ومنظمة.

وانتقدت صحيفة "الغارديان" البريطانية اليسارية في افتتاحيتها أمس، الرد الغربي الفاتر، وقالت إن قرار ألمانيا تعليق مشروع أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" مدهش مرحب به، مضيفة: "لكن نورد ستريم 1 يقدم ثلثي ما تحتاجه ألمانيا من الغاز". وأشارت إلى طلب رئيس وزراء إيطاليا ماريو دراغي بعدم شمل الطاقة في قوائم العقوبات، ورأت أن العقوبات البريطانية تعاني من "ضعف واضح وفقر دم"، إذ استهدفت 5 بنوك وثلاثة من "الأوليغارشيين" الذين استهدفتهم الولايات المتحدة قبل سنوات.

في غضون ذلك، قال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي إن الدول الأعضاء في التكتل أعطت الضوء الأخضر، من خلال مبعوثيها إلى بروكسل، لفرض الحزمة الأولى من العقوبات على روسيا.

ويبدو أن هذه العقوبات، ستشمل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، حسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن دبلوماسيون غربيين. وتحتاج العقوبات الى توافق دو التكتل الـ 27، التي ترفض بعضها مثل إيطاليا أن تشمل قطاع الطاقة.

وبعدما وضعت حكومته أول دفعة من العقوبات على الروس شملت 5 مصارف إضافة إلى 3 أفراد من ذوي الثروات الطائلة والمقربين من الكرملين، شدد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أمس، على ضرورة الوحدة بشأن فرض عقوبات على موسكو، وقال: "سنطوق مصالح بوتين في لندن وباريس ونيويورك بشكل متزامن".

وفي السياق، أعربت وزيرة الخارجية الألمانية انالينا بيربوك ونظيرها الفرنسي جان إيف لودريان، أمس، عن تأييد حكومتيهما للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا.

وجددت بيربوك موقف حكومة بلادها الداعي الى عدم قطع قنوات الحوار مع روسيا بالقول "حتى في أوقات الأزمات الصعبة يجب أن تبقى النافذة مفتوحة أمام الحوار لأننا نريد الحيلولة دون وقع حرب".

من جانبه، أكد لودريان ضرورة توحيد المواقف الأوروبية في وجه روسيا، معتبراً أن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي "اتخذت بشكل منسق وسريع" واصفاً هذه العقوبات بأنها "قاسية وموجعة".

وحذر الوزيران أمس، من خطورة خطاب الرئيس الروسي قبل 3 أيام الذي شكك فيه بشرعية وجود أوكرانيا كدولة مستقلة، وأكدا أن بوتين "يحاول إعادة عجلة التاريخ في شرق أوكرانيا إلى الوراء على حساب جيرانه، ويسعى إلى إلغاء أوكرانيا كدولة ذات سيادة".

ورداً على اعلان نائب وزير الخزانة الأميركي أن واشنطن ستحرم روسيا من التكنولوجيا الغربية والمواد الأساسية، وتحذير مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية من أنّ العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على مصرفين روسيين سيتّسع نطاقها لتشمل القطاع المصرفي الروسي بأكمله، توعّدت موسكو برد "قوي ومؤلم" على العقوبات الأميركية.

وأكدت وزارة الخارجية الروسية، في بيان "يجب ألا يكون هناك شك في أنه سيكون هناك رد قوي على العقوبات، ليس بالضرورة متناسباً، لكنه محسوب جيداً ومؤلم للجانب الأميركي".

وأضافت أنها تستنكر "الابتزاز والترهيب" من واشنطن، مؤكدة أن روسيا تبقى "منفتحة على الدبلوماسية القائمة على مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة ومراعاة المصالح المشتركة".

بدورها، أعربت الصين عن معارضتها للعقوبات ضد روسيا معتبرة أنها "ليست أفضل طريقة لحل المشكلات"، وانتقدت تأجيج الولايات المتحدة للأزمة الأوكرانية، مشيرة إلى أن دعمها لتوسع "الناتو" لم يترك للرئيس الروسي سوى خيارات قليلة.

ووصفت الولايات المتحدة بأنها "الجاني فيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا"، مؤكدة أنها "تضيف الوقود إلى منزل يحترق بينما تشير بأصابع الاتهام إلى الآخرين الذين يحاولون إخماد الحريق"، مشدّدة على أن "هذا العمل غير مسؤول وغير أخلاقي".

إلغاء لقاءات

دبلوماسياً، أجرى الرئيسان الروسي والتركي أمس، مكالمة هاتفية شدد خلالها الرئيس رجب طيب إردوغان على عدم رغبته في تخريب علاقات بلاده الجيدة مع روسيا وأوكرانيا.

وقالت الرئاسة التركية، إن إردوغان أبلغ بوتين بأن أنقرة لا تعترف بالخطوات التي اتخذت أخيراً ضد وحدة أراضي أوكرانيا، وأن الصراع العسكري في المنطقة لن يكون في فائدة أي من الأطراف، وجدد عرضه المساعدة في التوصل إلى حل.

جاء ذلك بينما أعلن البيت الأبيض تخليه عن فكرة عقد قمة بين الرئيسين بايدن وبوتين كان دفع من أجلها نظيرهما الفرنسي إيمانويل ماكرون، كذلك إلغاء اللقاء الذي كان مقرراً اليوم بين وزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والروسي سيرغي لافروف في جنيف.

وقال بلينكن في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا بواشنطن "أما وقد رأينا أنّ الغزو قد بدأ وروسيا رفضت بوضوح أيّ خيار دبلوماسي، فلا معنى بتاتاً لأن نلتقي في الوقت الراهن".