بن فرحان: مفاوضات فيينا بداية... وحرب اليمن طالت
«الاتفاقيات الإبراهيمية جيدة جداً لكن دون حل المشكلة الفلسطينية سيكون التطبيع مع إسرائيل هشاً»
شكك وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في قدرة إحياء الاتفاق النووي على احتواء خطر وصول إيران لـ «العتبة الذرية» وإطلاق سباق تسلح نووي وربط نجاح أي مسار تفاوض دولي مع طهران بإشراك الرياض وتوسعته ليشمل الأمن الإقليمي، في حين رأى أن التطبيع مع إسرائيل سيكون هشاً بدون تسوية للقضية الفلسطينية.
أعرب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، عن عدم ثقته بنجاعة إحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 والمعروف باسم «خطة العمل المشتركة الشاملة»، مجدداً مطالبة بلاده بضرورة إشراكها في المفاوضات الدولية بشأن برنامج طهران الذري وتوسعتها لتشمل الأمن الإقليمي. وقال بن فرحان، في مقابلة نشرتها وكالة الأنباء الألمانية أمس: «ليس لدينا ثقة في أن خطة العمل المشتركة الشاملة بوضعها الحالي يمكنها أن تحول دون تصنيع إيران قنبلة نووية».وأضاف الوزير السعودي: «نتفهم رغبة شركائنا في العودة إلى هذه المفاوضات، لكننا نرى أن هذه المفاوضات ينبغي أن تكون مجرد البداية، وليست نهاية المطاف».
وأوضح أنه يجب اعتبار هذه المفاوضات: «مجرد خطوة نحو الاتجاه الصحيح، ثم البناء عليها لتحديد مسار البرنامج النووي بدقة، مع مناقشة القضايا الإقليمية»، وقال: «هذا لن ينجح إلا إذا قام المجتمع الدولي، وهنا بالتحديد الدول الممثلة في الاتفاق النووي، بإشراكنا في هذه المفاوضات مع إيران». وحذر الأمير فيصل من أنه إذا امتلكت الجمهورية الإسلامية إمكانيات تصنيع قنبلة نووية «العتبة الذرية»، فإن ذلك سيكون بالطبع إشارة خطيرة جداً، وقد يدفع بالتأكيد دولاً أخرى لسلك نفس الطريق، وقال: «نتبنى مبدأ قوياً مناهضاً للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل بوجه عام، ونحن نتمسك بهذا المبدأ، لكن إذا امتلكت إيران تلك الإمكانيات النووية، فإن ذلك سيزعزع استقرار المنطقة، ولا يمكن توقع ما سيحدث من تصعيد أو رد فعل».وجاء تحذير بن فرحان من إطلاق «سباق نووي» في وقت لم تحرز مباحثات بلاده الثنائية مع طهران تقدماً ملموساً لجهة إنهاء الخلافات وفي ظل تواصل الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا بين إيران ومجموعة «4+1»، بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، بهدف إعادة طهران وواشنطن للامتثال ببنود الاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018.
تصعيد حوثي
وتطرق بن فرحان إلى الحرب في اليمن، مؤكداً أن بلاده لم تبدأها، ومعتبراً أنها جاءت نتاج سيطرة الميليشيات الحوثية، المدعومة من إيران، على السلطة بالقوة.وأوضح الوزير قائلاً: «تدخلنا مع شركائنا لمساعدة وحماية الحكومة اليمنية. كنا نأمل ألا يطول الأمر، لكنه للأسف استغرق وقتاً أطول مما كنا نتمنى. لا نزال نواصل مساعينا للعثور على طريق سياسي لحل الأزمة».وذكر الأمير أن بلاده اقترحت في مارس الماضي وقفاً لإطلاق النار تعقبه عملية سياسية، مشيراً إلى أن هذه هي المرة الثانية التي تقدم فيها السعودية هذا المقترح، وقال: «للأسف لم يقبل الحوثيون بذلك حتى الآن، كما رفضوا إجراء أي حوار إيجابي حول الأمر».وحمّل الوزير الحوثيين مسؤولية تصعيد الوضع عبر استمرار محاولاتهم في مهاجمة مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، مثل منطقة مأرب، حيث يقيم مليون نازح إلى جانب مليون ساكن، ورأى أن ذلك «يعني أنهم لم يقرروا إبرام السلام، نحن نبذل ما في وسعنا لحماية المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية. تدخلنا في مأرب بصورة أقوى حتى لا يتم اجتياحها، وكذلك لإرسال إشارة واضحة للحوثيين بأن طريق العنف لن يفيد، وأنه لا سبيل غير الحوار». وأشار إلى الهجمات التي يشنها الحوثيون على مطارات ومنشآت في السعودية وكذلك الإمارات، وقال: «كل هذا للأسف إشارة على أن الحوثيين لم يقرروا بعد القيام بما هو في مصلحة اليمن، بل ما يعتبرونه طريقاً أفضل لهم». وأعرب الوزير عن أمله في التعاون مع الشركاء في المجتمع الدولي عبر ممارسة المزيد من الضغوط لجعل الحوثيين يقبلون بوقف إطلاق النار ثم الدخول في حوار سياسي، «وإلا ستكون هناك عواقب حال عدم حدوث ذلك».تطور السلام
من جهة ثانية، وصف وزير الخارجية السعودي اتفاقيات السلام التي أبرمت بين دول عربية وإسرائيل بالتطور الإيجابي جداً. وقال الأمير فيصل: «كنا نأمل حتى قبل توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية في حدوث زخم جديد في المنطقة نحو السلام ونحو وضع أفضل، لكن يظل من المهم دائماً ألا ننسى أن المشكلة الرئيسية هي مشكلة الفلسطينيين».وأكد الوزير ضرورة إيجاد طريق الآن لجلب الفلسطينيين والإسرائيليين إلى مائدة المفاوضات، حتى يمكن التحدث عن حل الدولتين وإيجاد سلام طويل الأمد، وتابع: «نرى أن تطبيعاً كاملاً مع إسرائيل في المنطقة ليس مهماً أو جيداً فقط لإسرائيل، بل مهماً وجيداً لنا جميعاً، لأن ذلك يمكنه أن يفيد جميع دولنا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني». وفي المقابل، أكد الأمير فيصل أنه «بدون حل للمشكلة الفلسطينية، سيكون كل شيء هشاً، ويسهل كسره على الفور إذا حدث أي تصعيد»، ورأى أن «الوضع في المناطق الفلسطينية صعب، لذلك يجب أن تكون الأولوية الآن لإعادة إحياء عملية السلام».الطاقة الخضراء
وفي شأن آخر، ذكر الوزير أن بلاده ترتبط تاريخياً بشراكة وصداقة وثيقة مع ألمانيا قائمة على التعاون الصناعي، مؤكداً عزم الرياض توسيع التعاون في مجال الطاقة الخضراء مع ألمانيا.وقال الأمير فيصل: «الصناعة الألمانية نشطة بشدة في السعودية منذ خمسينيات القرن الماضي، بيننا أيضاً تعاون في مجال الآثار، إلى جانب برامج ثقافية، وهي مجالات تمثل لنا أولوية الآن في إطار برنامج رؤية 2030». وأوضح أن جزءاً مهماً من «رؤية 2030» يتمثل في الانتقال إلى الطاقة الخضراء، وأضاف: «صحيح لدينا كثير من النفط، لكن لدينا أيضاً كثير من الشمس والمساحات الشاسعة لإقامة محطات للطاقة الشمسية، ولدينا رياح جيدة، لذلك سنكون على المدى الطويل شريكاً مهماً في مجال الطاقة الخضراء، ولدينا التزام قوي تجاه أن نكون جزءاً من الحل في قضية تغير المناخ».منير الربيع
لدينا التزام قوي تجاه أن نكون جزءاً من الحل في قضية تغير المناخ عبر التوسع في مجال الطاقة الخضراء