بقايا خيال: فضيحة الحكومة «بجلاجل»!
كلنا يعرف قصة راعي الغنم الذي أثار مخاوف أهل القرية عندما صرخ فيهم بأن ينقذوه من الذئب مدعياً أنه افترس إحدى أغنامه، ولما اقتربوا منه لم يجدوا الذئب واكتشفوا أن الراعي يكذب، وكرر الراعي كذبته وخدع أهل القرية مرة ثانية، إلا أنهم في الثالثة وعندما هجم الذئب على الأغنام بالفعل لم يعيروه أي التفاتة، وفي الكويت لدينا رعاة أغنام "غير"، فهم أذكياء وصادقون مع أنفسهم وواقعيون، ولهذا فهم لم يكذبوا قط، بل قالوا الحقيقة كلها حتى لو كانت بمرارة الحنظل، وترجموا هذا الصدق والواقعية بأن أخبروا أهل القرية أن ذئاب الأزمات المالية والإدارية قريبون من أسوار المزرعة ومن الأغنام أيضاً، ويجب عليهم أن يحتاطوا لحماية ممتلكاتهم وأنفسهم. إلا أن القائمين على إدارة مؤسسات الدولة لم يعيروهم أي اهتمام، بل وصفوهم بالمتشائمين الذين ينشرون البؤس والخوف من مستقبل مجهول، حتى لو أكدوا أن هناك أغناما لرعاة آخرين افترستها ذئاب الأزمات، ومن هؤلاء الرعاة خبراء في التحليل المالي والتجاري والإداري، وفطاحل في استشراف المستقبل، فهم ليسوا متشائمين بقدر ما يحللون كيف يدار البلد بشكل سيئ، الأمر الذي من المحتمل أن يؤدي إلى الهاوية، وهؤلاء هم مفسرو الحقائق لا الأحلام، وهم ليسوا من أصحاب النظرة السوداوية، إنما يرون الوقائع الرقمية المؤكدة التي لا تقبل التأويل، إلا أن المشكلة تكمن في أتباع السلطة الذين دوماً يرون الأشياء بعين الرضا، ولا شيء غير الاستحسان والقبول بالأمر الواقع، فهم إما أنهم لا يقدرون على الأحاديث النقدية لأن لقمة السلطة مازالت في أفواههم، أو أنهم يطبقون مبدأ "ما يمدح السوق إلا من ربح فيه". تخيل أن أغلب المحللين الاقتصاديين وخبراء المال والإدارة من داخل الكويت وخارجها كانوا ومازالوا يحذرون من القنابل الموقوتة التي أهملتها الحكومات الكويتية المتعاقبة، ومنها الاختلالات الهيكلية المتمثلة بالتركيبة السكانية والاعتماد الكلي على النفط وتضخم بند الرواتب والأجور، حتى جاء وزير المالية عبدالوهاب الرشيد ليصرح قائلاً إن الإصلاحات الاقتصادية التي كانت تنادي بها السلطة ما هي إلا "حبر على ورق"، وإن كل تأجيل للإصلاحات المالية والاقتصادية في البلاد يزيد المشكلة تعقيداً، وإن الدولة استنفدت الحلول السهلة لتعزيز السيولة، وإن عدم إقرار "الدين العام" أدى لسداد استحقاقات سندات محلية بأكثر من 4.1 مليارات دينار، وإنه في غياب القانون لا يمكن تمديد قيمة السندات المستحقة في شهر مارس المقبل.
هذا الكلام الذي أطلقه وزير المالية قبل أيام، قاله الخبير الاقتصادي جاسم السعدون، رئيس مكتب الشال للاستشارات الاقتصادية، في كل الندوات والمحاضرات والمنتديات والمجالس التي شارك فيها، طوال العقود الخمسة الماضية، لكن المشكلة في جماعة السلطة وأتباعها الذين إذا كرهوا شخصا، فإنهم لا يحيدون عن مسار الاتهام الأعوج، فجاسم السعدون متشائم وينتقد الأداء المالي والإداري للسلطة، وناصر النفيسي مدير عام مركز الجمان للدراسات الاقتصادية نظرته سوداوية لأنه قال إن إدارة البلد أصبحت لتصريف العاجل من الأمور المتمثلة في بيع نفط ودفع رواتب، وإنه لا توجد إدارة حقيقية للإصلاح، ولا توجد محاسبة حقيقية. وإذا كان هؤلاء الخبراء متشائمين ولا يرون في الحكومة إلا زلاتها، فما رأيكم بوزير المالية الذي أكد أن فضيحة الحكومة "بجلاجل"، ولو أنني لا أعرف ما معنى جلاجل؟