الأغنية الوطنية.. إبداع ثري يغمر وجدان أهل الكويت ويسكن في ذاكرتهم
بإبداع ثري يغمر وجدان أهل الكويت ويسكن في ذاكرتهم جيلاً بعد جيل أسهمت الأغنية الوطنية الكويتية في تلمس مشاعر سامعها بإحساس عميق بالانتماء لهذا الوطن وشحذ الهمم وترسيخ معاني الوحدة الوطنية برسالة نبيلة تجاوزت واقعها الجغرافي نحو فضاء أوسع من عاشقي هذاالفن الفطري الإنساني وجوهره الحقيقي.ففي عهد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم تسارعت عجلة التطور والإبداع ومع بدء بث الإذاعة الكويتية عام 1951 انتشرت المفردة الكويتية ذات الطابع الخاص بين أرجاء الدول العربية مفعمة كلماتها وألحانها بأثير المحبة والانتماء للوطن.وبعد تجاوز مرحلة الانتشار ثم القبول لدى المستمع العربي بدأت الأغاني الوطنية الكويتية تصنع لها جمهوراً شغوفاً ينتظر إبداع صناع الفن في الكويت بفارغ الصبر.
الحركة الإبداعية
ومع بزوغ نجم تلفزيون الكويت عام 1961 تسارعت الحركة الإبداعية الكويتية التي تزامنت مع مرحلة الاستقلال بقيادة حكيمة بدءاً من الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عندما تولى أول حقيبة لوزارة الإرشاد والأنباء في البلاد حينها ومن بعده الشيخ جابر العلي رحمهما الله.وإبان ذلك بدأت رحى الإبداع بالدوران منتجة أعمالاً وطنية كويتية مهمة بمناسبة الاستقلال مثل «آن أن نحمي الحمى» و«طاب النشيد» و«حماة العرين» للملحن الراحل أحمد باقر و«رفرف يا علم بلادي» للفنان الراحل سعود الراشد و«الفجر نور» للفنان الراحل عوض الدوخي و«عيدنا الوطني» و«دقو طبول الفرح» للملحن يوسف مهنا.وفي الستينيات توافدت إلى الكويت أصوات عربية تصدرتها كوكب الشرق أم كلثوم في أغنيتين هما «يا دارنا يا دار» و«أرض الجدود» يليها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في أغنية «الكويت العربية» والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ في أغنيتين «من الجهراء للسالمية» و«العيد العيد» وأيضاً نجاة الصغيرة في «بلدي المحبوب» و«يا ساحل الفنطاس».ولا ننسى أيضاً الموسيقار الراحل فريد الأطرش في أغنيتين هما «يا مرحبا يا كويتنا» و«أرض الكويت» والفنانة هيام يونس في «يا كويتنا» و«حبيبي ساكن الدسمة».الأوبريت الوطني
وفي مطلع السبعينيات وتحديداً في عام 1972 كان للجمهور العربي موعداً مع إبداع كويتي جديد تجلى بظهور الأوبريت الوطني الغنائي بسواعد الملحن والموسيقار الراحل سعيد البنا وكلمات للشاعر الراحل محمد الفايز ليخلد أمجاد الأجداد.ولم تقف مسيرة الإبداع في الأغنية الوطنية الكويتية إلى هذا الحد بل تواصلت الإنتاجات الفنية الوطنية في السبعينيات منها العمل اللافت في تاريخ الأعمال الوطنية الغنائية «مذكرات بحار» للشاعر محمد الفايز ولحن غنام الديكان شدا بها كل من الفنان القدير عبدالعزيز المفرج «شادي الخليج» والفنانة سناء الخراز. أضف إلى ذلك ما سطره «شادي الخليج» وسناء الخراز أيضاً عبر مسيرة طويلة مع الأوبريتات الغنائية الوطنية بدءاً من منتصف السبعينيات وبالمشاركة مع وزارة التربية شكلا ثنائياً لا يُمحى من الذاكرة في لوحات غنائية وطنية نذكر منها أوبريتات «صدى التاريخ» و«حديث السور» و«مواكب الوفاء» و«حكاية وطن» وغيرها الكثير.وبصوتيهما العذبين أضاف «شادي الخليج» وسناء الخراز روحاً كويتية أصيلة بالاشتراك مع الملحنين سليمان الملا ومرزوق المرزوق ويوسف المهنا وغنام الديكان استلهموا أعمالهم من روح المجتمع الكويتي وإرثه الزاخر مترجمين واقع كفاح الإنسان الكويتي وصولاً إلى تطلعاته وتحقيقه لآماله.وفي مجال مسرح الطفل تم توظيف الأغنية الوطنية في سياق أحداثه نستذكر منها مسرحية «السندباد البحري» للكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن وبرزت فيها أغنية «بلادنا حلوة» للشاعر الراحل عبدالأمير عيسى ومسرحية «فدوة لك» من إخراج الفنان عبدالعزيز الحداد.وفي مجال الأوبريتات الوطنية كذلك برز دور الفنان القدير «شادي الخليج» بالأغاني الوطنية والألحان التراثية إذ شكل مع الشاعر الراحل عبدالله العتيبي والملحن غنام الديكان ثلاثي غنائي إبداعي ترك في ذاكرة الكويتيين إرثاً لا ينسى.وفي فترة الثمانينات برزت الأغاني الوطنية الرياضية ولاقت وهجاً وانتشاراً كبيراً ومن أبرزها أغنية «ها ياكويت» و«بدينا والبادي بسم الله» و«يا متكتك» و«هايدوه» لتغرس في نفوس «الكرويين» حب الوطن والاعتزاز به.محاكاة الواقع
وفي مطلع التسعينيات شهدت الأغنية الوطنية الكويتية توظيفاً ملائماً يُحاكي واقعها مثل أغنية «اللهم لا اعتراض» لكاتبها الشاعر القدير الراحل عبدالرحمن الأبنودي بصوت الفنان القدير عبدالله رويشد مناصفة مع الفنانة القديرة سعاد عبدالله في أوبريت «الليلة المحمدية» شارحاً آلام المرحلة ووجعها إبان الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت حاصداً تأييداً كبيراً للجانب الكويتي.كذلك هناك أغنية «وطن النهار» لشاعرها بدر بورسلي التي أذيعت للمرة الأولى عام 1991 لتقف شاهداً على حدث مؤلم إضافة إلى «حبيب الوطن» و«جار النجوم» و«وطني وردة البحر» للشاعرة الدكتورة سعاد الصباح و«حنا العرب» للفنان القدير عبدالكريم عبدالقادر و«عهد الوفا» للفنان القدير نبيل شعيل و«رسالة إلى العالم» و«يمه لا تبجين» والتي تناولت قضية الأسرى الكويتيين.وعن تلك النجاحات من خلال الأغنية الوطنية الكويتية قال الشاعر الغنائي بدر بورسلي لوكالة الأنباء الكويتية «كونا» اليوم الثلاثاء إن الفترة التي عاشتها الكويت ومع بداية تولي الشيخ الراحل جابر العلي وزارة الإرشاد والأنباء وحلت محلها وزارة الإعلام لاحقاً ازدهرت فيها جميع الفنون لاسيما الأغنية الوطنية إذ أولى الشيخ جابر العلي رحمه الله اهتماماً الكبير بنشر هذا الإبداع الكويتي ورعايته.وأضاف بورسلي «أن ما يميز الأغنية بشكل عام والوطنية الكويتية على وجه الخصوص هو بساطتها ومحاكاتها للشعب وبالتالي تأثر محيطها الخليجي وتفاعل مع ما نقدمه من فنون مع قلة مصادر النشر آنذاك».وأكد أن الأغنية الوطنية الكويتية إبان فترة السبعينيات والثمانينات وما يليها عبرت بصدق عن تلاحم الشعب الكويتي وتكاتفه واصفاً الكويت بشجرة «السدرة» التي يستظل بها الجميع.وأشار إلى أن هناك جملة تتردد في مجمل الأعمال الوطنية الكويتية وهي «أغلى دار» المعبرة بصدق عن مكانة الكويت في قلب كل مبدع كويتي.وعن اختلاف الكتابة في الشعر الوطني والعاطفي أوضح بورسلي أنه لا يوجد اختلاف واضح مبرراً أن لكل فترة هناك أغان تُحاكي الواقع ويُنظر إليها بمنزلة تأريخ للمرحلة.واستذكر التحول الذي طرأ على الاغنية الوطنية في مطلع التسعينيات إذ تحولت الأغنية إلى سلاح بين يدي مبدعي الكويت بهدف الدفاع عن الأرض وحمايتها في أحلك الظروف.