أقام بيت السرد في رابطة الأدباء الكويتيين أولى فعالياته، وهي محاضرة بعنوان «تيار الوعي من الرواية إلى علم النفس» على مسرح د. سعاد الصباح، شارك فيها د. سليمان الشطي، والناقد والكاتب فهد الهندال، وأدارها رئيس بيت السرد عبداللطيف النصف، وحضرها جمع من المثقفين والأدباء.

في البداية، قال النصف إن «عنوان المحاضرة (تيار الوعي من الرواية إلى علم النفس)، توصلت إليه من خلال البحث والتقصي قبل التصريح بهذه المعلومة من خلال هذا المنبر. حقيقة لا أعلم أنه لم يتم الأخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني الشاهق، والذي يتجاوز القرن، بين رواية الروائي الأيرلندي لورنس ستيرن (حياة السيد النبيل ترسترام شاندي وآراؤه)، وبين كتاب (مبادئ علم النفس) للعالم الأميركي وليام جيمس، وهو بلا شك صاحب تسمية تيار الوعي، وأول من أطلق هذا المصطلح، وأردت بيان ذلك من خلال هذه المقدمة القصيرة»، ومن ثم انتقل النصف إلى إعطاء نبذة تعريفية عن المحاضرين.

Ad

الأسس الفكرية

من جانبه، قال د. الشطي: «تعقيباً على المقدمة التي قدَّمها النصف، هناك تغيرات حدثت بين أوائل القرن العشرين وأوائل القرن الـ 21، ومن ثم يمكن أن ننطلق من الأسس الفكرية التي بدأ أو انطلق منها هذا الموضوع».

بعدها، قدَّم د. الشطي شرحا وافيا، واستخدم أمثلة ومقتطفات، قائلا: «أولاً، في القرن التاسع عشر تم الوصول إلى القمة العلمية، وأصبح هناك اهتمام بالحقيقة الموضوعية وبالعلم والعقل، وسيطر العقل على كل شيء، والأدب أيضا سار بهذا الخط. ومع مشارف القرن العشرين كانت هناك أربعة أمور، وهي مرتكزات غيَّرت الفكر كله، منها نظرية داروين، ومن ثم جاء ماركس، وقال كلاما كثيرا، بعدها أتى آينشتاين، وفي هذا السياق يأتي فرويد. إذن أصبح الآن لدينا الأدنى الذي يتحكم فيما هو أعلى، الجماهير عند ماركس، والغرائز عند فرويد، والذرة عند آينشتاين، وعند يونغ العقل الجمعي».

وتابع د. الشطي: «لن أتكلم إلا عن فرويد»، متوقفا عند ثلاثة مصطلحات أساسية لها صلة بالرواية، فالإنسان في اتصاله مع من حوله لديه الشعور، وما وراء الشعور، واللاشعور، وهي ثلاث درجات.

وأوضح أن المنطقة الثالثة هي التي ركَّز عليها فرويد، ولم يعد العقل الواعي المتحكم، فهناك اللاوعي، والإنسان يظهر كأكثر من شخص واحد، وعندما جاء فرويد، وكان مهتما بالأدب، قال إن الأدب مجال للتنفيس، وإن الروائيين سبقوا العلماء في الكشف عن خفايا النفس، لأنهم اكتشفوا اللاشعور، لذلك أكثر مصطلحات فرويد أدبية، وقام بدراسات متعددة، منها لهاملت، ومن هنا انفتاح الباب أمام الكُتاب، الذين استفادوا من علم النفس، ويأتي تيار الوعي باعتباره المقدمة الأولى.

وأعطى د. الشطي نماذج لروايات، منها لفريجينا وولف، وغسان كنفاني، وإسماعيل فهد إسماعيل، وتحدث عن رواية «ميرامار» لنجيب محفوظ.

منهج معين

بدوره، قال الهندال إن «الكثير من الناس يتساءلون عن رواية (تيار الوعي)، ونحن في زمن تغيرت به المفاهيم، وتبدلت الأساليب الكتابية، وأصبح الجانب التنظيري مرتبطاً فقط عند النقاد والمهتمين بهذا المجال».

وطرح سؤالا مفاده: «هل الكاتب عندما يبدع في كتابة العمل الروائي يضع أمامه منهجا معينا حتى يكون سبيله وطريقه في مسألة الكتابة؟»، ليجيب: «من وجهة نظري، أعتقد أنه في هذا الوقت قلة يعتمدون على منهجية معينة في مسألة الكتابة، ربما الكُتاب والروائيون السابقون والمهتمون بدراسة ومتابعة وقراءة ما يقدمه لنا التجريب قد يفكرون في مسألة منهجية الكتابة. هناك تأثير بلا شك لبعض النظريات ولبعض الأفكار الفلسفية، كما هو تأثير لبعض العلوم، والأمر لا ينطبق فقط على علم النفس. هناك من تأثر ببعض الأفكار النفسية والنظريات في كتابة أعماله الروائية أو السردية».

وأضاف الهندال: «نجد أيضا العلوم النظرية والتطبيقية، هناك من تأثر بها، وهناك من استوحاها في مسألة الكتابة في معالجة بعض الأفكار، ففي رواية (عزيزة)، للروائي سليمان الخليفي، استفاد في بعض الفصول من نظريات في شرح مسألة الصوت مثلا، وحللها فيزيائيا. فمسألة أن يكون تأثر بعلم معين هذا شيء طبيعي موجود في حياتنا، وأيضا موجود في أساليب الكتابة، وعالم الكتابة مفتوح على مثل هذه المؤثرات».

وطرح الهندل تساؤلا: «هل هناك وعي بمسألة كتابة تيار الوعي؟»، ليقول: «البعض يجد أن هذا التيار مرت عليه سنوات طويلة، والتجارب فيه قد تكون فردية، كانطلاق شخصي من الكاتب بأن يجرب في هذه المنطقة، لكن هل هناك فعلا من يترصد مثل هذه المناهج في مسألة الكتابة؟ وفق ما قرأت وفهمت، في تيار الوعي تركيز على الصعيد الفردي، والاهتمام بمنطقة هذا الفرد. إذن هناك تركيز على التجربة الفردية والشخصية بإنسان معين، بما يقدمه من خلال هذه الكتابة».

فضة المعيلي