كما كان متوقعاً، أدى التدخل الروسي في أوكرانيا إلى أزمة في إمدادات النفط والغاز لأوروبا التي تعاني أساساً أزمة طاقة.وفي هذا الإطار، قال خبراء نفطيون إن أوروبا يمكنها، كحل بديل، تقليل الاعتماد على استهلاك الغاز والتحول إلى النفط الخام، الأمر الذي يعني اقتصار الغاز على المنازل في الكهرباء والتدفئة وتقليص استهلاك المصانع، ليكون البديل الآخر هو النفط الذي عادة ما يتجه مصدروه إلى آسيا ذات العقود الطويلة الأجل.
وأوضح الخبراء، في تحقيق لـ "الجريدة" عن الأزمة الراهنة بشأن تعويض حصة روسيا الغائبة من الغاز بسبب العقوبات التي تم فرضها عليها جراء غزوها لأوكرانيا، أنه يمكن تحت الضغط السياسي تحويل بعض عقود النفط إلى أوروبا، مشيرين إلى أن هذا السيناريو سيختلف تماماً في حالة نشوب الحرب الشاملة.وأكدوا أن الغاز الروسي لا يمكن تعويضه حتى في المستقبل المتوسط، وموسكو إلى الآن تعي هذا الأمر، لافتين إلى أن الدول المرشحة لتصدير الغاز إلى أوروبا تعويضاً عن روسيا، هي قطر، كمرشح أول، تليها إيران، والولايات المتحدة، والجزائر.وشددوا على أن الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية مازالت تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في أساسيات سوق النفط والتي منها العرض والطلب كما للبيئة والصحة العالمية تأثير بالغ على أسعار النفط، موضحين أن هذا "ما شهدناه جراء تداعيات وباء كورونا".وقال الخبراء إن سعر برميل النفط تراجع إلى 9 دولارات في أبريل 2020، ثم تحسنت الأسعار وارتفعت حتى بلغت 118 دولاراً للبرميل الأسبوع الماضي، مشددين على أن أسعار النفط العالية ستقود إلى ركود اقتصادي عالمي على المدى المتوسط وتدفع الدول المستهلكة لتكثيف جهودها للبحث عن بدائل أخرى للطاقة... وفيما يلي مزيد من التفاصيل: قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني إن جميع المؤشرات الخاصة بالطاقة تشير إلى أن الحرب كانت مفاجأة غير متوقعة بهذا الوقت بالنسبة لأوروبا خصوصاً أنها تعاني أزمة طاقة وتعثراً في النمو الاقتصادي نتيجة التضخم الفاحش في السلع والطاقة التي يحتاجها، الأمر الذي يجعل آراء المحللين تتجه الى التشكيك في غفلة الاتحاد الأوروبي عن ذلك، ليرجحوا أن التدخل الروسي كان متوقعاً ومن ضمن خطة لانحسار اقتصادي مقصود، إذ لا يعقل أن تعبئة عسكرية تسبق بستة أشهر الغزو الروسي لأوكرانيا تتغافل عنها أوروبا، وتحدث في الوقت الذي يحاول الاقتصاد الأوروبي التنامى، كي يعوض خسائر الاقتصاد التي خلفتها الجائحة، وكذلك التضخم والغلاء الفاحش وارتفاع أسعار الطاقة بسبب تباطؤ إنتاج الشركات. وأضاف بهبهاني أن أوروبا تستورد 83 في المئة من حاجتها من الغاز، إذ إن 40 في المئة منه (200 مليار طن متري) يأتي من روسيا، و30 في المئة من استهلاكها للنفط يأتي أيضاً من روسيا، فضلاً عن أن المخزون التجاري انخفض لدى أكثر دول القارة إلى أقل من 30 في المئة من الغاز.
دول مرشحة
وأشار إلى أن الدول المرشحة لتصدير الغاز إلى أوروبا تعويضاً لغاز روسيا هي قطر، وإيران، والولايات المتحدة، والجزائر، موضحاً أن قطر هي المرشح الأول وتليها إيران. وذكر أن إنتاج قطر للغاز مرتبط بعقود طويلة الأجل لآسيا (وليست تجزئة كقوانين أوروبا)، مضيفا أن معدل إنتاج قطر للغاز المسال القابل للتصدير 80 مليون طن سنوي أي ما يعادل تقريباً 10 مليارات قدم مكعبة يومياً.وقال بهبهاني إن هذا الغاز حتى "وإن افترضنا جدلاً أنه سينتقل إلى أوروبا، سيحتاج إلى بنى تحيتة إضافية للتكسير وهذا غير متاح"، معربا عن تصوره ان الكمية كلها متاحة لاشتراكها بتحالف انتاج بين حقل الشمال القطري وحقل الفارس الجنوبي، مع ايران، التي هي أيضا تحت الحصار.وأشار إلى أن الولايات المتحدة المرشح الثالث انخفض إنتاج الغاز لديها بسبب عزوف شركات التكسير عن الاستثمار فيه، موضحا ان الجزائر ايضا مرشحة ولكن إضافتها ستكون قليلة. وأوضح أن أوروبا يمكنها كحل بديل تقليل الاعتماد على استهلاك الغاز والتحول الى النفط الخام، الأمر الذي يعني اقتصار الغاز على المنازل في الكهرباء والتدفئة وتقليص استهلاك المصانع، مما يجعل البديل الآخر هو التحول إلى النفط الذي عادة ما يتجه مصدروه إلى آسيا ذات العقود الطويلة الأجل والضامنة، لافتاً إلى أنه يمكن تحت الضغط السياسي تحويل بعض هذه العقود إلى أوروبا، لكن في حالة الحرب الشاملة سيختلف هذا السيناريو تماماً.الغاز الروسي
وأكد ان الغاز الروسي لا يمكن تعويضه حتى في المستقبل المتوسط، وروسيا الى الان تعي هذا الامر وصرحت بذلك، مشيرا الى ان اجتماع "اوبك" الأربعاء الماضي اقر الاستمرار في زيادة انتاج الـ 400 الف برميل المقررة لتعويض الخفض الذي وافقت عليه قبل عام تقريبا (5.7 ملايين برميل يوميا) حيث ان اصل المشكلة الحالية لاوروبا يكمن في الخوف من تعثر الإمداد من الخارج، فتتجه الى التخزين، مما يعني انه سيكون هناك فائض متوقع قادم لم يستهلك تحسبا لتعقد الأمور باتساع رقعة الحرب. ولفت الى ان فائض المخزون في اوروبا وفي الدول الصناعية إذا نزل الى الاسواق فمن شأنه اعادة فلتان الاسعار، موضحا ان هذا الامر قد يكون مقلقا لدول تحالف أوبك، وفي الوقت نفسه تتوقع "أوبك" إضافات قادمة في الإنتاج من زيادة الحصص وكذلك من الدول المتعثرة في الانتاج وغيرها من دول ما تحت الحصار، وقد صرحت المنظمة مرارا بأن غاية التحالف توازن السوق ضمن اساسيات العرض والطلب. وقال بهبهاني ان تحالف "اوبك +" قد نشأ عام 2016 في اشد ازمة عندما انهارت الاسعار نتيجة تنافسية اكبر قطبين في الإنتاج، فانهارت الاسعار، ووصل سعر خام برنت الى 30 دولارا وخام تكساس الى السالب، مما أدى الى تأسيس التحالف الذي نجح في ادارة الازمة حينها حتى تم استنفاد الملياري برميل، الفائض المتواجد في الأسواق، والذي كان خارج التحكم، وعودة التوازن الى الاساسيات بين العرض والطلب، فهي تجربة ناجحة لاسواق الطاقة ومن ثم مساندة لنمو الاقتصاد العالمي.وشدد على أن تفكك تحالف "أوبك+" وانهياره قد يؤدي الى التنافس على سقوف الانتاج بين الدول والتنافس كذلك على استحواذ الأسواق، ناهيك عن ان دوله اغلبها يعتمد في ميزانياته على النفط وأسعاره.اتفاق قادم
وأشار بهبهاني الى ان العلاقة النووية بين ايران والولايات المتحدة، ودول أوروبا، ليس لها دخل في الحرب الروسية الاوكرانية وهي استراتيجية طويلة الامد للحد من انتشار النشاط النووي عبر العالم، منوها الى ان المؤشرات تدل على ان هناك اتفاقاً قادماً كما صرح الوفد الايراني وصرحت وسائل الاعلام ان الاتفاق قد يكون قريب المنال، معتبراً ان الحرب الحالية ليست لها علاقة بهذا الموضوع حتى وإن طال امدها.وأضاف أنه من الممكن العمل على تسريع عملية التفاوض لكسب ود إيران، ومن ثم الحصول على مليوني برميل من انتاجها، "فمن صالح الدول الصناعية ودول العالم تعدد موارد الطاقة خاصة في الازمات".ورأى ان الحصار الاقتصادي يعد اسلوبا فاشلا ويعطي نتائج عكسية كون الدول الى تتجه الى السوق السوداء، وهذا يعني عدم الالتزام بالقوانين العامة، مما يخلق تحالفات مناقضة لمنطق التجارة الحرة العالمية التي أوجدت منافسات حقيقية بين الدول الصناعية وجاءت بمنتجات لصالح المستهلك.تماسك «أوبك+»
من ناحيته، قال الخبير المتخصص في تكرير وتسويق النفط عبد الحميد العوضي ان دول اوبك+ اتفقت خلال اجتماعها الاخير الاربعاء الماضي على الاستمرار بنفس الزيادة الشهرية المقررة 400 ألف برميل يوميا، وعليه ستكون حصة الكويت بعد زيادة إنتاجها عن مستوى الشهر الحالي بمقدار 26 ألف برميل ليصبح 2.665 مليون برميل يوميا اعتبارا من أول أبريل المقبل.وأضاف العوضي ان من الجدير بالملاحظة أن أوبك+ تجاهلت احتلال روسيا لأوكرانيا كونها عضواً فاعلاً ضمن مجموعة 22 دولة منتجة للنفط، تجنبا لأي خلاف قد يقود الى تشتيت الجهود السابقة وتعكير أجواء التعاون وإضعاف سياسة الالتزام بحصص الإنتاج وتطبيق القرارات، ومما لا شك فيه ان تماسك أوبك+ قد حقق نجاحات كبيرة إلى الآن. وأشار الى ان روسيا كانت تعرضت لعقوبات أميركية سابقة عقب احتلالها جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، وقد اتبعت سياسة قسرية لإخضاع العالم لتحقيق مطالبها بالعدوان الشامل، ولكن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي اتبعت سياسة متجبرة فقد سبقتها دول عظمى مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا بنفس النهج في مناطق أخرى من العالم وفي هذا الإطار تنظر أميركا إلى مساعي روسيا، ولا سيما مع توسعها في أوروبا واعتمادها كمصدر رئيسي لامدادها بالنفط والغاز الطبيعي الروسي، على أنها تهديد لمصالحها الاستراتيجية.وذكر أن روسيا في المقابل ترى أن اقتراب حلف الناتو من جمهوريات سوفياتية سابقة لديها حدود معها يعد تهديدا لمصالحها الاستراتيجية أيضا وخاصة في أوكرانيا التي هي حلقة وصل إمداد الغاز الطبيعي الروسي لأوروبا.أسعار النفط
ولفت إلى أن الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية مازالت تلعب دورا كبيرا ومؤثرا في أساسيات سوق النفط، والتي منها العرض والطلب، كما للبيئة والصحة العالمية تأثير بالغ على أسعار النفط، لافتا إلى أن "هذا ما شهدناه جراء تداعيات وباء كورونا"، موضحا أنه كما هو معلوم أن أسعار النفط قد تراجعت إلى 9 دولار أبريل عام 2020، وتحسنت الأسعار وارتفعت حتى بلغت 118 دولارا للبرميل الأسبوع الماضي، مشيرا إلى أنه عندما تصبح أسعار النفط عالية فإن تلك الأسعار ستقود إلى ركود اقتصادي عالمي على المدى المتوسط، وتدفع الدول المستهلكة لتكثيف جهودها للبحث عن بدائل أخرى للطاقة.وقال "لعل من المفيد أن نذكر ما حدث عام 2008 عندما ارتفعت أسعار النفط إلى 147 دولارا، وتدهورت بشكل كبير الى 36 دولارا للبرميل، وما حدث في مارس 2012 إذ وصل سعر النفط إلى 128 دولارا، وتراجع إلى 26 دولارا في يناير 2016، فالعالم لا يحتمل كارثة اقتصادية عالمية أخرى بعد مرور فترة زمنية قصيرة".وأضاف أن تضافر الجهود العالمية ممثلة في السحب من المخزونات الاستراتيجية والتجارية العالمية والتي تبلغ في مجملها نحو 4.5 مليارات برميل، بالإضافة إلى الطاقة الإنتاجية غير المستغلة لدول الخليج العربي، قادرة على تعويض أي نقص في سوق النفط العالمي، سواء جاء النقص بسبب حظر تصدير 6.5 ملايين برميل يوميا من النفط الروسي أو من حلفائها المصدرين للنفط مجتمعين.رفع جزئي
ولفت إلى أن رفعا جزئيا لحظر النفط الإيراني والفنزويلي قد يكون مفيدا لتهدئة الهلع في الأسواق النفطية، إلا أنه أردف قائلا من زاوية أخرى "التهديد الروسي الذي جاء بوضع منظومته النووية في حالة الجاهزية القصوى سيعرقل أي اتفاق حتمي بين الغرب وإيران حول ملفها النووي تماما مثلما تطالب روسيا بعدم حصول أوكرانيا على السلاح النووي!".وقال "في واقع الأمر فإن تطبيق وتنفيذ منع استخدام نظام SWIFT من قبل البنوك الدولية ومصافي النفط العالمية التي تستورد النفط والغاز والبضائع الروسية سيمنع إتمام عمليات شراء أو بيع النفط الروسي وحتى تمويل مشاريع الاستثمار، كما حدث مع ألمانيا في مشروع أنبوب الغاز NS2 الذي كلف 11 مليار دولار، إذن هو حظر سار وفعلي مبطن للنفط والغاز إلا انه يتم بشكل غير مباشر".وأشار العامري إلى "اننا جميعا على دراية ان الصراع الروسي- الأوكراني يهدد علاقات روسيا مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا، ما قد يؤدي إلى تعقيد آفاق التعاون في أماكن أخرى مثل الملف الإيراني النووي، وقد يكون سلاحا ذا حدين إذا رأت الدول الأوروبية ان أسواق النفط تواجه قصورا في الإمدادات، خصوصا إذا لم تنته الحرب في وقت قصير".تدفقات الطاقة
ولفت إلى أنه في المقابل قد تتشدد إيران بمساعدة روسية، ويتعقد الملف النووي، لأن لدى موسكو القدرة على تقويض الدبلوماسية الإيرانية، ودفع إيران لمزيد من التشدد في التفاوض، وكذلك رغبة إيران بتعزيز علاقاتها التجارية والعسكرية مع الصين وروسيا، لافتا الى انه في هذه الحالة ستتأزم الأوضاع في الشرق الأوسط، مما قد يؤثر على تدفقات الطاقة والاستقرار في المنطقة.وأوضح انه بالنسبة لإيران فإنها قد حسمت أمرها بشأن احياء الاتفاق، ومن ثم قد يكون الصراع في أوكرانيا فرصة لإيران من أجل زيادة اعتماد أوروبا على الغاز الإيراني بعد رفع العقوبات بديلاً للغاز الروسي، بمعنى أن إحياء الاتفاق على حسابات المكسب والخسارة التي تجريها كل من إيران وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا، والتي سنراها قريبا، مشيرا إلى أن الأمر المؤكد أن الصراع في أوكرانيا له تأثيراته الجيوسياسية والاقتصادية.العامري: الأسواق ستشهد ارتفاع أسعار الغاز للعقوبات على روسيا
توقع الخبير النفطي الإماراتي، د. علي العامري، أن تشهد أسواق الطاقة حالة من الاستنفار بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تتعدى أسعار النفط الـ 100 دولار للبرميل، كما يشهد الغاز الطبيعي ارتفاعات أكبر، خوفا من قطع الغاز الطبيعي الروسي عن أوروبا، وكذلك العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا. وأضاف «بما ان أوروبا تعتمد بحوالي ٤٠ في المئة من استهلاكها للغاز على روسيا فإن الأسواق ستشهد موجة من الارتفاعات وعدم الاستقرار، وستشهد أسواق الطاقة صعوبات نتيجة عدم وصول النفط الى الأسواق، وكذلك بالنسبة للمدفوعات وتوافر السفن في أعقاب العقوبات الغربية على موسكو بسبب أوكرانيا».وقال «من الصعب أن يعوض هذا النقص بشكل كلي، خصوصا الغاز، وقد يستطيع بعض مورديه في العالم مثل الولايات المتحدة ودول عربية مثل مصر والجزائر وقطر، لاسيما أن البلدين يقعان على سواحل البحر المتوسط القريبة من أوروبا، التعويض، ولكن بتكلفة أكثر نتيجة الشحن، وكذلك ارتباط هذه الدول بعقود التوريد الى دول أخرى». وتابع «أما بالنسبة للنفط فلدى السعودية والإمارات القدرة الإنتاجية والحرص على استقرار وتوازن أسواق الطاقة، ولكن التزامهما بالاتفاقيات مع «أوبك بلس» يتطلب اجتماع هذه الدول، واتخاذ قرار جماعي بزيادة الإنتاج، وقد يواجه هذا القرار برفض روسي».