أحكام «التمييز» تجبر «المالية» على تعديل آلية احتساب الضرائب
يختلف شكل الهيكل الضريبي بين دولة وأخرى، فهناك دول يعتمد فيها بناء هذا الهيكل على الاستفادة والاستغلال بشكل كبير منه بجعله المصدر الأساسي للدخل، فيما الكويت لا تُعد من تلك الدول، فهي ليست من الدول الضريبية حتى الآن، ولا يوجد بها إلا ثلاثة أنواع من الضرائب، هي: دعم العمالة، والزكاة، وضريبة الدخل، وجميعها لا تفرض بشكل مطلق إلا وفقاً لشروط وضوابط محددة.ونشب خلاف بين وزارة المالية والعديد من الشركات حول آلية احتساب تلك الأنواع من الضرائب، فكانت وزارة المالية تقوم باحتسابها تأسيساً على جميع أرباح الشركة الفعلية وغير الفعلية، وهو ما اعترضت عليه الشركات، حيث كان طلبها احتساب الضرائب على الأرباح الفعلية فقط، إلا أن وزارة المالية رفضت ذلك، وهو ما حدا بالشركات الي إقامة دعاوى أمام المحكمة الإدارية، طعناً على قرارات وزارة المالية بشأن تحديد الربح الخاضع للضريبة.وتحديد دين الضريبة يفترض التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها، باعتبار أن ذلك يُعد شرطاً لازماً لعدالة الضريبة، ولصون مصلحة كل من الشركات والدولة، ويتعيَّن أن يكون ذلك الدين – وهو ما يُطلق عليه وعاء الضريبة - ممثلاً في المال المحمل بعبئها مُحققاً ومُحدداً على أسس واقعية يكون ممكناً معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ولا يكون الوعاء محققاً ومحدداً إلا إذا كان ثابتاً بعيداً كل البعد عن شبهة الترخص والاحتمال، ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها إنما يتحدد مرتبطاً بوعائها، وباعتباره منسوباً إليه، ومحمولاً عليه، وفق الشروط التي يقدر المشرع معها واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه للدستور، وبغير ذلك لا يكون لتحديد وعاء الضريبة معنى، ذلك أن وعاء الضريبة هو مادتها، والغاية من تقرير الضريبة هو أن يكون هذا الوعاء مصرفها، ولا يحول إقرار السلطة التشريعية للقوانين الضريبية دون أن تباشر المحكمة رقابتها عليه في شأن توافر الشروط الموضوعية لعناصر تلك الضريبة، بالنظر إلى خطورة الآثار التي تحدثها، وتمتد هذه الرقابة إلى الواقعة القانونية التي أنشأتها وقوامها تلك الصفة المنطقية بين شخص محدد يعتبر ملتزماً بها، والمال المتخذ وعاء لها محملاً بعبئها، وهذه الصلة هي التي لا تنهض الضريبة بتخلفها وتتحراها وتراقبها المحكمة، لضمان أن يظل إطارها مرتبطاً بما ينبغي أن يقيمها على حقائق العدل الاجتماعي محدداً مضمونها وغايتها على ضوء القواعد الدستورية القائمة على المساواة، وفرض حماية دستورية للملكية الخاصة.
وتوجه وزارة المالية باحتساب وعاء الضريبة المستحقة على أساس الأرباح الفعلية وغير الفعلية في حقيقة الأمر هو توجه غير منطقي، لاسيما أن سداد الضرائب من أصول الأموال وليس أرباحها يُعد إهداراً للحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة، وتنتهي بعد فترة بإفلاس الشركات التي يتم فرض الضريبة عليها، كونها ستقوم بالسداد من قيمة أصولها، وليس من عائد أرباحها. لذا كان توجه الشركات للقضاء لوقف الآلية التي تحدد على أساسها وزارة المالية الوعاء الضريبي، وكان ذلك هو التوجه الأمثل، حيث إنه وبالرغم من أن جميع تقارير الخبراء وأحكام الدرجة الأولى والاستئناف كانت تؤيد توجهات وزارة المالية والقواعد التنفيذية التي على أساسها يتم احتساب الضرائب، فإن محكمة التمييز كان لها رأي آخر، أكدت بموجبه أن صافي الربح الذي يتخذ أساساً لحساب الضريبة ما هو إلا الفرق بين إجمالي الإيرادات التي يعبر عنها بالربح الإجمالي وبين قيمة جميع التكاليف الواجبة الخصم، وعلى ذلك فإن صافي الربح الذي يتخذ وعاءً للضريبة بحسبانها من الضرائب التي تفرض على الدخل وليس رأس المال – هو صافي الربح المحقق بالفعل، وبالتالي لا يندرج الربح غير المحقق ضمن هذا الوعاء.وفي ظل الاستقرار القضائي على التوجه سالف الذكر، ولما كانت الأحكام القضائية هي عنوان الحقيقة، أصبح لزاماً على وزارة المالية إعادة النظر في آلية احتساب الضرائب والوعاء الضريبي الذي على أساسه يتم تحديد الضريبة المستحقة للخزانة العامة وتعديل القواعد التنفيذية بما يتماشى مع الأحكام القضائية الصادرة بإلغاء قراراتها في هذا الشأن، وخاصة أن دعوى إلغاء القرارات الإدارية الصادرة من وزارة المالية بفرض الضرائب تندرج ضمن الدعاوى العينية، فالخصومة فيها عينية قوامها مشروعية القرار الطعين، وما إذا كان القرار صدر مطابقاً للقانون من عدمه، وموجهة إلى القرار الإداري ذاته، ومن ثم فإن النتيجة الطبيعية والمنطقية لعينية دعوى الإلغاء، أن يكون الحكم الصادر فيها بالإلغاء حجة على الكافة وعنواناً للحقيقة.*مستشار قانوني