بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب الطاحنة التي شنتها روسيا على أوكرانيا، وبأفكار مهمومة بين الواقع المتردي بتبعات الحروب والأطماع والتعديات من جهة والأمنيات بعالم سعيد يسوده السلام وتراعى فيه حقوق الإنسان وتحفظ له فيه آدميته من جهة أخرى، نظمت مؤسسة البابطين الثقافية، في ضيافة جمهورية مالطا ورعاية رئيسها، على مدى يومين، المنتدى العالمي الثاني للسلام، تحت شعار "القيادة من أجل السلام العادل".وعلى نفس الدرب الذي سارت عليه مؤسسة البابطين الثقافية منذ إنشائها تحت قيادة العم عبدالعزيز سعود البابطين، جاء هذا المنتدى، خطوة أخرى بارزة ترسخ الاهتمامات العالمية والإنسانية والمعرفية والحقوقية والثقافية التي وضعتها المؤسسة في مقدمة أولوياتها، لتكون بتلك المساعي الحثيثة والأهداف النبيلة خير سفير للكويت، وعلامة ساطعة على اهتمام مؤسسات الكويت المدنية والثقافية بالسلام حلماً وشعاراً وثقافة وتطبيقاً وواقعاً معيشاً لجميع شعوب الأرض.
حشد متميز
الحشد المتميز رفيع المستوى الذي حضر المنتدى بما يتضمنه من رؤساء دول حاليين وسابقين وقيادات سياسية وفكرية وبرلمانية وتجمع كل هؤلاء في فعالية واحدة لغرض واحد خير شاهد على مدى الجهد المضني الذي اضطلعت به مؤسسة البابطين في دعوتهم وتجمعهم من أقصى الأرض إلى أقصاها في مكان واحد، ونهوضها بواحد من أهم اهتماماتها التنويرية، كما يؤكد مدى الحاجة إلى جعل السلام ثقافة بين الجميع شعوباً وقادة، لتلافي المنزلقات الخطيرة التي يهوي إليها عالم اليوم. فإلى جانب راعي المنتدى رئيس مالطا جورج فيلا، شارك رؤساء ألبانيا وكوسوفو ورئيس كرواتيا السابق، فضلاً عن عدد من رؤساء البرلمانات في العالم والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي د. نايف الحجرف، إضافة إلى رؤساء حكومات سابقين، ومسؤولي منظمات دولية وإقليمية، كما شهد المنتدى كلمة متلفزة خاصة للسكرتير العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيرش، مما يؤكد حيوية الهدف الذي عقد من أجله المنتدى ونبل غايته ومدى الافتقار إلى تلك الغاية.بصمة كويتية
وأمام العالم أجمع كانت البصمة الكويتية حاضرة بل كانت الأبرز والأكثر تميزاً، لاسيما أن المؤسسة المنظمة كويتية، إلى جانب مشاركة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، فضلاً عن الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية د. نايف الحجرف.وأجمعت المداخلات والكلمات واللقاءات والتصريحات التي شهدها المنتدى على تأكيد بشاعة الحرب وبيان خطورة المنازعات والتعديات على حقوق الدول والأفراد، وهو ما أكده الرئيس المالطي بنصه على أن الحروب تجلب الفقر والدمار كما تدمر الدول وتنتهك حقوق الأفراد، ووافقه في ذلك كل من الغانم الذي أكد أن من يدفع ثمن تلك الحروب ومن يضحون وقوداً لها هم الناس لا النخب وأصحاب النفوذ، وكذلك الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الطيب البكوش الذي قال إن الشعوب هي الخاسر الأكبر لغياب السلام.وفي حين رأى المدير العام لمنظمة الإيسيسكو سالم المالك أنه لا يكفي الوقوف "عند حدود القول لا للحرب بل نقول نعم للسلام"، أبرز د. نايف الحجرف مفارقة أنه في الوقت الذي يعقد هذا المؤتمر لتعزيز ثقافة السلام العادل، يموج العالم باضطرابات غير مسبوقة فتعمي الأبصار صور الدمار القبيحة والمجاعات البشعة والانفجارات الدامية والكوارث الطبيعية.السلام جزء من العدالة
وفي منحى حقوقي، اعتبر الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية عبدالقوي يوسف أن السلام جزء لا يتجزأ من العدالة، التي أشار الممثل الاقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خالد خليفة إلى غيابها بفعل النزوح القسري الذي يحدث كل عام، بل إن أعداد النازحين لم تنقص منذ تسع سنوات.وفي كلمته المرسلة إلى الحضور في المنتدى وألقاها عنه ممثله وزير خارجية مالطا، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش ان العالم يعيش حالة من الاضطرابات التي بدأت تخرج عن السيطرة، داعيا إلى ضرورة الاستجابة لهذه التحديات وإرساء ثقافة السلام بتعاون الجميع.فترة مؤلمة
وأكد رئيس جمهورية ألبانيا إلير ميتا، أن العالم يمر بفترة مؤلمة، مشدداً على أن الجميع عليه حماية العالم، لأن القادة الحقيقيين هم من يعملون من أجل هذا الهدف.وفي مداخلة حادة في صراحتها، صريحة في حدتها، قالت رئيسة كوسوفو فيجوزا عثماني، إن القارة الأوروبية تعيش في خطر، والشعب الأوكراني يواجه الرعب وانتهاك حقوق الإنسان، وأوروبا تتزعزع، والديكتاتوريين منخرطون في أفعالهم، مشددة على أنه إذا لم يسُد السلام في أوكرانيا فلن يسود في كل دول العالم.وفي كلمته، اعتبر رئيس كرواتيا السابق ستيبان ميسيتش أن العالم اليوم يفتقر إلى من لهم الحق في تسمية أنفسهم قادة.جهود تنويرية وإنسانية
أما صاحب الفضل الأول في تنظيم هذا المنتدى والذي أثنى كل الحضور على جهوده التنويرية والثقافية والإنسانية العم عبدالعزيز البابطين، فدعا إلى تشكيل لجنة من السياسيين والمفكرين لإنقاذ التراث العالمي الثقافي الذي يدمَّر جراء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والعمل من أجل الوساطة بين الدولتين.وفي إصرار غير معهود على بلوغ الغاية، لاسيما مع تقدم السن، أكد البابطين أن جهوده وجهود مؤسسته متواصلة ومستمرة لتنفيذ مبادرة "ثقافة السلام العادل من أجل أمن أجيال المستقبل"، بعدما قدمها في سنتين متتاليتين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2017 و2018، بهدف تدريس مبادئ ثقافة السلام العادل بين الطلبة من الحضانة حتى الجامعة، وحظيت بموافقة واعتماد مكتب رئيس الجمعية العامة.واعتبر البابطين أن إعداد قادة للسلام العادل من الأجيال الشابة والقادمة وتمكينهم من ثقافته هو حاجة تاريخية إنسانية ملحة يجب أن نشرع فيها فوراً، موقنا أن كل تأخير له نتائج وخيمة على مستقبل الإنسانية.دكتوراه فخرية
وتقديراً لجهوده في دعم ثقافة السلام وتعزيزها، منحت الجامعة المتوسطية في ألبانيا رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية) شهادة الدكتوراه الفخرية.وسلم رئيس الجامعة د. أنستاس أنجيلي إلى البابطين الشهادة بحضور رئيس جمهورية ألبانيا إيلير ميتا.وتعد هذه الشهادة الـ15 التي يتم منحها للشاعر البابطين من جامعات عربية وأجنبية.منصة عالمية للسلام العادل
دعا العم عبدالعزيز سعود البابطين إلى ضرورة إيجاد آلية عمل مشتركة للتنسيق والتدريب وإعداد القادة، وتتمثل تلك الآلية في "المنصة العالمية للسلام العادل"، التي يجب أن نعمل على تأسيسها تكنولوجيا في كل الدول.وجدد تأكيده والتزامه من خلال مؤسسته بتأسيس هذه المنصة العالمية، "والعمل معكم من أجل جعلها شاملة لأغلب دول العالم وشعوبه، وأن أواصل الاستثمار في ثقافة السلام العادل".عبدالرحمن خالد البابطين لـ الجريدة•: آمل أن يساهم المنتدى في إقرار السلام ونبذ الحروب
قال الأمين العام لمؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية عبدالرحمن خالد البابطين إن المنتدى العالمي الثاني لثقافة السلام ناقش كيفية قيام المجتمع الدولي بتطوير أدوات الحوكمة وتنفيذ الخطط والمبادرات المشتركة ضمن مسار من التعاون لإعداد مشروع قيادة من أجل السلام العادل بتحفيز جميع الأطراف المعنية على المستوى الاجتماعي والسياسي والتعليمي من أجل العمل مؤسساتيا وجماعيا بصفتهم قادة السلام العادل من أجل أمن مستقبل العالم.وأشار في تصريح لـ "الجريدة" إلى أن المنتدى يركز خصوصاً على منع النزاعات والبحث عن سياسات المصالحة من أجل ممارسة ثقافة السلام العادل داخل المجتمعات، مؤكداً أهمية مبادرة رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية المنظمة للمنتدى العم عبدالعزيز سعود البابطين بشأن تشكيل لجنة من قادة الفكر والسياسة والإعلام والحكماء للعمل على إنقاذ التراث العالمي الثقافي.وأكد البابطين على أهمية نشر ثقافة السلام في العالم والتركيز على البناء والتنمية ومواجهة كل ما يهدد أمن وسلامة البشرية، معرباً عن أمنياته أن يحقق المنتدى الأهداف التي أقيم من أجلها وأن يساهم في استقرار المجتمعات وإقرار السلام ونبذ الحروب التي تعصف بالبشرية وبمستقبل أجيالها.كما دعا البابطين إلى الابتعاد عن ثقافة الحروب، في وقت يجب أن يتحد العالم ويوحد جهوده لإعمال العقل وتغليب لغة الحوار على لغة الاحتراب والتقاتل، من أجل مستقبل البشرية وأمنها واستقرارها.