من سيحفظ ويوثق تاريخ أحمد الخطيب؟
من الصعب أن تنسى تاريخ هذا الرجل الوطني والقومي العروبي بكل ما تحمله الكلمات من صفات ومعان، فانتماؤه إلى الكويت ليس فيه مزايدة، ووطنيته تعلو فوق كل شيء، وقد خرج من الدنيا ويداه نظيفتان، والعمل السياسي عنده خدمة للبلد الذي أعطاه من روحه وقلبه، وهو في العمل البرلماني من المؤسسين للدستور.
كنت وإلى وقت طويل قريباً جغرافياً من «جماعة الطليعة» بقيادة الدكتور الخطيب، على خط «القبس» نفسه ولا تبعد عنه سوى أمتار قليلة، وقريباً أيضاً من البيئة التي ينتمون إليها فكرياً، وبين وقت وآخر كنت ألتقي بالزملاء والأصدقاء في مبنى «الطليعة» وهم بالعشرات، منهم من رحل إلى رحمة ربه ومنهم من بقي على قيد الحياة. آخر مرة كان لي شرف الحضور في ديوان المرحوم د. أحمد الخطيب في الشويخ السكنية وبدعوة من الصديق مظفر عبدالله راشد والزميلة سعاد المعجل للحديث حول الوثائق الوطنية وحفظها، وتشعب النقاش وأنا جالس إلى جانبه، لينهي الكلام: «ما قدمته من وقائع وإهمال بحفظ ذاكرتنا الوطنية أشعرنا بالخجل». تذكرت عبارته عندما سألته عن مصير «الطليعة» بعدما توقفت عن الصدور قبل سنوات أجاب «لا كلام بعد الإغلاق وصدور حكم التمييز... فأنا في مرحلة صيام عن التصريحات».
ومن الصعب أن تنسى تاريخ هذا الرجل الوطني والقومي العروبي بكل ما تحمله الكلمات من صفات ومعان، فانتماؤه إلى الكويت ليس فيه مزايدة، ووطنيته تعلو فوق كل شيء، وقد خرج من الدنيا ويداه نظيفتان، والعمل السياسي عنده خدمة للبلد الذي أعطاه من روحه وقلبه، وهو في العمل البرلماني من المؤسسين للدستور، قد يتعثر أحياناً، وقد يصيب، وهذا ما اختبره في «نضاله» ومواقفه. في العروبة، لم يهادن أحداً وفي «نكبة 1990» وقف شامخاً في صلابته، ذهب إلى «مؤتمر جدة» ليبايع أسرة الصباح كما فعل أهل الكويت الذين جددوا البيعة والتعاقد الدستوري والذي كان أحد المساهمين في صياغة مواده. حسناً فعل بكتابة مذكراته «الكويت من الإمارة إلى الدولة ومن الدولة إلى الإمارة»، فهذا ما يبقى ذخيرة للمستقبل تماماً كما هي لسان حال الوطنيين والقوميين، أقصد «مجلة الطليعة»، وستخرج مواقف وروايات كثيرة ممن عرفوا هذه القامة الوطنية ولا بأس بذلك، إنما ما يخلد اسمه وتاريخه أن يكون هناك مشروع لتوثيق تاريخ د. أحمد الخطيب، وبشكل حضاري ومدروس يبقى متاحاً للدارسين والباحثين، ويكون أشبه بمكتبة وطنية أو متحف بحيث يتم حفظ وتوثيق وفهرسة كل ما له علاقة بالأنشطة والمواقف التي تنسب إليه، بعيداً عن الشعارات والتحليل والتنظير، ويكفي أن يتم وفق قواعد فهرسة حديثة، وتوفيره بوسائل تكنولوجية سهلة وسريعة وفي ذلك خدمة للكويت والتاريخ وصونٌ لإرث المرحوم. منذ الخمسينيات كان اسم الخطيب حاضراً في المشهد السياسي، على المستويين الوطني والعروبي والخليجي وعلى عجالة، من المجلس التأسيسي وإعلان الدستور إلى الحركة الطلابية وولادة القوميين العرب، إلى نادي الاستقلال والصحافة الوطنية، إلى مجلس الأمة 1975 والمجالس المتعاقبة وما دار فيها من معارك ومواجهات ومشاريع والنادي الثقافي القومي وغيره من المحطات المفصلية. تذكرت قصيدة لأحد المواطنين يدعى سليمان عبدالرحمن الشعيبي أرسلها لي من أرشيفه الخاص ونشرتها في الزميلة «القبس» ومنقولة عن صحيفة «الراي» تقول: ربيت عيالي وهلي كلهم على شوفتك الله العالم لو تدري لو يمر يوم دون شوفتك. وهذه الكلمات تعبير عن محبة الناس للمرحوم د. أحمد الخطيب، رحمة الله عليه، وعزاؤنا لأصدقائه ومحبيه وأسرته.