ما يجري في أوكرانيا هذه الأيام ما هو إلا صراع بين جبابرة العالم، إنه صراع على مناطق النفوذ والمال، وفرض الهيمنة ولو بالقوة، إلا أن جميع الصراعات بين الروس والأميركيين كانت بالوكالة، فلم تسجل أي مواجهة حقيقية بينهما، نعم كادت أن تحدث، ولكنها لم تحدث، كأزمة جدار برلين، وأزمة الصواريخ النووية في كوبا، فقد كادت أن تؤدي الى حرب عالمية ثالثة بينهما، ولكنهما في نهاية الأمر اضطرتا إلى الموافقة على ترتيبات منعت وقوع الكارثة، فليست مستعدة ولا واحدة منهما لمحاربة الأخرى من أجل دولة ثالثة، إنها لعبة الأمم.

الآن هناك غزو روسي مباشر لأوكرانيا، وهناك رفض أميركي أوروبي له، سبب الغزو الروسي الرسمي المعلن هو نزع سلاح أوكرانيا، ومنعها من الانضمام الى الحلف لأطلسي، أي منع سلاح «الأطلسي» من الوصول الى الحدود الروسية، وهذا وضع شبيه، إلى حد كبير، بما حدث إبان أزمة الصواريخ في كوبا، عندما قام الاتحاد السوفياتي سنة 1962 ببناء قواعد سرية لصواريخ نووية متوسطة المدى على الأراضي الكوبية الدائرة في فلكه، مما سيسمح بضرب معظم أراضي الولايات المتحدة، فهدد الرئيس جون كنيدي بقيام حرب عالمية إن لم تُسحب، فانصاع نيكيتا خروتشوف لهذا التهديد، وتم نزع فتيل الحرب، بعد إجراءات وترتيبات علنية وسرية بين القوتين العظميين.

Ad

الوضع الآن مختلف عن أزمة سنة 1962، فكوبا كانت محظوظة لأن خروتشوف تراجع أمام صلابة كنيدي، وبتراجعه نجت كوبا من الدمار المحتم، أما اليوم فلا أوكرانيا ولا حليفتها أميركا انصاعتا للتهديد الروسي بالغزو، ولا روسيا أخذت الأمور بروية، ولا بد أن لكلا القوتين العظميين حساباتها الخاصة، فكانت أوكرانيا الضحية لهما.

نعود الآن إلى موقف بلدنا الكويت من هذه الأزمة، فقد أدلت بدلوها، وكالعادة فقد دست أنفها وشجبت صراعاً بين جبابرة ليس للكويت فيه لا ناقة ولا جمل، بل ليس في مصلحتها أصلا دس أنفها بين اثنين مطلوب دعمهما الدائم لنا، فليس مستغرباً ولا مستبعداً شجب أو تدخل دول في ذلك الصراع كل حسب إمكاناته وقوته وأهدافه ومصالحه، ولكننا لا نعلم ما مصلحة الكويت وأمنها من ذلك الشجب، ألم يكن أفضل لنا لو أننا نأينا بأنفسنا عن صراعات كهذه؟ أو على الأقل لو أننا عرضنا وساطتنا، كما فعل الآخرون من العرب وغيرهم، مع علمنا بأنه لا وساطتنا ولا وساطة غيرنا ستقدم أو تؤخر فيما عزم عليه الجبارون؟

ولكن يبدو أن ربعنا عندهم مديح الأشقاء والأصدقاء أهم من أمن البلد ومصالحه العليا مهما كانت عواقب ذلك، فما نفع كتب الشكر الأوروبية والعربية إذا ما حمّرت روسيا العين علينا وأضمرت لنا السوء، وهو موقف شبيه بمناكفتنا لمسار التطبيع العربي الإسرائيلي المستمر، الذي قد يدفع بأميركا إلى قلب ظهر المجن علينا، فالكويت في موقع لا تحسد عليه، ومنطقة الخليج العربي جالسة على صفيح ساخن، وفي حاجة لكل من أميركا وروسيا والصين؟ فلماذا نضر بأمننا من أجل حفنة من كتب الشكر ورسائل الترحيب؟

الكويت على وجه الخصوص عانت ويلات الغزو، وظلم بعض الأشقاء، وليس مستنكراً أن تتعاطف مع الأوكرانيين، ولكن الوضع الخليجي والكويتي تحديداً يجب مداراته ومراعاة الظروف التي نواجهها من تهديدات واعتداءات مباشرة على بلادنا بالصواريخ والمسيرات الإيرانية.

فكم نتمنى ونرجو ألا تدلو هذه المرة ببيان شجب إذا ما قررت الصين احتلال تايوان، فقد يأتي يوم لن نجد فيه من ينجدنا بسبب بيانات شجب لا تسمن ولا تغني من جوع.

طلال عبد الكريم العرب