على وقع تصاعد التوتر الروسي الغربي بسبب العملية العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية، دخلت الصين بقوة، أمس، على خط الأزمة من خلال رئيسها شي جينبينغ، في وقت أبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي استعداده للحوار مع موسكو حول وضع شبه جزيرة القرم والمناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون المؤيدون لها منذ عام 2014 في شرق أوكرانيا.ورغم تمسّكه برفضه إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، دعا الرئيس الصيني الذي أجرى قمّة بالفيديو مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، أمس، إلى "أقصى درجات ضبط النفس" في النزاع الأوكراني، واصفاً الأزمة بأنها "مقلقة جداً".
وأعلن شي "ضرورة مراعاة المخاوف الأمنية لجميع الدول"، مجدّداً رفضه إدانة العملية العسكرية الروسية، ومشدداً على أن "يحافظ الجانبان على زخم المفاوضات والتغلب على الصعوبات ومواصلة المحادثات من أجل تحقيق نتائج، ومنع حدوث أزمة إنسانية واسعة النطاق".وسعى شولتس وماكرون إلى إجراء محادثات مع الرئيس الصيني لتعزيز الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب.
زيلنسكي مستعد للحوار
وفي موقف يعكس ليونة للمرة الأولى منذ دخول غزو بلاده يومه الـ 13، أمس، قال زيلنسكي في مقابلة مع قناة "ABC" الأميركية، إنه مستعد لـ "الحوار وليس للاستسلام" ولقبول حلول وسط بالنسبة إلى شروط روسيا لوقف الحرب.وعن مطلب روسيا بالاعتراف بشبه جزيرة القرم وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، قال: "أعتقد أن البنود المتعلقة بالأراضي المحتلة المؤقتة والجمهوريات غير المعترف بها إلا من قبل روسيا، يمكننا مناقشتها وإيجاد حل وسط بشأن كيفية عيش هذه الأراضي. المهم بالنسبة لي هو كيف ستعيش الناس في هذه الأراضي من الذين يريدون أن يكونوا جزءًا من أوكرانيا... السؤال أصعب من مجرد الاعتراف بهم".ولفت إلى أنه فقد الاهتمام بمسألة انضمام بلاده إلى "الناتو"، "منذ فترة طويلة بعد أن أدركنا أن الناتو غير مستعد لقبول أوكرانيا، فالحلف يخشى التناقضات والمواجهة مع روسيا".وحضّ زيلنسكي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الحوار قائلاً، إنه "يجب عليه بدء الحوار بدلاً من العيش في فقاعة معلومات من دون أوكسجين".وفيما يتعلق بحلف شمال الأطلسي (الناتو) أعرب زيلنسكي عن خيبة أمله، مشيراً إلى أنه لم يعد مهتماً بالانضمام الى "الناتو".تباطؤ الهجوم
ورغم اقتراب الدبابات من كييف، أفاد الجيش والمديرية العامة للمخابرات بوزارة الدفاع الأوكرانية، أمس، بأن الهجوم الروسي على البلاد مستمر "لكن بوتيرة أبطأ بشكل ملحوظ"، مشيرين من ناحية أخرى إلى سيطرة القوات الروسية على 6 مدن رئيسية في مقاطعة زابوروجيا جنوب شرقي البلاد.من جانبها، أكدت وزارة الدفاع الأوكرانية أن الميجر جنرال الروسي فيتالي جيراسيموف، النائب الأول لقائد الجيش الروسي الحادي والأربعين، قتل قرب خاركيف.وفي إطار محاولة رابعة وجديدة لوقف إراقة الدماء وإقامة ممرات إنسانية لإجلاء السكان المحاصرين، بدأت عملية إخلاء في 5 مدن، بعدما أعلن الجيش الروسي دخول وقف جديد لإطلاق النار حيز التنفيذ في مدن عدة، صباح أمس.وأكدت موسكو، أنه سيُتاح للمواطنين في العاصمة كييف والمدن الرئيسية في تشيرنيهيف وخاركيف وماريوبول وسومي، حيث قتل فيها 21 شخصاً في غارات جوية وفقاً للسلطات المحلية، الفرصة للوصول إلى أماكن آمنة.في المقابل، اتّهمت وزارة الدفاع الأوكرانية الروس بعدم احترام الممر الإنساني في ماريوبول الساحلية المحاصرة في جنوب شرق أوكرانيا، مؤكدة أن الجيش الروسي "لم يسمح للأطفال والنساء والمسنين بالخروج من المدينة"، واصفة "هذه التصرفات بأنها إبادة جماعية"، فيما غرّدت وزارة الخارجية الأوكرانية من جانبها أن "هناك انتهاكاً لوقف النار".وفي إربين بضاحية كييف، أقيم ممر إنساني غير رسمي سمح للآلاف من سكان المدينة، التي سيطرت عليها القوات الروسية بالفرار عبر جسر مرتجل، ثم طريق واحد يتولى أمنه الجيش ومتطوعون.ويواصل الأوكرانيون هجرتهم الجماعية. فقد دفعت الحرب حتى الآن أكثر من مليوني شخص إلى البحث عن ملاذ في البلدان المجاورة بحسب ما أفادت الأمم المتحدة، أمس.وفي أول تقييم من نوعه، أعلن مدير الاستخبارات المركزية الأميركية CIA وليام بيرنز، أمس، مقتل "ما بين 2000 و4000 جندي روسي في صراع أوكرانيا".وكانت موسكو أقرت الأسبوع الماضي بمقتل 498 من جنودها، بينما أفادت وزارة الدفاع الأوكرانية بمقتل 12 ألف جندي روسي.قوات كييف واحتياط موسكو
من ناحيته، نفى الرئيس الروسي مشاركة مجندين من الخدمة الإلزامية وقوات الاحتياط في معارك أوكرانيا.وقال في بيان لمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إن العسكريين المحترفين فقط هم من يشاركون في الهجوم، مشيراً إلى أنه يتفهم مخاوف أمهات وزوجات وأقارب الجنود المنتشرين في أوكرانيا.إلى ذلك، أعلنت الخارجية الروسية، أمس، أن على الولايات المتحدة أن تعتاد على مسألة انتهاء هيمنتها الأحادية على العالم.وذكر ألكسندر دارشييف، مدير إدارة أميركا الشمالية بوزارة الخارجية، أنه "يتعيّن على واشنطن وموسكو، العودة إلى مبدأ التعايش السلمي، على غرار فترة الحرب الباردة"، مشيراً إلى "أننا منفتحون على حوار صادق وقائم على أساس الاحترام المتبادل مع واشنطن".وشدد على أن "واشنطن أوصلت العلاقات مع موسكو، إلى نقطة اللاعودة، وعليها أخذ مجالات النفوذ الروسي في الحسبان".بلينكن ومحاسبة بوتين
وفي إطار جولته المكوكية في أوروبا لتأكيد عزم بلاده الدفاع عن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي في مواجهة الهجوم الروسي، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن حرب بوتين في أوكرانيا تهدف لإخضاع دولة ذات سيادة، مضيفاً بأن "العالم سيحاسبه".وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة وزراء إستونيا كاجا كالاس، في تالين، إن "الرئيس جو بايدن طلب 10 مليارات دولار من الكونغرس لمساعدة أوكرانيا"، مشيراً إلى التزام بلاده بالدفاع عن كل سنتيمتر من أراضي الدول الأعضاء في الناتو".من ناحيتها دعت كالاس الولايات المتحدة إلى فرض حظر جوي ومن الطيران الروسي من التحليق في اجواء أوكرانيا. ووسط ذروة التوتر، طلب رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي من قواته المتمركزة في أوروبا إبداء تصميمها على منع اندلاع "حرب بين قوى عظمى".وقال ميلي للجنود الأميركيين المنتشرين في قاعدة جوية قرب كونستانتسا في جنوب رومانيا "علينا التأكد من قدرتنا على الاستجابة السريعة، وإظهار قوتنا وتصميمنا ودعمنا للناتو لمنع أي عدوان إضافي من الروس ومنع اندلاع حرب بين القوى العظمى".وأضاف: "منذ عام 1914، منذ بداية الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1945، أي نهاية الحرب العالمية الثانية، قتل 150 مليون شخص، ولا نريد بأن يتكرر ذلك إطلاقاً".وتحاول أكثر ما يخشاه الأميركيون أن يعمد بوتين في حال اعتبر أنه يواجه "استفزازاً"، إلى توسيع بقعة النزاع إلى خارج أوكرانيا، مع مخاطر نشوب مواجهة مباشرة قد تكون نووية مع الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين. والمطلوب بالتالي بحسب مسؤولين أميركيين "احتواء الرئيس الروسي". ويبقى الخط الأحمر الأكبر بحسب ما قال مسؤول أميركي آخر "لا نريد حرباً عالمية ثالثة".وفي هذا السياق ترفض واشنطن والحلف الأطلسي بشكل قاطع فرض منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا يطالب بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي بإصرار، إذ أن فرضها يعني أن تكون طائرات الحلف على استعداد لإسقاط مطاردات روسية، ما "يمكن أن يقود إلى حرب شاملة" بحسب بلينكن.لكن صحيفة "بوليتيكو" نقلت خطاباً مفتوحاً وقعته مجموعة تضم 27 من كبار الشخصيات في السياسة الخارجية الأميركية إلى إدارة بايدن يدعو إلى اقامة "منطقة حظر طيران جزئية" لحماية الممرات الإنسانية التي تم الاتفاق عليها في المحادثات بين المسؤولين الروس والأوكرانيين يوم الخميس الماضي. ويشدد المقترح على ضرورة أن يبلغ قادة "الناتو " المسؤولين الروس بأنهم لا يسعون إلى مواجهة مباشرة مع القوات الروسية وأن هدف الخطوة "تفادي وردع القصف الروسي الذي من شأنه أن يؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح الأوكرانية".وتوقعت "بوليتيكو" أن يلاقي المقترح رفضاً من البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس وقطاع عريض من قادة السياسة الخارجية، مضيفة أن الاقتراح لا يغير حقيقة أنه سيتعين على "الناتو" إسقاط الطائرات الروسية التي تنتهك الحظر، كما قد يؤدي الى حرب واسعة.«نهاية بوتين»
وفي لندن، أعلن وزير الدفاع البريطاني بن والاس، أمس، أن الرئيس الروسي قوة مستنفدة في العالم أياً كان ما يحدث في أوكرانيا، متوقعاً أن هذا الغزو سيمثل نهايته ونهاية جيشه، مشيراً إلى أن "احتلال مثل هذا الشعب وهذا البلد مهمة مستحيلة".أضاف خلال مقابلة اذاعية، أمس، أن بريطانيا ستدعم بولندا إذا قررت تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة، لكنه أشار إلى أن ذلك قد يكون له عواقب مباشرة على بولندا.