يبقى وجود د. أحمد الخطيب وحضوره مغروساً في كل زاوية من زوايا الوطن، وما وراء الوطن، لدرجة يصعب فيها استيعاب رحيله، فهو إن رحل بجسده، فسيبقى معنا حاضراً، مؤثراً، بلا تكلّف، وبلا تصنّع، بل ببساطته، وإنسانيته، وحميميته، ورؤيته الواسعة الأفق.قد يقول قائل إنه كان من ذلك الزمن الجميل، إلّا أنه كان جميلاً بذاته، رحوماً، عطوفاً، قادراً على خلق الفرص من العدم أو شبه العدم.
إن كان هناك زمن جميل قد مضى، وهي مسألة فيها نظر، فقد كان كذلك لوجود عناصر من أمثال د. أحمد الخطيب، ملتزمة بوطنها العربي على اتساعه، فمع انطلاقه وتركيزه على التنمية السياسية والمجتمعية في الكويت، إلّا أنك لن تجد رقعة خليجية أو عربية، إلّا وكان له فيها نقطة ارتكاز، ومحور للتحرك.منذ وفاته لم تنقطع الاتصالات والتعازي من أنحاء كثيرة من العالم، وكان لافتاً عبارة كانت مشتركة من المتصلين، وهي "لا نعزّيكم، بل نعزي أنفسنا"، وهي مشاعر حقيقية، ومتدفقة، عكست واقع حال الرجل الذي لم يرحل، بل ترجّل.ربما كانت حكاية ونبوغ والتزام ونضال د. الخطيب قد وثّقناها في مذكراته، بجزأيها، لكن لا يزال هناك المزيد لكي نتعلم من مسيرته، بوجوده كركيزة وكقيمة من قيم المجتمع الراغب بالعيش في سلام واستقرار وأمان وكرامة، وقبول للآخر بلا تمييز ولا كراهية.وعلى الرغم من أنه يبدو مناضلاً سياسياً، صاحب مبدأ لا يحيد عنه، وهما صفتان يفترض فيهما الشدة والصلابة، فإنه في المقابل له أبعاد إنسانية شديدة العمق، فهو إنسان بمعنى الكلمة، ينتصر للضعفاء والمهمّشين، وأحياناً بقلب كقلب طفل. غادر د. الخطيب الحياة البرلمانية منذ عام 1996، إلا أنه ترك لنا إرثاً لا يغيب، وواقعاً يرفض رحيله عنّا. غادر البرلمان عامداً وقاصداً، وقائلاً: "لم أعد أجد نفسي في ذاك المكان، وأذهب إلى هناك متثاقل الخطى". ومع مغادرته لذاك "المكان"، إلا أنه ظل في الأثر ذاته، يحظى بالاحترام ذاته، والمودة ذاتها، والتقدير العالي ذاته، وذلك من محبيه وخصومه على حد سواء.سيترك لنا د. الخطيب شيئاً ثميناً صعب التكوين، نحتاج إليه في هذه الأيام، وهو أنه صار قدوة للناس، ونموذجاً يحتذى، في زمن ضاعت فيه الصورة وتاهت البوصلة، وبالذات في المحفل السياسي.
أخر كلام
د. أحمد لا يرحل... بل يترجّل
09-03-2022