6/6: الخطيب قامة لن تتكرر
وفاة الرمز الوطني الراحل الكبير أحمد الخطيب كأحد صُنَّاع تاريخ الكويت السياسي الحديث، وكنائب لرئيس المجلس التأسيسي، وكأحد كتبة دستور 62، وأيقونة الديموقراطية الكويتية والحياة النيابية، أسدلت الستار على فصول ثرية من تاريخ الكويت الحديث، وهو مَنْ تجمَّعت لديه من المقومات ما لم تجتمع لغيره، وجعلت منه العلامة الفارقة في مسيرة العمل السياسي العربي والوطني طوال 70 عاماً من عُمره الزاخر بالأحداث الكبيرة.التصق اسمه بالمراحل المتوهجة للعمل السياسي الوطني والعربي منذ نهايات الأربعينيات من القرن الماضي، وحتى توقف قلبه الكبير عن الخفقان، وقد رسخت بصماته المنيرة بزوايا تاريخ بلاده وأمته.الطبيب والسياسي ومؤسس واحدة من أكبر الحركات القومية العربية، لم يعرف التقلب ولا التراجع، واستمد من مهنته الحكمة والدقة بتشخيص وعلاج أمراض الناس وأحوال الوطن.
عاصر الكويت وعاصرته خطيباً وزعيماً شعبياً ونائباً ومدرسة في النقاء الوطني، وتتلمذ على يديه المئات من الشباب الوطنيين من رجال السياسة الذين انتهجوا مساره، واستلهموا أفكاره، فشكَّلوا بقيادته حصناً منيعاً للمكتسبات الديموقراطية والدستورية أمام ما واجهته من ضربات استهدفت تعطيلها والعودة بها إلى ما قبل دستور 1962.أسس مع كوكبة من فرسان السياسة من أبناء جيله ومَنْ تلاهم، "مدرسة الأخلاق الحميدة" في الممارسة البرلمانية والسياسية، فلم تدفعهم صلابة مواقفهم الوطنية للتنكر للقيم والموروثات الأخلاقية المجتمعية وفروسية المنازلات السياسية، وبالقدر الذي امتلأت بمواقفه المدافعة عن المكتسبات الشعبية مدونات ولادة الدستور وحواراتها، أو مضابط مجالس الأمة التي تكررت عضويته فيها حتى اعتزاله العمل النيابي عام 1996، إلا أنك لا تجد خروجاً منه بالألفاظ أو تخويناً وإقصاء لمن اختلف معه في الرأي أو الموقف، فكان الطبيب الملازم لفراش مرض ووفاة "أبوالدستور" الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، وابنه الشيخ سعد، طيَّب الله ثراهما. كان الحكيم والمرجع الموثوق للباحثين عن الرأي السديد عند كل اختناق صادف العمل الوطني أو البناء الدستوري للدولة المدنية، ولم يبخل، خصوصاً على الشباب، بنصائحه وخلاصة تجاربه الغزيرة في الحياة وفي السياسة.لن تكفيه أو تفي حقه سطور رثائي وغيري، فهو محيط واسع الآفاق، وأشارك الأستاذ حمزة عليان القول بضرورة قيام مشروع وطني لتوثيق تاريخ المرحوم د. أحمد الخطيب بأسلوب منهجي وعلمي، ليبقى راسخاً في ذاكرة الوطن والأمة كقامة لن تتكرر. والرجال النماذج يموتون ولا يغيبون.مؤلم أن يغادر الخطيب الحكيم الدنيا دون أن يرى نادي الاستقلال يعود، ولا "الطليعة" تصدر، بل يتم بيعها مع متكئه اليومي في رواقها. رحمه الله، والعزاء لكل الكويت.