لاح في الأفق شبح تصعيد أمني بين طهران وتل أبيب قد يحول المنطقة الى ساحة إضافية من ساحات الحرب العالمية الثالثة التي يتوقع البعض أن تندلع على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وإصرار الغرب على تدفيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثمن.

ومع الغموض الذي يحيط بمفاوضات فيينا النووية، خصوصاً بعد موقف موسكو التي وضعت على ما يبدو عراقيل أمام التوصل إلى اتفاق سريع قد يحرر النفط الإيراني من العقوبات، وبالتالي يقيّد قدرتها على إثارة أزمة طاقة عالمية، أعلن "الحرس الثوري" الإيراني خسارته ضابطين برتبة عقيد في ضربة إسرائيلية استهدفت مواقع قرب العاصمة السورية دمشق الاثنين الماضي.

Ad

وبعد هذا الإعلان النادر والمتأخر، توعّد "الحرس" بـ "الثأر والانتقام" وبأن إسرائيل "ستدفع ثمن الجريمة"، وهو ما ردده كذلك المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، الذي قال إن الإجراء الإسرائيلي لن يمرّ دون عقاب.

ووسط مخاوف من تصعيد ميداني قد يشمل حلفاء إيران في لبنان، قال الكاتب الصحافي اللبناني قاسم قصير إنه "ليس من مصلحة حزب الله فتح جبهة مع اسرائيل، خصوصاً قبل الانتخابات، وهذا ما يسمى الصبر الاستراتيجي، إلا إذا توالت الضربات الإسرائيلية".

اتهامات إيرانية لموسكو

وفي وقت دخلت العلاقات بين إيران وروسيا مرحلة "تضارب مصالح"، بعد مطالبة الأخيرة بضمانات أميركية لإحياء "الاتفاق النووي" المتبلور على طاولة المفاوضات بين طهران والقوى الكبرى في فيينا، اتهم النائب السابق لرئيس البرلمان الإيراني، علي مطهري، موسكو بالتنسيق وإفساح المجال لإسرائيل لشنّ ضربة دمشق.

وقال مطهري إن روسيا، التي تسيطر على الأجواء في دمشق، تركت إسرائيل حرة في مهاجمة القوات الموالية لإيران في سورية.

ودمرت الغارات الإسرائيلية مستودعات ذخيرة إيرانية بمنطقة القطيفة، فضلا عن مواقع قرب مطار العاصمة السورية. وتسببت الضربات في مقتل 4 أشخاص.

وذكر "المرصد السوري" المعارض أن القتيلين الإيرانيين ينتميان لـ "فيلق القدس"، مضيفا أن "6 عناصر من ميليشيات إيران" أصيبوا.

وقال "المرصد" إن هجوم يوم الاثنين هو سابع ضربة إسرائيلية في سورية منذ بداية العام.

استنفار إسرائيلي

وفي ظل الاعتراف الإيراني الاستثنائي، يستشعر الجانب الإسرائيلي، عزم إيران الرد على مقتل عنصري "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري".

ورفع الجيش الإسرائيلي حالة التأهب والاستعداد لدى الوحدات المشغلة لمنظومات "القبة الحديدية" للدفاعات الجوية، على طول الحدود مع سورية، وفق تقارير عبرية.

وكانت المرة الأخيرة التي تعترف فيها الجمهورية الإسلامية بسقوط ضحايا من قواتها في هجوم إسرائيلي على مواقع في سورية، خلال أبريل 2018، حين قُتل 7 من عناصر "الحرس الثوري" في هجوم على مطار T4 شرق مدينة حمص.

وفي ذلك الحين، ردت إيران بعد شهر بوابل من الصواريخ التي أطلقت عبر الميليشيات المسلحة الموالية لها في سورية، على مواقع إسرائيلية.

الى ذلك، أجرى رئيس الأركان، أفيف كوخافي، زيارة سريعة أمس إلى البحرين بصحبة كبار المسؤولين الأمنيين بهدف "التعاون في مواجهة إيران"، حسبما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أشارت كذلك الى أن الزيارة تأتي على خلفية التقدم في مفاوضات فيينا.

عودة فيينا

ويأتي احتمال انخراط طهران في موجة تصعيد عسكرية بالتزامن مع دخول المفاوضات النووية التي تخوضها مع مجموعة "4+1" في فيينا "مرحلة حاسمة"، وسط دعوات أوروبية من أجل تسريع التوافق وإعادة إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018.

وبعد أن أفادت معلومات بسفر كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، بشكل مفاجئ أول أمس إلى طهران، عاد مجدداً، أمس، إلى العاصمة النمساوية، في حين أكد مصدر مقرب من فريق التفاوض أن إنهاء المحادثات في انتظار "القرار والرد الأميركي".

وكانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، أعلنت في جلسة استماع بـ "الكونغرس"، أمس الأول، أن المفاوضات اقتربت من إبرام تسوية، رافضة دعوات من معارضي اتفاق 2015 إلى تعليق المحادثات بسبب الحرب في أوكرانيا. وقالت إن "آخر أمر نحتاج إليه الآن إلى جانب حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا، هو إيران مسلحة نووية".

واتهمت نولاند روسيا بالسعي إلى جني فوائد إضافية من مشاركتها في جهود إحياء الاتفاق النووي الإيراني. وقالت إن موسكو لن تنجح في مسعاها هذا بعد أن أربكت المفاوضات المستمرة منذ 11 شهرا بطلبها في اللحظة الأخيرة ضمانا من الولايات المتحدة بأن العقوبات المفروضة عليها بسبب غزوها لأوكرانيا لن تعرقل تجارتها واستثماراتها وتعاونها العسكري التقني مع إيران. وأضافت نولاند: "تحاول روسيا رفع سقف مطالبها وتوسيع نطاق مطالبها فيما يتعلق بخطة العمل المشتركة الشاملة، فنحن لا نلعب، دعونا نعقد صفقة".

بدورها، أكدت فرنسا أمس الأول أن "الاتفاق وشيك"، محذرة في الوقت نفسه من مستجدات قد تؤخر الأمر، في إشارة إلى النزاع الروسي الأوكراني، لاسيما بعد مطالبة موسكو قبل أيام بضمانات مكتوبة من واشنطن أن أي عقوبات لن تطولها في التعامل مع طهران لاحقا عقب إعادة إحياء أي اتفاق مقبل.

وأمس، شدد وزير الخارجية الأيرلندي، ​سيمون كوفيني​، على قرب إبرام تفاهم يعيد إدارة الرئيس الأميركي الديموقراطي جو بايدن إلى الالتزام بالاتفاق الذي يعيد القيود على طموحات إيران الذرية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

تهديد وتشكيك

ووسط الضبابية التي تحيط بالوضع في فيينا، أكدت الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) أنه بصرف النظر عن نتائج المفاوضات النووية، فإن إيران "ستبقى تهديدا للشرق الأوسط".

في موازاة ذلك، أعرب نائب الرئيس الأميركي السابق، مايك بنس، عن ثقته بفوز الجمهوريين في انتخابات "الكونغرس" والرئاسة المقبلة، وأن الإدارة الأميركية المقبلة ستنسحب من "الاتفاق النووي" المرتقب مرة أخرى.

وقال بنس إن الجمهوريين سيسيطرون على مجلسي الشيوخ والنواب في انتخابات 2022 والبيت الأبيض في انتخابات 2024 الرئاسية. وأشار إلى ان "إدارة ترامب لم تنسحب من الاتفاق النووي فحسب، بل عزلت طهران إلى مستوى غير مسبوق وتحدّت أنشطتها المدمرة".