غداة توقف المباحثات الدولية الرامية لإعادة القيود على برنامج الجمهورية الإسلامية الذرّي مقابل رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها ووصولها إلى «طريق مسدود»، حذّرت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، أمس، السلطات الروسية من أن مطالبها بضمان تجارتها مع إيران تهدد بـ «انهيار اتفاق نووي شبه مكتمل» تم التوصل إليه خلال 11 شهرا من المباحثات التي استضافتها فيينا بين طهران ومجموعة «4+1» فرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، إضافة إلى ألمانيا.

وقالت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، أو ما يسمى بالأطراف الأوروبية الثلاثة المشاركة في «الاتفاق النووي» المبرم مع إيران عام 2015، في بيان مشترك: «يجب ألا يحاول أحد استغلال مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة للحصول على تأكيدات منفصلة عن الخطة».

Ad

وجاء التحذير بعد ساعات من إعلان منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عبر «تويتر» أن محادثات إحياء الاتفاق النووي بالعاصمة النمساوية قد تم تعليقها «بسبب عوامل خارجية».

وأدى الإعلان إلى اتهام روسيا من جميع الأطراف بأنها «العامل الخارجي».

توقف ومطالبة

ومع انحراف المحادثات الدولية في فيينا عن مسارها بسبب «العرقلة الروسية» التي تهدف لـ «صون مصالح موسكو» إضافة إلى «تأجيل أو تأخير» عودة النفط الإيراني الذي يمكّن القوى الكبرى، في حال السماح له بالوصول إلى الأسواق العالمية، من تشديد العقوبات على قطاع المحروقات الروسية دون تضخم الأسعار، دعت واشنطن موسكو وطهران إلى «اتخاذ القرارات اللازمة لإحياء الاتفاق النووي».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، أمس الأول، بعد إعلان الاتحاد الأوروبي وقف المحادثات النووية: «واثقون بأنه يمكننا العودة المتقابلة إلى الاتفاق النووي إذا اتخذت تلك القرارات في أماكن مثل طهران وموسكو».

وكرر برايس تأكيد بلاده بأن العقوبات الجديدة ضد موسكو «لا علاقة لها بالاتفاق النووي، وينبغي ألا يكون لها تأثير على المفاوضات» بشأن إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018.

وتابع: «لا ننوي تقديم أي مقترحات جديدة أو خاصة لروسيا فيما يتعلّق بهذه العقوبات».

وأكد برايس أن رئيس الوفد الأميركي إلى محادثات فيينا، روب مالي، عاد إلى واشنطن مع أعضاء مجموعته. وحذّر في النهاية من أن الفرصة المتبقية لإحياء الاتفاق النووي كانت «صغيرة جدّاً».

انهيار وشيك

ونقل عن دبلوماسيين قولهما، إن «المحادثات النووية الإيرانية على شفا الانهيار»، وأضافوا أن «المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود»، وأرجعوا السبب إلى «المطالب الروسية في اللحظة الأخيرة» بإعفاء أي شراكة مع إيران في المستقبل من عقوبات الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، وهو ما اعتبرته أوساط دبلوماسية «خطوة متأخرة» من قبل موسكو للرد على العقوبات التي تواجهها بعد غزو أوكرانيا.

وذكر الدبلوماسيون أن المفاوضين في فيينا، بما في ذلك الأميركون والبريطانيون والفرنسيون والألمان والصينيون، إضافة إلى كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي «لم يجدوا الطريقة للرد على المطالب الروسية».

تصعيد إقليمي

وفي طهران، التي يبدو أنها على وشك فقدان «صفقة مربحة» كانت ستدر عليها مليارات الدولارات مقابل إعادة القيود على طموحها النووي، رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، أن توقف محادثات فيينا مؤقتاً «قد يشكل زخماً لحلّ أي مشكلة متبقية والعودة النهائية للاتفاق». وقال إن إيران «لن تدع أي عامل خارجي يؤثر على رغبتها في إنجاح المفاوضات».

واعتمدت السلطات الإيرانية، العالقة بالتصعيد بين روسيا والغرب، مقاربة تظهر غضباً علنياً من «مطالب أميركية جديدة ومبالغ فيها حول الحد من التسلح الباليستي والنفوذ الإقليمي»، وتتكتم على «شرخ كبير» بالعلاقات مع روسيا جراء تضارب المصالح المفاجئ بفيينا.

وفي تحرّك يشي بأنها تستعد لجولة تصعيد إقليمي، بحال تبخر «الصفقة النووية»، وجهت ممثلية الجمهورية الإسلامية لدى منظمة الأمم المتحدة رسالة إلى الأمين العام للمنظمة الدولية ورئيس مجلس الأمن الدولي، أكدت فيها مسؤولية إسرائيل عن «اغتيال اثنين من القوات الاستشارية الإيرانية في سورية» بضربة جوية الاثنين الماضي. وجاء في الرسالة أن «إيران تعتبر الهجوم الإرهابي الأخير عملا استفزازياً شديداً ومتعمداً هدفه رفع التوترات إلى مستوى غير قابل للسيطرة».

ودعت إلى محاسبة إسرائيل وجميع الذين ساعدوها بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو بأي صورة أخرى في ارتكاب أو تنفيذ الاعتداء.

وحملت الرسالة تحذيراً لإسرائيل من «ارتكاب المزيد من الأعمال المتهورة والشريرة»، قائلة إنها «تحتفظ بحق الرد في أي وقت ترتئيه».

وكانت العلاقات العامة لـ «الحرس الثوري» قد أعلنت مقتل اثنين من كوادر «فيلق القدس»، فيما تحدث مصدر مطلع لـ «الجريدة»، في وقت سابق، عن اتهامات إيرانية لروسيا بالتنسيق مع إسرائيل لإفساح المجال أمام الغارات الجوية، التي جاءت بعد زيارة خاطفة أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى موسكو المسيطرة على الأجواء السورية.

مصادرة أميركية

في هذه الأثناء، أظهرت وثائق قانونية أن الولايات المتحدة صادرت حمولة ناقلتَي نفط يُشتبه في أنهما كانتا تنقلان أكثر من 700 ألف برميل من النفط الإيراني في انتهاك للحظر الأميركي. وصادرت السلطات الأميركية منذ بضعة أسابيع النفط الذي بحسب قولها، انطلق عام 2020 من طهران وخضع بعدها لـ «عمليات نقل وتحايل لإخفاء مصدره». ولم يُكشف عن الملف القضائي إلا أخيراً، بعد إعادة بيع النفط بقيمة تُقدّر بما بين 38 و45 مليون دولار.

وأصدرت الولايات المتحدة في أكتوبر 2021 مذكرة لمصادرة هذا النفط الذي سيستفيد من بيعه خصوصاً «الحرس الثوري» الذي تصنّفه واشنطن منظمة إرهابية.