حوار أوكراني مع صديقي الألماني*
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
فجأة وسط كل ذلك يخرج صديقي الألماني من صمته الطويل بعد أعوام من تركه منصبه الدبلوماسي الرفيع المستوى في ذلك البلد العربي والانتقال إلى بلد آخر لا يقل حضارة وعراقة وتاريخا معطرا بكثير من العلم والثقافة والفنون، وبعد السؤال عن الأحوال والأوضاع "والذي منه" مما يقال للبدء بحديث أكثر حساسية، يقوم بطرح الأسئلة عن أوكرانيا وبنبرة لا تخلو من الفزع من القادم، وتأثيره على البشرية ومستقبلها، يسألني: هل كنتِ تتوقعين أن يحدث هذا؟ بكثير من السذاجه ربما أو الإيمان بأن صديقي الدبلوماسي العريق الذي عاش بيننا لسنوات عدة يدرك معنى أن تسأل عربياً عن الحروب ومعناها في منطقة لم تعرف سواها لسننين عدة على اختلافها وتنوعها ومنطقة تعاني احتلالاً منذ أكثر من 73 سنة، هنا وعندما عرج الحديث بيننا على نظرة سريعة لما حدث من تشريد وتجويع وحصار على كثير من البشر في مناطق عدة، ثار غضب الصديق وتحول من الدبلوماسية المعهودة لدى كثير من الأوروبيين إلى نبرات الغضب المغمسة بكثير من الخوف، ثار غضبه تشبيه الحالة بفلسطين الدولة الوحيدة التي تقبع تحت الاحتلال حتى الآن على هذه الأرض. أما تشبيه معاناة الأوكرانيين بتلك التي مر بها السوريون واليمنيون والليبيبون والعراقيون والأفغان و... و... وكثير من الأفارقة والآسيويين وغيرهم من شعوب الكون، فهذا ما أثار غضبه الشديد، وصار يصرخ بأعلى صوته "لماذا تأتون بفلسطين في الحديث عن أية قضية؟ وما علاقة الاحتلال الأميركي للعراق في 2003 بما يحدث في أوكرانيا الآن؟ وصار يردد "هل تعرفين مدى خطورة ما يحدث؟ هذا يعني دمار أوروبا ومنها العالم"، فكان سؤالي الهادئ جداً، ولماذا لم يتدمر العالم بعد قتل وتشريد الكثير من الذين ذكرته بهم من شعوب العالم؟ صار يكرر ليس من العدل المقارنة، ليس من العدل أن تقارني الأوكرانيين الأوروبيين بالأفغان المتطرفين أو العراقيين العنيفين أو... أو... أو... أما عندما ذكرته بأن في كلامه نكهة من العنصرية والتعالي فشاط غضبا وردد "ليس من العدل أن تصفي ما يحدث بذلك، وأنتم العرب عنصريون أكثر تجاه الأفارقة... إلخ... إلخ"، قلت معك حق إننا عنصريون ربما، ولكن هل تبرر عنصريتنا عنصريتكم وأنتم من تنادون بحقوق الإنسان وتمارسون أنواعاً من العنف اللفظي أو العملي على كثير من الشعوب بحجة حمايتهم من حكامهم الدكتاتوريين والعنصريين وغير المعنيين باحترام مواثيق حقوق الإنسان؟ هنا آثرت الصمت وأدركت أن العنصرية تسكن أحياناً تحت جلود بعضنا، وكثير منهم أيضاً. * ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.