ماذا تغيّر؟
تم إحلال ممارسة الثقافة التسلطية عبر الضرب بالقوانين القمعية وعبر المؤسسات المهترئة التي ينخرها الفساد - في الأغلب - مكان ثقافة الشيخ السلطاني المتربع على الأريكة العالية وخلفه ينتصب الفداوي حاملاً العصا والبندقية يذود بهما عن سلطنة "السيد" الشيخ واستبداده.هكذا تبدّل الزمان ولم يتبّدل، مضى الوقت وتحرّك التاريخ، إلا أن الفكر المغيب بقي ثابتاً في مكانه وزمانه المطلقين. في الحلقة الخامسة لسيرة "سيزيف الخطيب" (الراحل د. أحمد الخطيب) قدّم لنا الحكيم نماذج بسيطة لما "كان" في الماضي، والآن في لحظة الحاضر نشهد تغيّر الشكل، وبقاء المضمون التعيس في الإدارة التسلطية بفسادها وهيمنتها على المجتمع المغيّب وعيه، بالاستهلاك، وإغداق الهبات المالية أو الوعد بها.
أحمد الخطيب يقف نداً لثلاثة من أقوى شيوخ الأمس من عبدالله المبارك، وعبدالله الأحمد، وفهد السالم، يرفض، معترضاً، مشتريات إدارة الصحة التي يرأسها المرحوم فهد السالم؛ لأنها لم تتم عبر مناقصة، بل ـ ببساطة ـ تمت لمصلحة شركة تملكها زوجته، تجرّأ الخطيب ودفع بالصخرة إلى الأعلى في جدل ومعركة بالأيدي مع الراحل فهد السالم، والمصادفة أن الفداوي لم يكن قابعاً خلف الشيخ فهد السالم، فحفظت لنا حياة الخطيب.وتتكرر أيضاً مصادفات في مناسبات مثلها في تأسيس القواعد لتنظيمات المجتمع المدني - الهيئات التي تتوسط بين السلطة الحاكمة والجمهور- مثل إنشاء الأندية الثقافية والمجلات الوطنية، لم تتقبلها السلطة التي رأت أنها مزاحمة لها تَحُد من جبروتها، ويدخل وطنيون رائعون مثل "أبو الحارث"- عبدالرزاق الخالد - ونصف اليوسف وغيرهما، وتصل الأمور للكبير عبدالله السالم، وبحكمته ورؤيته الثاقبة تنتهي الأمور لمصلحة الوطن، كان وطناً حياً نابضاً بالحراك الفكري وروح التحدي والانفتاح والتجديد، كانت السنوات الخمس من بداية الستينيات أجمل أيام العمر في الدولة الناهضة. تلاشت تلك الأيام، ورحل النجوم الكبار، مات القديم ولم يأتِ الجديد ليحلّ مكانه، لم يعد للذات الفداوية وجود، إلّا أن جوهر الشخصية "الفداوية" بقي في صورة مختلفة، فداوي اليوم ليس حارساً متواضعاً لصاحب السلطة، بل أصبح ثقافة تتمدد في مؤسسات الدولة وتنخر في عظام المجتمع، ولج علينا فداوي اليوم مرتدياً جلباب الريع باسم الفساد واستغلال النفوذ وغياب حياد القانون واختراق مؤسسات الدولة.فداوي اليوم لا يقبض مكافأة بسيطة كي يعول أسرته، هو اليوم يضع على يديه قفازاً ناعماً للقانون، غاب فداوي البساطة المطيع، ليحل مكانه فداوية النظام يملؤون جيوبهم بالمليارات ويفصّلون الأمور حسب المصالح الكبرى للمعازيب الكبار، الذين هم فوق حكم القانون... أي قانون هذا؟... وأي استدلال فاسد لأحكامه؟... ما الذي تغيّر عليكم؟