اقتربت الحرب الأوكرانية من بولندا، العضو في حلف "الناتو"، بعدما قصفت روسيا، أمس، قاعدة عسكرية أوكرانية كانت تستخدم لتدريب القوات الأوكرانية من قبل مدربين أجانب، لا سيما أميركيين وكنديين، قرب لفيف غرب أوكرانيا على الحدود مع بولندا.

واستهدفت القاعدة الواقعة في يافوريف على بُعد نحو 40 كيلومترا شمال غربي لفيف ونحو 20 كيلومترا من الحدود مع بولندا، بـ 30 صاروخاً، وفق ما أعلن حاكم المنطقة مكسيم كوزبتسكي، مما أدى الى مقتل 35 شخصاً وإصابة 134 آخرين.

Ad

وقال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، إن «روسيا هاجمت المركز الدولي لحفظ السلام والأمن بالقرب من لفيف. يعمل هناك مدربون عسكريون أجانب".

من جانبها، نقلت وسائل إعلام روسية عن "مصادر عسكرية"، أن "القاعدة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وكان يجري فيها تدريب مقاتلي كتيبتي آزوف وأدار القوميتين".

واعتبرت الحكومة البريطانية الهجوم "تصعيداً كبيراً".

وجاء الهجوم غداة تهديد موسكو باستهداف إمدادات السلاح الغربي الى أوكرانيا، وقبل ساعات من زيارة مقررة لوفد من مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الى الحدود الأوكرانية - البولندية التي يعبر منها القسم الأكبر من اللاجئين الأوكرانيين الفارين من المعارك.

كما جاء عشية بدء "تمرين الاستجابة الباردة" في النرويج، الذي يعد أكبر مناورة لحلف الناتو منذ الحرب الباردة، ويُشارك فيه أكثر من 30 ألف جندي من 27 دولة سيتدرّبون في درجات حرارة دون الصفر.

واعتبر مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن "الهجوم الروسي قرب حدود بولندا "ليس مفاجئا ويظهر خيبة أمل بوتين وإحباطه بشأن عدم تحقيقه تقدماً في المدن الكبرى، ويحاول زيادة عدد الأهداف وتوسيعها، وإلحاق الأذى بكل أجزاء أوكرانيا"، مشيراً من ناحية أخرى إلى "أننا سنتشاور مع الحلفاء والشركاء لنعرف أكثر عن مقتل صحافي أميركي قرب كييف".

وتوعّد مستشار الأمن القومي الأميركي روسيا بأنه "إذا أطلقت روسيا رصاصة على أرض تابعة لـ "الناتو"، فسيفعّل ذلك المادة الخامسة، وسيدفع الحلف بقوته الكاملة للرد على ذلك"، مشدّداً على أن "أي هجوم على أراضي الحلف الأطلسي سيطلق شرارة رد شامل من التحالف الغربي".وأضاف: "نقلنا للصين رسالة تفيد أننا لن نسمح لأي بلد بتعويض خسائر روسيا من العقوبات، وسنواصل مع الحلفاء تصعيد الضغوط على بوتين".

كييف مستعدة ومقتل أميركي

وغداة إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي أن القوات الروسية لن تستطيع دخول العاصمة كييف إلا بتسويتها بالأرض، ذكر رئيس بلدية العاصمة، فيتالي كليتشكو انه "تم تحصين كل شارع وكل منزل. أصبح الجميع يرتدي الزي العسكري وفي أيديهم رشاشات".

وقال مستشار الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولياك، إن كييف، التي باتت محاصرة بشكل متزايد، مستعدة للقتال وستصمد حتى النهاية، كاشفاً عن تجهيز مؤن تكفي أسبوعين في حال تعرّض المدينة للحصار، ومشيراً إلى أنه تم تجهيز نقاط التفتيش وخطوط الإمداد.

وأفاد الجيش الأوكراني بأن القتال حول كييف يشتد، حيث تندلع معارك عنيفة في شوارع مدينتي إربين وماكاريف، مشيراً إلى أن القوات الروسية الموجودة في ضواحي العاصمة تحاول تحييد المناطق المحيطة بها من أجل "محاصرة" العاصمة.

وفي تطور هو الأول من نوعه، قتل الصحافي الأميركي برنت رينود الذي يعمل مع صحيفة نيويورك تايمز، وأصيب أحد زملائه برصاص روسي حسبما أعلن قائد شرطة العاصمة.

من ناحيتها، ذكرت "نيويورك تايمز" في بيان أن الصحافي القتيل لم يكن يعمل لحسابها، وتعبر عن حزنها لمقتله.

ماريوبول والجوع

ومع استمرار قصف الجنوب، أفادت مصادر أوكرانية بأن وحدات روسية تواصل محاولاتها اقتحام مدينة ماريوبول الساحلية المحاصرة على بحر آزوف، بينما تأمل المدينة في وصول قافلة مساعدات إنسانية.

وأفاد مصدر عسكري فرنسي بأن "ماريوبول لا تزال محاصرة. ما لا يمكنهم الحصول عليه بالحرب، يريد الروس الحصول عليه من خلال الجوع واليأس. ولأنهم لا يستطيعون قهر الجيش الأوكراني، فإنهم يستهدفون السكان".

في هذه الأثناء، لا تزال مدينة أوديسا في الجنوب تستعد لهجوم القوات الروسية التي تركز هجومها حاليا على بعد نحو 100 كيلومتر إلى الشرق في مدينة ميكولايف.

وذكرت وزارة الدفاع البريطانية، في تقريرها اليومي، أن القوات الروسية تحاول تطويق القوات الأوكرانية في شرق البلاد خلال تقدّمها من خاركيف وماريوبول، مضيفة: "كما تحاول القوات الروسية التي تتقدم من القرم، الالتفاف على ميكولايف والتحرك غربا نحو أوديسا"، مشيرة إلى أن "القوات الأوكرانية تواصل مقاومتها بشدة، وتكبّد روسيا ثمنا باهظا في كل محاولة تقدّم".

في المقابل، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، أمس، أن "وحدات جمهورية لوغانسك الشعبية (الموالية لروسيا) حاصرت الأجزاء الشرقية والجنوبية من مدينة سيفردونيتسك.

وذكرت مصادر روسية أيضا أن القوات الروسية تواصل مهاجمة مدينة بوباسنا قرب لوغانسك، وأن انفصاليين احتلوا الأجزاء الشمالية من المدينة.

زيلينسكي يُهدّد المتعاونين

إلى ذلك، هدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المتعاونين والداعمين المحتملين لروسيا في أوكرانيا.

وأضاف في رسالة مصوّرة، أن هؤلاء الذين أغوتهم عروض من المحتلين الروس يوقعون على حكمهم. وقال: "روسيا تحاول هناك تكرار التجربة المحزنة لتشكيل الجمهوريات الزائفة. إنهم يبتزون الزعماء المحليين، ويمارسون الضغط على النواب، ويبحثون عن شخص ما لتقديم رشوة له".

من ناحيته، أعلن ميخايلو بودولياك، مستشار زيلينسكي، أمس، أن أي مبادرات في مدن جنوب أوكرانيا، مثل خيرسون وكاخوفكا وهينشسك تهدف لإجراء استفتاءات وتوزيع لجوازات السفر "لا جدوى منها على الإطلاق"، متوعداً بمحاكمة المتعاونين معها.

جاء ذلك بعد أن اتهم مسؤولون أوكرانيون روسيا، بالسعي لإجراء استفتاء لإنشاء جمهورية مستقلة بمدينة خيرسون القريبة من شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها في 3 الجاري.

وزراء سابقون ومشرّعون تطوعوا في «فيلق زيلينكسي»
يبدو أن كثيرين، بينهم وزراء سابقون ومشرعون، استجابوا لنداء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للانضمام إلى فيلق أجنبي أوكراني يتم إنشاؤه للمساعدة في صد الهجوم الروسي على أوكرانيا، والذين تصف روسيا من ينضمون إليه بأنهم "مرتزقة".

ونقلت صحيفة "تايمز" البريطانية عن أنطون بوندارينكو (22 عاماً) الذي يشكل هو ونحو 100 من زملائه في العاصمة الأوكرانية كييف، مركز اتصال افتراضياً للرد على استفسارات الراغبين في الانضمام إلى الفيلق المعروف رسمياً باسم "الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي لأوكرانيا" قوله: "نحصل على أشخاص من جميع أنحاء العالم، ربما يكون العدد الأكبر من أميركا، لكن من أستراليا وتركيا وفرنسا أيضاً، ومن كل مكان".

ونقلت "تايمز" عن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، قوله، إن عدد المتطوعين الأجانب بلغ حتى نهاية الأسبوع الماضي 20 ألف رجل من 52 دولة، في صدى للكتائب الدولية التي اجتذبت مقاتلين من جميع أنحاء العالم للقتال في الجانب الجمهوري في الحرب الأهلية الإسبانية.

ويُعتقد أن آلافاً آخرين تم تجنيدهم في الأيام التي تلت ذلك، واشتد عزمهم بسبب الوحشية المتزايدة للحرب التي شنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

أحد أبرز الوافدين هو "والي"، عالم الكمبيوتر من مونتريال الذي أُطلق عليه لقب "أخطر قناص في العالم" بعد خدمته مع الفوج 22 الملكي الكندي في أفغانستان وسورية والعراق، إذ يُذكر أنه قتل ما يصل إلى 40 شخصاً في أحد الأيام من ارتفاع قياسي يبلغ 3540 متراً.

وأحد المتطوعين البارزين الآخرين وزير الدفاع الجورجي السابق، إيراكلي أوكرواشفيلي، الذي ساعدت وحدته، بعد أيام قليلة من وصوله لأوكرانيا، في الاستيلاء على مركبة قتال مشاة روسية قوية من طراز "بي إم بي 2"، وكذلك يوريس يوراش، عضو برلمان لاتفيا ورجل الشرطة السابق.

ومع ذلك، هناك مخاوف من أن الصراع يهدد أيضاً بجذب الشباب الباحثين عن المغامرات المفتقرين للخبرات العسكرية وكل ما يعرفونه هي المعارك على شاشة الكمبيوتر في غرف نومهم.

وبالنسبة للتجنيد، توضح "تايمز"، أن الطريق إلى الحرب يبدأ في السفارات الأوكرانية بالخارج، حيث يُطلب من الذين اتصلوا بمركز الاتصال الذي يعمل به بوندارينكو وتم تسجيلهم أو اتصلوا عبر الإنترنت، أن يتصلوا بالسفارة.

جون (61 عاماً)، مهندس ملكي بريطاني سابق ولديه 18 عاماً خبرة في الجيش، بما في ذلك فترات بحرب الخليج الأولى وفي البلقان، دفعه قصف روسيا في اليوم السابق لمستشفى للولادة في ماريوبول لطلب الانضمام للفيلق الأجنبي، فهو يرى الدفاع عن أوكرانيا ضد روسيا قضية "تستحق القتال من أجلها".

وعن ردود الفعل الروسية على هذا التدفق للأجانب لدعم أوكرانيا، كتبت "تايمز" هناك إشارات على أن الكرملين يستغل وجود المتطوعين لتبرير إنشاء فيلق أجنبي منافس في روسيا. فقد أصدر بوتين الجمعة الماضي، أوامر بإشراك أكثر من 16 ألف "متطوع" من سورية موالين للرئيس بشار الأسد وأماكن أخرى في الشرق الأوسط للقتال في أوكرانيا إلى جانب القوات الروسية.

كذلك نشرت "تايمز" تقريراً آخر عن "جيش أوكراني لتكنولوجيا المعلومات" يضم 300 ألف متطوع أجنبي من جميع أنحاء العالم لمجابهة الدعاية الروسية.

عمدة جديدة في ميليتوبول

من ناحية أخرى، أكدت السلطات الأوكرانية أن القوات الروسية خطفت يفيني ماتفييف عمدة بلدة دنبرارودني الصغيرة بجنوب أوكرانيا وتقع على نهر دنيبرو، غداة اختطاف رئيس بلدية مدينة ميليتوبول إيفان فيدوروف الأسبوع الماضي.

وعيّنت القوات الروسية في ميليتوبول بمقاطعة زاباروجيا جنوب شرقي أوكرانيا، عمدة جديدة في المدينة الخاضعة لسيطرة القوات الروسية.

وانتقد ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، روسيا لقيامها باختطاف عمدتَي مدينتَي ميليتوبول ودانبرارودني.

تحذير من «الكيماوي»

وفي وقت أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أن أوكرانيا أبلغتها بأن روسيا تنوي السيطرة على نحو كامل ودائم على محطة زابوريجيا للطاقة النووية، أكبر محطة في أوروبا، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، أن روسيا قد تستخدم أسلحة كيماوية في أوكرانيا، وإن خطوة كهذه ستكون جريمة حرب.

وفي السياق، قال الرئيس البولندي آندريه دودا في مقابلة مع تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، أمس، إن استخدام روسيا لسلاح كيماوي في أوكرانيا سيغيّر من قواعد اللعبة برمته، وسيتعيّن على "الناتو" وزعمائه بقيادة الولايات المتحدة التفكير بجدية في كيفية الرد، لأن هذه ستكون بداية الخطر.

حزمة مساعدات أميركية

وفي واشنطن، أقر الرئيس الأميركي جو بايدن دفعة جديدة من التمويل العسكري لأوكرانيا، تبلغ قيمتها 200 مليون دولار. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن مساعدة بلاده الدفاعية لأوكرانيا ستشمل وسائل "لمواجهة التهديدات المدرّعة والمحمولة جوا وغيرها من التهديدات".

من ناحيته، أكد مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أن المساعدات الجديدة ستوفر مساعدات عسكرية فورية تشمل منظومات مضادة للمدرعات والطائرات وأسلحة صغيرة.

وساطات بالجملة

ومع دخول حرب روسيا على أوكرانيا يومها الـ18، تلاحقت التطورات الدبلوماسية، مع إعلان مستشار الرئيس والمفاوض الأوكراني ميخائيلو بودولياك، أمس، أن أوكرانيا تعمل مع إسرائيل وتركيا كوسيطين لوضع اللمسات الأخيرة على مكان وإطار عمل لمفاوضات سلام مع روسيا، مؤكدا استمرار المفاوضات بين الوفدين الأوكراني والروسي عبر الفيديو، وتشكيل مجموعات عمل فرعية خاصة.

وكان زيلينسكي أجرى محادثات مساء أمس الأول مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت استمرت أكثر من ساعة، وتناولت "سبل وقف القتال والجهود التي تبذلها إسرائيل في هذا الشأن"، واقترح مدينة القدس موقعا محتملا للتفاوض مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في محاولة لإنهاء الحرب. وذكرت وسائل إعلام اسرائيلية أن بوتين يدرس بجدية إمكانية اللقاء مع زيلينسكي في القدس.

وفي السياق نفسه، أكد المتحدث باسم "الكرملين"، دميتري بيسكوف، أمس، أن احتمال عقد لقاء مباشر بين الرئيسين الروسي والأوكراني "وارد جداً، إلا أنه من الضروري قبل ذلك أن يكون واضحا ومحددا ما الذي سيتم مناقشته بين الزعيمين، وما هي النتائج التي يمكن التوصل إليها".

في المقابل، قال ليونيد سلوتسكي، عضو الوفد الروسي المفاوض مع أوكرانيا، أمس، إن الوفدين أحرزا "تقدماً مهماً وكبيراً" ومن الممكن أن يتوصلا قريباً إلى مشروعات اتفاقات، لكنه لم يحدد ما ستتناوله المشروعات تلك.

وتابع: "حسب توقعاتي، قد يتطوّر هذا التقدم في الأيام المقبلة إلى موقف مشترك لكل من الوفدين، وإلى وثائق جاهزة للتوقيع".

ونقلت وكالة الأنباء الروسية (تاس) عن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قوله "نسعى جاهدين لتنظيم قمّة بين الرئيسين. بالمبدأ، لا يعارض بوتين هذه الفكرة، وهو ما أعرب عنه للرئيس التركي خلال مباحثاتهما الهاتفية، أما الجانب الأوكراني فهو موافق تماما".

الدوحة، بدورها، دخلت على خط الوساطات، إذ أجرى وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن اتصالا هاتفيا مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا، دعا خلاله "جميع الأطراف إلى ضبط النفس وحلّ الخلاف عبر الحوار البناء والطرق الدبلوماسية وتسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، وعدم اتخاذ ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التصعيد"، وذلك قبيل زيارة متوقعة له الى موسكو للقاء بوتين وبحث ملفّي أوكرانيا وإيران.