دفعت الحرب في أوكرانيا الولايات المتحدة إلى أكبر عملية إعادة تفكير في سياستها الخارجية منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، مما أدى إلى بث روح جديدة في سياستها، وتغيير حساباتها الاستراتيجية مع الحلفاء والخصوم على حد سواء، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

لقد ربط الغزو الروسي أميركا بأوروبا بشكل أقوى من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة، وعمّق العلاقات الأميركية مع الحلفاء الآسيويين، كما دفعها لإعادة تقييم علاقاتها مع بعض المنافسين مثل الصين وإيران وفنزويلا، وأعاد تنشيط دور واشنطن القيادي في العالم الديموقراطي بعد أشهر فقط من انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.

Ad

وقال بنيامين جيه رودس، النائب السابق لمستشار الأمن القومي في البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق باراك أوباما: «يبدو الأمر وكأننا بالتأكيد في حقبة جديدة. فترة ما بعد 11 سبتمبر، والحرب على الإرهاب أصبحت الآن وراءنا. ولسنا متأكدين مما هو التالي».

وأكدت «نيويورك تايمز» أن العدوان الروسي سيعمل على تنشيط كفاح بايدن العالمي من أجل الديموقراطية ضد الأنظمة الاستبدادية مثل موسكو. وأشارت إلى أن الحرب تطفي إلحاحا على أجندة بايدن بشأن تغير المناخ، مما يعزز الحاجة إلى مزيد من الاعتماد على الطاقة النظيفة المتجددة بدلا من الوقود الأحفوري الذي يملأ الخزائن الروسية.

كانت السياسة الخارجية لواشنطن تمر بالفعل بتحول كبير، مع انتهاء الحرب الأميركية في أفغانستان والعراق. فقد سعى بايدن إلى إعادة بناء التحالفات الأميركية، لكنه فعل ذلك إلى حد كبير باسم مواجهة الصين، وفقا للتقرير الذي اشار الى أن الغزو الروسي وسع مهمة بايدن بشكل كبير وعاجل، مما مهد الطريق لتحول جيوسياسي من شأنه أن يضع الولايات المتحدة وحلفاءها في مواجهة الصين وروسيا إذا شكلوا كتلة مناهضة للغرب.

كما خلق حافزا جديدا قويا للولايات المتحدة لإيجاد طرق لإبعاد الرئيس الصيني شي جينبينغ، عن بوتين، الذي من المحتمل أن يلجأ إلى بكين بعد العقوبات الغربية عليه. لكن بعض مسؤولي إدارة بايدن يرون أن الصين «قضية خاسرة» ويفضلون معاملة بكين وموسكو كشريكين، على أمل أن يحفز ذلك السياسات بين الحلفاء الآسيويين والأوروبيين لاحتوائهما.

بينما يحذر بعض الخبراء من أن التركيز المتجدد على أوروبا سيؤدي حتماً إلى تحويل الانتباه عن آسيا، ويقول العديد من كبار مسؤولي البيت الأبيض إن الولايات المتحدة يمكنها الاستفادة من الطريقة التي أقنعت بها الحرب بعض الحكومات الآسيوية بأنها بحاجة إلى العمل عن كثب مع الغرب من أجل البناء.

وقال كيرت كامبل، كبير مسؤولي البيت الأبيض بشأن السياسة الآسيوية، في حديث استضافه صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة: «ما نراه الآن هو مستوى غير مسبوق من الاهتمام والتركيز الآسيوي». وأضاف: «وأعتقد أن إحدى نتائج هذه الحرب ستكون التفكير في كيفية تقوية الروابط المؤسسية بين أوروبا ودول المحيط الهادئ».

أما بالنسبة لإيران، فقد وافقت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون الجمعة، على وقف محادثات الاتفاق النووي، بسبب رفض الدول الغربية طلبا من موسكو بضمانات بإعفاء تعاملاتها المستقبلية مع إيران من العقوبات المفروضة على روسيا في الأسابيع الأخيرة.

وقالت داليا داسا كاي، الخبيرة في شؤون إيران في مؤسسة راند: «لقد كان واضحا منذ نهاية الأسبوع الماضي أنه لا يمكن عزل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي عن الحرب الأوكرانية».

وأكدت الصحيفة أن الحرب على أوكرانيا دفعت الولايات المتحدة إلى أن تنظر إلى فنزويلا من زاوية جديدة. فقد سافر كبار مسؤولي إدارة بايدن إلى كاراكاس بعد أسبوعين من الغزو الروسي، لأول مرة منذ سنوات.

وتخضع فنزويلا، الحليفة لروسيا، لعقوبات أميركية شديدة منذ سنوات لإضعاف الحكومة القمعية للرئيس نيكولاس مادورو. وفي عام 2019، فرضت إدارة ترامب عقوبات إضافية على شركة النفط الحكومية والبنك المركزي وكبار المسؤولين للضغط على مادورو للتنحي.

الآن، مع تطلع بايدن إلى زيادة إمدادات النفط العالمية لخفض الأسعار، يتحدث المسؤولون الأميركيون إلى حكومة مادورو للتوصل لاتفاق بشأن هذه القضية، بحسب نيويورك تايمز.

وأثار هذا التوجه بعض الانتقادات الحادة في الكونغرس، وقال السناتور بوب مينينديز، الديموقراطي عن ولاية نيوجيرسي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إن «الجهود المبذولة لتوحيد العالم بأسره ضد طاغية قاتل في موسكو لا ينبغي تقويضها. من خلال دعم ديكتاتور قيد التحقيق بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في كاراكاس».

كما دفعت الحرب إدارة بايدن إلى مراجعة العلاقات الأميركية مع كل من السعودية والإمارات بعد أزمة النفط، وفقا للصحيفة.

وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يعمل العديد من الشركاء والحلفاء المهمين للولايات المتحدة مع واشنطن بشأن العقوبات وضوابط التصدير على التكنولوجيا ضد روسيا.

وتشمل هذه اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وأستراليا. ووافقت بعض الدول الآسيوية على مقايضات طويلة الأجل للغاز مع أوروبا للمساعدة في تخفيف احتمال توقف روسيا عن صادرات الطاقة. والتزمت أستراليا بإنفاق 50 مليون دولار لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، بما في ذلك الصواريخ والذخيرة.

ومع ذلك، امتنعت الهند، الشريك الأميركي في التحالف الرباعي للديموقراطيات في آسيا، عن إدانة الغزو الروسي بسبب العلاقات الأمنية القائمة منذ عقود مع موسكو.