نريد إصلاحاً نراه لا إصلاحاً نسمع عنه
نقدنا للحكومة والمجلس لا يعني أن نغفل عن الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين والمقيمين، لكنه يأتي من باب الحرص على تعزيز مفهوم استمرارية العيش الكريم، وتحسين مؤشرات جودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والإسكانية والخدماتية، من خلال تنفيذ المشاريع والبرامج الإصلاحية ومواجهة الفساد وكشف مواقع الخلل المستشري في الدولة.الأسطوانة المشروخة التي شبعنا من تكرارها بأن المجلس هو السبب في تأخر الحكومة عن أداء عن برامجها ومشاريعها الإصلاحية، وأن كثرة الاستجوابات استنزفت جهودها، وأنها وراء رفض الكثيرين من رجالات الدولة المخلصين للمشاركة في الحكومة، فإن هذا الكلام مأخوذ خيره، كما أنه دليل آخر على التخبط وأن العقلية الإدارية ذاتها لم تتغير، بل إنها تراجعت عما كانت عليه حتى صار الإقصاء للكوادر الوطنية المخلصة نهجا، لذلك دائما يأتي التشكيل الحكومي دون مستوى الطموحات.ومن أهم المشاكل التي تواجهها الحكومات الأخيرة فقدانها التضامن الحكومي، وهروب بعض الوزراء أو التضحية بهم عند المواجهة، وبهذا فقد مفهوم التضامن الحكومي ليبقى مفهوم "أنا ومن بعدي الطوفان"، وما زالت قراءة التاريخ الماضي والحاضر تستهويني بهدف التعرف على صناع النهضة وما ملكوه من فكر وعزيمة رغم الظروف الصعبة التي مروا بها، ورغم المبالغات أحيانا أخرى، لكنني في الوقت الذي أغبطهم على تلك الإنجازات إلا أنني في المقابل أمقت من يتغنى ويعيش على أمجاد الماضي، وكذلك أولئك أصحاب مقولة: "الله لا يغير علينا"، رغم أن التغيير من السنن الكونية.
بالرغم من أن الأمثال تضرب ولا تقاس، وبالرغم من اعتزازي وفخري بوالدي، رحمة الله عليه، فإنني من مدرسة: "ليس الفتى من قال كان أبي... ولكن الفتى من قال هآنذا"، لذلك أي حديث عن أمجاد حقبة الستينيات والسبعينيات والسنوات الأولى من الثمانينيات وعروس الخليج ودرة العرب لا قيمة له ما لم يكن الحاضر أفضل من الماضي والمستقبل أفضل من الحاضر. اليوم نريد قرارات استثنائية لونها واضح تكون فيها التنمية قطب الرحى، يواكبها إصلاح حقيقي يحاكي مقومات التنمية بمفهوم الاستدامة، ورجال على قدر من المسؤولية يقودون ولا يقادون، يفخرون بسيرتهم المهنية والأكاديمية وسلامة ذمتهم المالية، ومحاسبة تطول المتقاعس قبل الفاسد.الإصلاح لم يكن يوماً في الشعارات والخطب الرنانة، ولا في مشاريع نسمع عنها ولا نراها كمدينة الحرير، وإن رأيناها فإن تكون حالها من حال جسر جابر وميناء مبارك أو استاد جابر، فالإصلاح إرادة حقيقية تبدأ بالتخلص من الماضي المثقل بالتركات سواء كات فاسدة أم بالية، ومواجهة على المكشوف دون تردد لا مكان فيه للضعفاء، والإصلاح كالحق يشاهد ولا يسمع كما وصفه الأمام علي، رضي الله عنه: "أما إنه بين الحق والباطل إلا أربع أصابع، الباطل أن تقول سمعت والحق أن تقول رأيت"، والنتيجة نريد إصلاحاً نستطيع مشاهدته لا إصلاحاً نسمع عنه.ودمتم سالمين.