في حكم قضائي بارز من محكمة التمييز يفتح باب التعديلات على قانون الانتخاب نظرا لما انتهى اليه من عدم دخول احكام مواد التجريم الانتخابي حيز التنفيذ الا بعد صدور مرسوم الدعوة للانتخابات وهو ما سيتسبب ازاء عدم التعديل في اعتبار افعال شراء الاصوات الانتخابية والانتخابات الفرعية مباحة طالما وقعت قبل صدور مرسوم او قرار الدعوة للانتخابات.وأكدت محكمة التمييز الجزائية برئاسة المستشار صالح المريشد، أن قانون الانتخابات من القوانين الخاصة بشأن إجراء انتخابات أعضاء مجلس الأمة، ويشمل الجرائم الانتخابية التي تشوب العملية الانتخابية من بدايتها حتى نهايتها، والعقوبات المقررة لها، ولا تسري أحكام هذا القانون إلا على الأمور التي ينظمها وتتعلق بانتخابات المجلس والجرائم التي تقع خلالها، فمتى ما وقعت جريمة انتخابية خلال تلك الفترة يطبق عليها أحكام ذلك القانون، ولو انتهت الانتخابات، أما الأفعال السابقة لإجراء الانتخابات، حتى لو كانت إعدادا لها، فهي تُعد من الأعمال التحضيرية، ولا تقع بها الجريمة إلا إذا امتدت خلال الفترة الانتخابية واكتملت بها أركان الجريمة.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها البارز بتبرئة مرشح في الدائرة الرابعة وعدد من العاملات في حملته الانتخابية من تهمة شراء أصوات الناخبين، إن الأفعال المنسوبة إلى المتهمين يتطلب لقيامها توافر عدة أركان، أولها ركن مفترض، وهو أن تكون قد تمت الدعوة إليها، فلا تقع أي جريمة يمكن أن تنطبق عليها أحكام هذا القانون، لافتة إلى أن الأفعال التي أتاها المتهمون سابقة لإجراء الانتخابات، فضلاً عن أن المتهم الأول لم يتقدم للترشح لعضوية مجلس الأمة بتلك الانتخابات، إذ عدل عن ذلك عدولاً اختيارياً، ومن ثم فإن ما أتاه المتهمون من أفعال لا تعدو أن تكون من قبيل الأعمال التحضيرية.
قوانين خاصة
وأشارت «التمييز» في حيثيات حكمها بعد إلغائها حكم حبس المتهم المرشح في الدائرة الرابعة خمس سنوات والامتناع عن عقاب باقي المتهمين في القضية بتهم شراء الأصوات الانتخابية إلى أن المادة 44 من القانون رقم 35 لسنة 1962 المعدل بالقانون رقم 70 لسنة 2003 بشأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة نصَّت على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وغرامة لا تقل عن ألفي دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أو إحدى هاتين العقوبتين كل من - أولاً....... ثانياً- كل من تحايل علانية بأي وسيلة من وسائل الإعلام أو النشر أو خفية برسائل أو اتصالات هاتفية أو عن طريق وسطاء لشراء أصوات الناخبين إغراء بالمال أو أعطى أو عرض أو تعهد بأن يعطي ناخباً شيئاً من ذلك يحمله على التصويت على وجه معين أو على الامتناع عن التصويت. ثالثا- كل من قبل أو طلب فائدة من هذا القبيل لنفسه أو لغيره....».وأوضحت المحكمة أن البين أن النيابة العامـة طلبـت تطبيـق أحكـام القانون رقم 35 لسـنة 1962 المعدل بالقانون 70 لسنة 2003 بشـأن انتخابـات أعضـاء مجلس الأمـة علـى واقعـات الـدعوى، وكـان البين أن ذلك القانون من القوانين الخاصـة صـدر بشـأن إجـراء انتخابات أعضاء مجلس الأمـة، ونظـم كـل الأمـور المتعلقة بتلك الانتخابات، بدايـة مـن لـه حـق الانتخـاب، وكيفيـة إعـداد الجداول الانتخابية، والقيـد فيـهـا، وكيفيـة إجراء الانتخابات، بدايـة مـن الدعوة إليهـا، وشـروط الترشـح لعضوية مجلس الأمـة، والفصـل فـي الاستيفاء لتلـك الشروط، والطعـن فـي صحة العضوية وعملية التصويت، والإشراف علـى اللـجـان، وعمليـة فـرز الأصوات، وإعلان النتيجـة، والجرائم الانتخابيـة التـي تشـوب تلك العمليـة مـن بـدايتها حتـى نهايتها، والعقوبات المقررة لها.جريمة انتخابية
ولفتت إلى أن أحكـام ذلـك القانون لا تسري إلا على الأمور التي ينظمها، والتي تتعلـق بانتخابات مجلس الأمـة والـجـرائم التي تقـع خـلال إجـرائها، أي خلال الفترة التـي تـتم الدعوة فيهـا لإجراء انتخابات مجلس الأمـة حتى الانتهـاء مـنها وإعلان النتيجـة، فمتى وقعت جريمـة انتخابيـة خـلال تلك الفتـرة يطبق عليهـا أحكـام ذلك القانون، ولـو انتهت الانتخابات، أمـا الأفعال السابقة على إجراء تلك الانتخابات، حتـى لـو كـانـت إعـداداً لـهـا، فـهـي تُـعـد مـن الأعمال التحضيرية، فـلا تقـع بـهـا الجريمة إلا إذا امتدت خلال الفترة الانتخابية واكتملت بها أركان الجريمة.وقالت المحكمة إن المادة 45 من قانون الجـزاء تنص على أن «الشروع فـي جريمـة هـو ارتكاب فعـل بقصد تنفيذها إذا لم يستطع الفاعل لأسباب لا دخل لإرادتـه فيهـا اتمام الجريمة، ولا يُعـد شـروعاً في الجريمـة مجـرد التفكير فيهـا أو التصميم على ارتكابها، ويُعد المتهم شـارعا سواء استنفذ نشاطه ولم يستطع رغم ذلك إتمام الجريمة أو أوقف رغـم إرادتـه دون القيام بكـل الأفعال التـي بوسـعه ارتكابهـا.....».أسباب سائغة
وأوضحت أنه جـاء في المذكرة التفسيرية لهـذا القانون، أن الركن المادي للجريمـة يقـوم بقيـام الأعمـال المادية المكونة للجريمة، ومعـروف أن الجريمة تسبقها مرحلة التصميم، ومرحلـة الأعمال التحضيرية، وهاتـان المرحلتان لا عقاب عليهمـا، فـإذا وصـل الجـاني للمرحلة الثالثـة، وهـي مرحلـة الشروع في ارتكاب الجريمـة أو جـاوز ذلك للمرحلة الرابعة وهي مرحلة الفعل التام، فقد وجبت العقوبة، وكـان مـؤدى ذلك أنـه لا عقـاب علـى مجـرد التفكيـر فـي ارتكاب جريمـة أو التصميم علـى ذلـك أو إعـداد الأعمال التحضيرية لارتكابهـا، كمـا أنـه مـن المقرر أن تقـديـر مـا أتـاه الـجـانـي مـن أفعـال تدخل في أي مرحلـة مـن مراحـل ارتكاب الجريمة- السالف بيانها- هـي مـن سُلطة قاضي الموضوع متى أقام قضاءه على أسباب سائغة لها أصل ثابت في الأوراق.شراء الأصوات
وذكرت المحكمة أن الجريمة المسندة إلى المتهمين والمؤثمة بالمادة 44 /ثانياً- ثالثـاً مـن القانون رقم 35 لسنة 1962 المعدل بالقانون رقم 70 لسنة 2003 بشـأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة- المـار بيانـهـا- يتطلب قيامهـا تـوافر عدة أركـان، أولهـا ركـن مفترض، وهـو أن تكون قد تمت الدعوة إلى إجراء انتخابات أعضاء مجلس الأمـة، فـإذا لـم تكن هناك انتخابات قـد تمت الدعوة إليهـا، فـلا تقع أي جريمـة يمكن أن تنطبق عليهـا أحكـام ذلـك القانون، وثانيهـا أن يقـوم الـجـانـي بالتحايـل بأي وسيلة من الوسائل المبينة بذلك النص، ومنهـا التحايـل عـن طريـق وسـائل الإعلام أو النشر أو خفيـة برسائل أو اتصالات هاتفية أو عن طريق وسطاء لشراء أصوات الناخبين إغراء بالمال أو عرض أو أعطى أو تعهـد بـأن يعطـي ناخبـاً شـيئاً مـن ذلـك لحملـه علـى التصويت علـى وجـه معين أو الامتناع عن التصويت، كمـا تقـع الجريمـة مـن كـل مـن قبـل أو طلـب فائدة من هذا القبيل لنفسه أو لغيـره، وكـذلك بأي فعـل مـن الأفعـال الأخـرى الـواردة بنص المـادة سـالفة البيـان، وثالثهـا القصد الجنائي، وهـو اتجاه إرادة الجـاني إلـى ارتكاب الفعل المادي لتلـك الجريمة مـع علمه بذلك- وهـو مـا يُستفاد منـه لـوقـوع تلك الجريمة أو الشروع فيهـا أن تكون هناك انتخابات مجلس الأمـة تـمت الـدعوة إليها، وأن يكـون مـا أقـدم عليـه الجاني مـن أفعـال مـاديـة قاصـداً التحايل أو التأثير على إرادة الناخـب علـى نـحـو مـعـيـن كـأن يطلـب منه إعطاء صوته لمرشح ما أو الامتناع عن التصويت.أعمال تحضيرية
وقالت «التمييز» إنه لمـا كـان مـا تقـدم، ومـا استقر فـي يقـين المحكمـة مـن جمـاع وقائعهـا والأدلـة التـي ساقتها النيابة العامـة فيهـا، وأخـذا بسلطتها التقديريـة فـي تقـدير تلك الوقائع، أن مـا أتـاه المتهم الأول وتحايلـه عـن طريـق وساطة المتهمـات مـن الثانيـة حتى الرابعة، وبمساعدة المتهمة السابعة، بإعـداد مسكنها لشـراء أصـوات الناخبـات وإغرائهن بـالأموال للتصـويت لمصلحته في انتخابات مجلـس الأمـة وقبـول المتهمـة الخامسة للمبلـغ الـذي تسلمته لقـاء إعطـاء صـوتها للمتهم الأول، وشـروع المتهـة السادسـة فـي ذلـك - مقتضى ذلـك كُـلـه أن تكـون قـد تـمـت الدعوة لإجراء انتخابات أعضاء مجلس الأمة أولا، وأن يكون المتهم الأول تقدم بأوراقـه للترشـح فـي تلك الانتخابات، حتى تكتمـل أركان الجريمـة المسندة إليهم، أو أن يكـون هنـاك شـروع فـي ارتكابهـا - أمـا وأن تلك الأفعـال قـد ارتكبـت بـتـاريـخ 2020/9/7 فيما الدعوة لانتخابات مجلس الأمة لم تتم إلا بالمرسوم الصادر بتاريخ 2020/10/25، أي أن الأفعال التـي أتاها المتهمـون سـابقة على إجراء تلك الانتخابات، فضلاً عن أن المتهم الأول لم يتقدم للترشح لعضوية مجلس الأمـة بتلك الانتخابات - إذ عدل عن ذلـك عـدولاً اختيارياً- ومن ثم، فإن مـا أتـاه المتهمـون مـن أفعال لا تعدو أن تكون مـن قبيـل الأعمال التحضيرية السابقة لارتكاب الجريمـة أو الشروع فيهـا، كمـا أنها لا تعدو أن تكـون مـجـرد تفكيـر فـي جريمـة وتخطيط لـهـا لـم تكتمـل، ممـا تنتفـي مـعـه أركـان الجرائم المنسوبة للمتهمين، مما يتعين معه القضاء ببراءتهم مما أسند إليهم، عملاً بالمـادة 172 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، وإذ كان الحكم المستأنف قـد خـالف هذا النظر، فيتعين إلغاؤه، عملاً بالمادة 209 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.التحايل على إرادة الناخبين
قالت «التمييز» إن جريمة التحايـل بأي وسيلة أو عـن طريـق وسطاء لشراء أصـوات الناخبين وحملـهـم على التصويت علـى نـحـو معين تتحقق بكـل فعـل مـادي مـن شـأنه تحايـل الـجـانـي علـى التأثير على إرادة الناخبين في انتخابات جاريـة، وتـم تحديد ميعاد لإجرائهـا، إما بوسائل النشر والإعلام، أو عـن طـريـق إغرائهم بالأموال، أو التعهد بأشياء معينـة، بغية حملـهـم علـى التصويت لشخص ما.وأضافت: كان الحكم المطعون فيـه أرسل القول بارتكاب الطاعنين للجرائم المسندة إليهم لمجرد ضبط الطاعنات من الثانية حتى الرابعـة وهـن يقـمن بإعداد مظاريف بـهـا مبالغ ماليـة لتوزيعها على الناخبـات مقابـل أخـذ التعهـد علـيهن والقسـم ألا يصـوتن إلا لصالح الطـاعن الأول، ونفـاذا لـذلك أقسمت الطاعنة الخامسة على ذلـك بعـد تقاضيها مئتي دينـار، كـمـا شـرعت السادسة في الحصول على المبلغ والقسـم، إلا أن ذلـك لـم يـتـم، بسـبب ضبطها، واشتركت السابعة معهـن عـن طـريـق تجهيـز مـسـكنها ليكـون مقـرا لتلك العمليـة، دون أن يبـين الحكـم مـا إذا كانت هنـاك عملية انتخابيـة قـد تمـت الـدعوى لإجرائهـا مـن عدمـه، ومـا إذا كان الطاعن الأول تقـدم للترشح لتلك الانتخابات من عدمه، الأمر الذي يبـين مـعـه أن المحكمـة أصدرت حكمها دون إحاطـة وإلمـام تـام بوقـائـع الـدعوى وأدلتهـا، وأن أسبابه شابها الغموض والإيـهـام، مـمـا يعجـز محكمة التمييـز عـن إعمال رقابتهـا علـى تطبيق القانون علـى نـحـو صـحيح علـى واقعـات الـدعـوى، مـا يـعيـب الـحـكـم، ويوجـب تمييزه للطاعنين دون حاجـة لبحـث بـاقي أوجـه الطعن المقدمة منهم أو من النيابة العامة.