تنص المادة 1 من القانون رقم 17/ 1973 في شأن الرسوم القضائية على أنه «في تطبيق أحكام هذا القانون يكون المعوّل عليه في تقدير قيمة الدعوى ما يطلبه المدعي في صحيفتها، فإذا عدل طلباته أثناء سير الدعوى إلى أكثر، قدّرت قيمة الدعوى بالطلبات المعدلة».

وتقضي المادة 11 من القانون ذاته بأنه «تحصل الرسوم المستحقة جميعها عند تقديم صحيفة الدعوى أو الطلب أو الأمر، وذلك مع عدم الإخلال بما ينص عليه القانون من أحكام مختلفة».

Ad

وتقرر المادة 22 من القانون المذكور أعلاه أنه «لا يجوز مباشرة أي عمل قبل وفاء الرسم المستحق عنه مقدماً، وعلى المحكمة استبعاد الدعوى أو الطلب إذا لم يكن قد دفع الرسم المستحق وفقا لأحكام هذا القانون».

ويتضح من نصوص المواد عاليه أن المعوّل عليه في تقدير قيمة الدعوى هو ما يطلبه المدعي في صحيفتها، فإذا عدّل طلباته أثناء سير الدعوى إلى أكثر قدّرت بالطلبات المعدلة وأنه يتعين تحصيل الرسوم جميعها عند تقديم صحيفة الدعوى أو الطلب أو الأمر، ولا يجوز مباشرة أي عمل قبل الوفاء بالرسم المستحق عنه مقدّماً، وعلى المحكمة استبعاد الدعوى أو الطلب إذا لم يكن قد سدد الرسم المستحق عليه، فيدل ذلك على أن المشرع أراد أن يكون تقديم صحيفة الدعوى أو الطلب إلى المحكمة هو الواقعة المنشئة للحق في أداء الرسوم القضائية المستحقة للخزانة العامة عنهما، وأن يلتزم المدعي بالرسوم المستحقة على الدعوى التي يرفعها أو الطلب الذي يقدمه متى اتصلت الدعوى أو الطلب بالمحكمة على الوجه المرسوم قانوناً، على اعتبار أنه الملزم بتقديم نفقات الإجراءات التي يباشرها أو تتم بناء على طلبه، بصرف النظر عمّا ينتهي إليه قضاء المحكمة بين طرفي التداعي في مصاريف الدعوى أو الطلب، تبعاً لقضائها في موضوع الخصومة المطروحة عليها وفقا لأحكام المادة 119 من قانون المرافعات وما بعدها.

فالمدعي في دعوى الضمان الفرعية ملزم بسداد الرسوم القضائية دون أن يتوقف ذلك على قضاء المحكمة في مصاريف الدعوى، تبعاً للقضاء في موضوع الخصومة الأصلية، فلا يمسّ حق إدارة الرسوم القضائية في مطالبة المدعي بالرسوم المستحقة على الدعوى الفرعية التي أقامها، فدعوى الضمان الفرعية، وإن كانت مرتبطة بالدعوى الأصلية، إلا أنها تستقل عنها بكل عناصرها، فلا تعتبر دفعاً أو دفاعاً فيها، ومؤدى ذلك التزام المدعي فيها الوفاء بالرسوم القضائية، دون أن يتوقف ذلك على القضاء في مصاريف الدعوى الأصلية.

وإذ كان من المقرر استحقاق الرسوم القضائية عن دعوى الضمان الفرعية، فإن الأحكام القضائية قد تباينت حول تقدير قيمة الرسم بين الرسم الثابت والرسم النسبي.

فذهب بعضها إلى أن دعوى الضمان الفرعية مقدرة القيمة، وقد علق تقدير ذلك الرسم على مآل ما يحكم به في الدعوى الفرعية نتيجة للحكم في الدعوى الأصلية، فإذا كان طلب التعويض في الدعوى الأصلية مبلغ 40 ألف دينار، ورفعت الدعوى الفرعية وطلب المدعي فيها إلزام المدعى عليه بما عسى أن يحكم به عليه في الدعوى الأصلية، فقضي عليه في الدعوى الأصلية بمبلغ 420/32390 د.ك، فإن الرسم الذي يستحق على دعوى الضمان الفرعية يكون على أساس المبلغ الأخير المقضي به وليس المطالب به في الدعوى الأصلية، بحجة أنه ليس لطالب الضمان أن يطلب الحكم على الضامن بما يطلب به المدعى في الدعوى الأصلية الحكم به، وإنما يقتصر حقه في طلب الحكم على الضامن بما عساه أن يحكم عليه به في الدعوى الأصلية. (طعن التمييز رقم 348/ مدني جلسة 24/ 2/ 2010 مجلة القضاء والقانون السنة 38 الجزء الأول 2013 ص 366).

بينما جاء البعض الآخر من تلك الأحكام على خلاف سابقه، وانتهى إلى أن دعوى الضمان الفرعية غير مقدرة القيمة، وأن الرسم المستحق عنها ثابت، مسبباً ذلك على أن الدعوى الفرعية يطلب فيها المدعي الحكم بما عسى أن يحكم عليه في الدعوى الأصلية، وهذا الطلب يعتبر غير مقدّر القيمة، إذ لا يمكن تقدير هذا الطلب، فالمدعي فيها لا يطالب بالمبلغ المحدد في الدعوى الأصلية، بل بما عسى أن يحكم عليه به في الدعوى الأصلية، وهو أمر في حد ذاته مجهول غير قابل للتقدير، الأمر الذي يفرض معه على دعوى الضمان الفرعية رسماً ثابتاً، عملاً بالمادة 7 من قانون الرسوم القضائية. (طعن تمييز رقم 434/ 2009 مدني جلسة 15/ 3/ 2010 المرجع السابق، ص 394).

وإذ كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يجوز وفق المادة 22 من القانون رقم 17/ 1973 في شأن الرسوم القضائية مباشرة أي عمل قبل الوفاء بالرسم المستحق عنه مقدماً، وعلى المحكمة استبعاد الدعوى أو الطلب إذا لم يكن قد سدد الرسم المستحق وفقاً لأحكام هذا القانون.

وكان الأصل في الدعاوى أنها معلومة القيمة، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا الدعاوى التي ترفع بطلب غير قابل للتقدير، فتعتبر عندئذ مجهولة القيمة، وفق المادة 5 من قانون الرسوم القضائية والمادة 44 من قانون المرافعات، فإذا كان المطلوب في الدعوى لا يمكن تقدير قيمته وفقاً لأي قاعدة من قواعد تقدير الدعاوى الواردة في القانونين سالفَي الذكر اعتبرت الدعوى غير مقدرة القيمة، وخضعت لرسم ثابت، ومن ثم لا يستحق عليها رسوم تكميلية.

فإنّ أياً من حكمي التمييز سالفي البيان لا يتحقق به من وجهة نظرنا تقدير الرسم المستحق على دعوى الضمان الفرعية، فالحكم الأول وإن اعتبر دعوى الضمان الفرعية مقدرة القيمة، إلا أن ذلك معلّق على ما يقضى به في الدعوى الأصلية على طالب الضمان، وهذا لا يتفق وقانون الرسوم القضائية الذي يتطلب أداء الرسوم مقدماً عند البدء بالمطالبة الواردة بصحيفة الدعوى أو الطلب، وبغضّ النظر عن نتائج الحكم في الدعوى، بينما الحكم الثاني الذي اعتبر دعوى الضمان الفرعية غير مقدرة القيمة تأسيساً على أن طالب الضمان في الدعوى الفرعية لا يطالب بما يطالب به المدعي في الدعوى الأصلية، وإنما يطالب بما عسى أن يحكم عليها فيها.

فهذا القول مردود عليه، ذلك أن طلب المدعي في دعوى الضمان الفرعية محدد المقدار وهو بما لا يتجاوز ما يطالب به المدعي في الدعوى الأصلية، ولا ينال من ذلك مقولة أن يطلب بما عساه أن يحكم عليه في الدعوى الأصلية، فالمدّعى عليه في الدعوى الأصلية قد يحكم عليه بذات الطلب الوارد في صحيفة الدعوى الأصلية، وهذا لا يخرج عما عسى أن يحكم عليه بها، أو يقل عن ذلك، فهو ملزم بسداد رسم الدعوى الفرعية، ولن يتوقف ذلك على ما سيحكم به عليه فيها، فقيمة الدعوى تقدّر بالنظر إلى قيمة المطالبة القضائية التي ينظرها القاضي، ولا عبرة بما يحكم به في تقديرها.

فدعوى الضمان الفرعية تعد محددة القيمة والمقدار، إذ إن المدعي يطلب فيها بما عسى أن يحكم به عليها في الدعوى الأصلية، وهي معينة المقدار، وبالتالي أصبحت دعواه الفرعية مقدرة القيمة، إذ المعول عليه في تقدير قيمة الدعوى هو بما يطلبه المدعي بصحيفة دعواه، وهو بما لا يتجاوز قيمة الدعوى الأصلية.

وإزاء ما تقدم من اختلاف الأحكام القضائية في الرسم المستحق على دعوى الضمان الفرعية، نقترح على المشرّع - حرصاً على المال العام ودرءاً لتباين الأحكام القضائية في الموضوع الواحد - وضع نص يقدّر فيه قيمة الدعوى الفرعية بقيمة الدعوى الأصلية، لأن هذا هو الطلب الجازم والمتيقن الذي لا يمكن تجاوزه فيما قد يحكم به، فهو السقف الذي يستحق على أساسه أداء الرسوم عند تقديم دعوى الضمان الفرعية لإدارة كتاب المحكمة.