ازدياد معدلات الجريمة في البلاد لا يحتاج إلى ردود فعل من السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة الداخلية وحدها، بل إلى تحرك أشمل من السلطات الثلاث، التي تملك الرؤية الإصلاحية والواقعية للتعامل مع هذه القضية.

ومثلما تكمن المسؤولية الواقعة على عاتق السلطة التنفيذية في إيجاد الحلول الأمنية والفنية والبشرية للتعامل مع قضية ارتفاع معدلات الجريمة لكون ما يرتبط منها يستلزم أعمال التحري والملاحقة والتواجد الأمني الفعلي، فإن ذلك يستلزم توافر المنظومة الفنية المصاحبة لها دعماً للمتابعة البشرية من القائمين على ملف الأمن الجنائي في الوزارة.

Ad

إالى جانب ذلك البعد المهم والموكول إلى السلطة التنفيذية هناك بعد تشريعي للمسألة يستدعي تحركاً برلمانياً من مجلس الأمة في المراجعة التشريعية للقضية المعمول بها وإضافة قوانين أخرى، فضلاً عن إقرار القوانين المنجزة، والتي تنتظر موافقة المجلس عليها، ومنها إقرار التعديلات على قانون الجزاء بتجريم حيازة الأسلحة البيضاء لما لهذا القانون من أهمية كبرى لوقف تداعيات العنف ووضع حد للجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة والطرقات، كما يتعين على المشرع النظر إلى تعديل قانون الجزاء بما يسهم بإمكانية العمل على تفعيل الرقابة اللاحقة للمدانين في الجرائم الجزائية، بغية إشعار المرتكب للجرائم الجزائية بوضعه تحت المراقبة القضائية بما يسهم في ضبط سلوكه ويدفعه بعدم العودة إلى الإجرام مستقبلاً.

ومن السلطة القضائية، فإن قانون تنظيم القضاء يوجب على المجلس الأعلى للقضاء إصدار تقرير سنوي حول التشريعات التي ينتابها القصور التشريعي في القوانين الجزائية وغيرها من التشريعات إزاء ما كشف عنه الواقع العملي عند التطبيق لدى المحاكم والنيابة العامة، ومثل تلك التقارير يتعين ألا يقتصر إرسالها إلى الحكومة ممثلة بمجلس الوزراء إنما يتعين إرسالها كذلك لمجلس الأمة على سبيل المسؤولية الدستورية والقانونية الملقاة على عاتق السلطة القضائية، ونظراً لما تقدم من مهام جسيمة تستدعي تنبيه السلطتين التشريعية والتنفيذية للقيام بمسؤولياتهما في مجال التشريع ومراجعة القوانين والتي هي في حقيقتها تمثل اختصاصاً أصيلاً للسلطة التشريعية بمشاركة السلطة التنفيذية.

قضية ارتفاع معدلات الجريمة وازدياد وقوعها وبشاعة ارتكابها وتنوعها خلال السنوات الثلاث الماضية تستدعي بعد المراجعات وتشخيص الخلل والعلل تخصيص البرلمان جلسة لمناقشتها واستعراض الحكومة جهودها المقبلة والمجلس مهامه التشريعية للوصول إلى تلك الحلول، كما يستدعي الأمر قيام مؤسسات المجتمع المدني بدورها نحو عقد مؤتمرات تدعو لها من يمثل السلطات الثلاث وعلى مستوى ممثلين من البرلمان في اللجنة التشريعية والتنفيذية من إدارة الفتوى والتشريع ووزارة الداخلية والقضاء من النيابة العامة، وأتمنى أن تقوم جمعيات كالخريجين والمحامين والصحافيين بهذا الدور المهم الذي ينطلق من مسؤولياتها تجاه المجتمع وقضاياه والمهام التي تستدعي تدخلاً مباشراً يساهم في تقديم العلاجات لمساندة السلطات ويضع تلك القضايا على طاولة الاهتمام الحكومي والنيابي.

● حسين العبدالله