أولوية الحكومة استمرار أعضائها لا استدامة الدولة!
• أنفقت مليارَي دينار لإنقاذ أعضاء فيها لا يمارسون حتى دورهم في رسم السياسة العامة
• كلفة مالية عالية تحقق أهدافاً قصيرة المدى وتثير مخاوف من ضعف جودة التشريع
• قناعات الحكومة عن العجز والاستدامة سرعان ما تتغير مقابل حماية الكرسي الوزاري
بات إنفاق مئات الملايين من الدنانير لتجاوز أي مصاعب سياسية للحكومة مع مجلس الأمة سلوكاً شبه مكرر لمجلس الوزراء خلال الفترة الماضية، بشكل ينسف كل أدبيات الإصلاح الاقتصادي المتكررة خلال سنوات تراجع أسعار النفط الثماني الفائتة.فخلال عام واجهت فيه الحكومة أزمة ثقة مع البرلمان وافق مجلس الوزراء على مجموعة من القوانين بقيمة تتجاوز مليارَي دينار؛ إما لضمان حضور النواب جلسة قَسَم الحكومة، كما حدث عند إقرار قانون الصفوف الأمامية أو وقف استقطاع أقساط البنوك لمدة 6 أشهر، أو لعقد صفقة مع مجموعة من النواب لضمان حماية أحد الوزراء، كما حدث عند الموافقة على زيادة رأسمال بنك الائتمان وتأجيل سداد سنداته، لحماية وزير الدفاع السابق من مخاطر طرح الثقة فيه، وكذلك في إقرار مكافأة مالية للمتقاعدين بقيمة 3 آلاف دينار، وزيادة سنوية 20 ديناراً على المعاشات التقاعدية، فضلاً عن الكلفة غير المحسوبة حتى الآن لبيع رصيد الإجازات لموظفي القطاع العام، لتجاوز الاستجوابين المقدَّمين لرئيس الوزراء ووزير الأشغال.
ثمن وتناقض
ودون الدخول في جدلية مدى استحقاق المواطنين لهذه المزايا المالية، فإن معظم هذه القوانين كانت بالأصل محل اعتراض حكومي خلال السنوات السابقة؛ إما بحجة كلفتها المالية، أو عدم استدامتها، كرفض الحكومة لسنوات زيادة رأسمال بنك الائتمان، ناهيك عن رفض الحكومة أيضاً ومؤسسة التأمينات أي إنفاق يؤثر سلباً على العجز الاكتواري والصناديق التقاعدية، وهذه قناعات سرعان ما تتغير إذا كان المقابل هو الكرسي الوزاري، فإذا كان ما أنفق حتى الآن على مقايضات الحكومة للنواب يبلغ مليارَي دينار، فهذا يعني أن قيمة الكرسي الوزاري الواحد تبلغ 125 مليون دينار، وهو ثمن باهظ لمناصب أعضاء سُلطة تنفيذية لا يمارسون حتى دورهم في رسم السياسة العامة، أو على الأقل عدم مناقضة أدبيات الخطاب الاقتصادي الحكومي، حتى وإن لم يتم تطبيقه.وزير المالية
بل إن وزيراً يحمل نَفَساً إصلاحياً، كوزير المالية، نجح في بداية عهده بتقديم مشروع قانون لموازنة الدولة تضمَّن للمرة الأولى منذ تراجع أسعار النفط عام 2014 خفضاً للإنفاق العام، لم يستطع التصدي لزيادة رأسمال بنك الائتمان، وهو حل يعالج فقط مسألة تمويل القسائم القائمة في المطلاع وخيطان لا حل الأزمة الإسكانية، ولا إنفاق نحو 400 مليون دينار بكل مخاطرها على صناديق التأمينات، مما يبين أن بيئة العمل في مجلس الوزراء غير صالحة للإنجاز حتى لأصحاب النوايا الحسنة، لأن الأولوية لاستمرار الوزراء لا استدامة الدولة.بيع الإجازات
اللافت أن ثمة مفارقة في مسألة بيع الإجازات السنوية تتجاوز حتى مسألة قبول الحكومة بتكلفة غير محددة مالياً ذات كُلفة مستمرة لسنوات، إذ إن برنامج عمل الحكومة، الذي يتضمن دعوات لتحفيز الشباب الكويتي للعمل في القطاع الخاص، حرم العاملين في هذا القطاع من مزايا بيع الإجازات، وحصرها بالعاملين في القطاع العام - بغض النظر عن استحاق الفكرة من عدمه -، مما يقلل من جاذبية العمل الحُر أو الخاص، ويزيد من أعباء التوظيف الحكومي، وما يترتب عليه من تضخم سنوي لأبواب الميزانية.جودة التشريع
لا شك في أن تمرير القوانين وفق آلية عقد الصفقات النيابية يثير المخاوف من ضعف جودة التشريع، لكونها صدرت على عجالة، ولم تخضع للمناقشات الطبيعية بمداولتيها، حيث يفترض أن تتاح للرأي العام والمختصين لتقديم الرأي والتعديل عليها، فضلاً عن أن الفائدة المتحققة من هذه القوانين الشعبوية محدودة الأثر الإيجابي، فمثلاً وقف استقطاع القروض لفترة 6 أشهر أدى فقط إلى تأجيل مدة السداد على المقترض، وليس مثلاً إلغاءها، وكذلك الأمر بالنسبة للصفوف الأمامية التي اختلطت فيها الجهات التي واجهت الجائحة مباشرة مع الجهات التي كان لها دور ثانوي مع الجائحة، ناهيك عن أن زيادة رأسمال بنك الائتمان حل يعالج فقط مسألة تمويل القسائم القائمة في منطقتَي المطلاع وخيطان، وليس حل الأزمة الإسكانية بشكل مستدام، في حين مكافأة المتقاعدين أو زيادة معاشاتهم لم تأخذ بالاعتبار حتى في الجانب الفني توقعات غلاء الأسعار المتوقع في ظل التضخم العالمي، خصوصاً أن تأثيرات التضخم غالباً تكون ذات أثر سلبي على المستهلكين أطول من مدة انتفاعهم بأي مبلغ خلال مدة قصيرة.كبح التضخم
صحيح أن التضخم يُعد مشكلة عالمية، غير أن السياسات الاقتصادية في الكويت تحفز ولا تكبح هذا التضخم، فضخ مليارَي دينار في السوق خلال عام دون اتخاذ سياسات دفاعية متوسطة إلى طويلة الأمد تتعلق بمكافحة الاحتكار وحماية المنافسة وتوطين الصناعات وتنويع سلة الدعوم، سيجعل التضخم يتصاعد، مدعوماً بعوامل خارجية وقصور في السياسات المحلية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أزمة رفاهية المواطن في الكويت ليست مالية إذا قُورنت بمستوى الخدمات، فمتوسط دخل الفرد في الكويت يعتبر تاسع أفضل دخل سنوي في العالم بـ 68 ألف دولار، غير أن استيفاء أكثر ضروريات الحياة، كتملك منزل، يبدو من المصاعب الجمَّة، في ظل تراكم نحو 150 ألف طلب إسكاني بلا تنفيذ، فضلاً عن ارتفاع تكاليف التعليم مثلاً في دولة تقدم التعليم المجاني لمواطنيها دون أن تحافظ على جودته، إلى جانب ارتفاع تكاليف المواد الغذائية في دولة تحولت فيها القسائم الزراعية والغذائية إلى «استراحات» بعيدة كل البُعد عن تحقيق الأمن الغذائي.كلفة أعلى
لا شك في أن الرهان على أسعار النفط المرتفعة حالياً لشراء ولاءات السياسيين لتجاوز الاستجوابات هو رهان غير حصيف، فبرميل النفط الذي لامست أسعاره قبل أسبوع 140 دولاراً للبرميل هو ذاته البرميل الذي بلغ سعره في أبريل 2020 مستوى 11 دولاراً... وفي الحالتين، فإن قدرتنا على التحكم في الأسعار محدودة، لكن الخيار أمامنا يتعلق بجودة المصروفات وإمكانية تقليصها، وبالتالي فإن التعامل مع كل استجواب وفق آلية تمرير قانون مكلف مالياً، وربما غير مصوغ بشكل جيد مع برلمان يغلب عليه العمل الفردي، سيجعل الكلفة على استدامة الدولة وماليتها وحتى المستهلك أعلى، وهي كلفة بالتأكيد لا تستحق الدولة أن تدفعها لضمان عبور الاستجوابات.محمد البغلي
بيئة العمل في مجلس الوزراء غير صالحة للإنجاز حتى لأصحاب النوايا الحسنة كوزير المالية
حصر «بيع الإجازات» في العاملين بالحكومة يقلل جاذبية العمل في القطاع الخاص
خلال عام واحد بلغت كلفة حماية مقعد الوزير الواحد 125 مليون دينار
حصر «بيع الإجازات» في العاملين بالحكومة يقلل جاذبية العمل في القطاع الخاص
خلال عام واحد بلغت كلفة حماية مقعد الوزير الواحد 125 مليون دينار