«صالحة»... صرخة امرأة تكالب عليها اللصوص
قدمتها فرقة المسرح الكويتي ضمن منافسات «أيام المسرح للشباب»
عندما يضع مفهوم الشرف الجهلاء، ويتولى اللصوص حراسة الأرواح والأعراض، لن يبقى للمرأة سوى أن تصرخ، ليس لطلب النجاة، وقد تكالب عليها اللصوص من كل حدب وصوب، لكنها صرخة بوجه مجتمع يسير على قدم واحدة، ويرى بعين واحدة، ويسمع بأذن واحدة، فهو مجتمع أعرج وأعمى وأصم... كما جسدته مسرحية «صالحة».
على خشبة مسرح الدسمة، انطلقت ثاني العروض المنافسة على جوائز مهرجان أيام المسرح للشباب، وهي مسرحية "صالحة"، التي قدمتها فرقة "المسرح الكويتي"، وحظيت بحضور جماهيري كبير، كما نالت إشادة الجمهور والنقاد.وقد أبدع صُناع العمل المسرحي، أمس الأول، على خشبة مسرح الدسمة بتقديم مسرحية "صالحة"، التي جسَّدت معاناة المرأة التي تفقد شرفها بعيون المجتمع، وإن كانت تلك العيون لا ترى الحقيقة كاملة، فهي المرأة الشريفة، والأم الحنونة، والضحية التي فقدت سُمعتها وحياتها على يد اللصوص، بمزاعم العفة وحق الزوج ونظرة المجتمع.تناولت المسرحية قصة فتاة تزوجت سراً من شاب بعد قصة حب جارفة، لتحمل منه وتجنب ولدا يتنكر له سارق الشرف، ويغيب عن المشهد دون رجعة، وكأن المؤلف والمخرج يقدمان رسالة صامتة دون عبء، كما هرب الزوج دون عبء، فليس على الجمهور مجرد تحمل عبء التفكير أين ذهب هذا الزوج، وما مصيره، فقد انتهى دوره في العرض بمجرد الهروب من زوجته وابنه، ويكفي في ذلك رسالة مجتمعية صامتة تحمل كل معاني الإنكار والموت في عيون المشاهد.
أما الأم، فتحمل وحدها عبء الطفل، وعبء شرفها الضائع، وعبء مجتمع، وعب الأهل، وعبء زوج جديد يبحث في زوجته عن العذرية بمفهومها المجتمعي للشرف، لكن حينما يعلم الحقيقة لا يختار العفو ولا المسامحة لزوجته مريم، والتي ربما اختار المؤلف الاسم تذكيرا لنا بمقولة سيدنا عيسى، عليه السلام، في واقعة الزنا، حينما قال للناس: "من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بحجر". أما الزوج، فقذفها في القبر، وأسدل عليها التراب، انتصارا لكرامته، لكنه حين دفنها، وبعد أن فات الأوان، أيقن أنه دفن معها ما بقي من حياته، فعاش معذبا تائها ضائعا، حتى سكن معها ذات القبر بيد ابنها الذي انتقم لصرخة أمه من مدفنها.أما "صالحة"، فهي صوت الضمير التي تصدت لقتل مريم، لكنها لم تنجح، وتكفلت بتربية الطفل الذي وجدته في مهده على باب الضريح، وحاولت بقدر طاقتها منع انتقام الولد لأمه، حتى لا تلوثه الدماء، وإن كانت حقا، لكنها أيضا فشلت أمام إصرار الولد على ثأر أمه، وكأن الكاتب يريد أن يقول إن الضمير لا ينجح دائما، بل تغلبه الشدائد أحيانا، وإن الضمير ربما يكون في ثوب أهوج أو ضعيف أو امرأة يظنها الجميع مجذوبة، لكنها تصدت لما هرب منه العقلاء والرجال، وربما المجتمع بأكمله.أما الشيطان، فقد كان له دور بطولي مساند مع كل شخصية، إذ تجسد في ثوب قبيح دفع "مريم" للزواج خلسة، ولإلقاء ابنها على باب الضريح، للتخلص من عارها، ولم تعلم أن العار نفسه هو تخليها عنه من أجل زوج يسترها بالمفهوم الضحل، ففقدت حياتها على يد من ظنت أنه سيدعم استمرار حياتها، فهي لعبة الشيطان الذي دفع الأب للهروب، والزوج للقتل، والابن للثأر. وكأن المؤلف يريد القول إنه حتى الضحايا مخطئون في حق أنفسهم قبل الآخرين، وإن من يفرط في نفسه لا يبحث عمن يحميه أو يرد عليه حقه.تصدى لبطولة المسرحية مجموعة من الشباب جميعهم تألقوا، لذلك لا يمكن أن نرجح كفة أحدهم على الآخر، فكل أبدع في مساحته، سواء على مستوى التمثيل أو الإخراج أو التأليف أو عناصر السينوغرافيا، وإن كان يؤخذ على الملابس أنها لم تكن محلية أو تحمل الهوية الكويتية إلى حد أكبر. ولربما أراد صُناع المسرحية أن تكون عابرة للمجتمعات، وهي القصة التي ربما يعانيها الكثيرون في مختلف أقطار العالم بصورة أو بأخرى.المسرحية بطولة: هيا السعيد وغدير حسن وعبدالله البلوشي ومحمد الكليبي ومهدي كرم وحمود العميري، وإضاءة أحمد أبل، وأزياء حصة العباد، وديكور محمد الشطي، وموسيقى حمد العروج، وماكياج عبدالعزيز الجريب، وتأليف أحمد العوضي، وإخراج بدر الشعيبي. وأعقبت المسرحية حلقة نقاشية بحضور أبطال العمل، وباقة من الأساتذة والمسرحيين وطلاب قسم النقد في المعهد المسرحي.وعقَّب على العرض الفنان والمخرج عصام الكاظمي، قائلاً: "بالتأكيد كل من حضر وشاهد مسرحية الليلة تفاعل معها بشكل خاص به، وفق ما يملكه من ثقافة وخلفية فكرية، مفادها عندما يتحكم بمفهوم شرف المرأة رجال بلا شرف".من جانبه، قال عضو هيئة التدريس في المعهد المسرحي مشعل الموسى: "استمتعت بالعرض، وبكيت مع الممثلة غدير حسن عندما بكت".فيما أكد د. مبارك المزعل، أن "العرض راقٍ، ولا يحتاج أحد أن يتكلم عنه". وأشاد بالمخرج الشعيبي: "من السهل أن تقدم عملا كل سنة، لكن أن تقدم كل سنة عملا ناجحا فهذا إنجاز، ويستحق المخرج الشعيبي لقب (الأستاذ)".من جهته، قال عضو اللجنة الفنية للمهرجان الفنان علي الحسيني، إن الفنان والمخرج بدر الشعيبي يمتلك حالة سينوغرافية بالفطرة، حيث نجح في تسخير كل عناصر العرض المسرحي، ليفتح الباب أمام المتلقي، حتى يفهم العرض من منظوره. أيضاً كان هناك حضور ذهني لدى الممثلين، وصب في خدمة المخرج والعرض ككل.يُذكر أنه على هامش المهرجان استضاف المركز الإعلامي المخرج الشاب علي البلوشي، للحديث حول تجربته بمسرحية "الطابور السادس"، والتي فازت بجائزة أفضل عرض متكامل في مهرجان الكويت المسرحي، وأدار الجلسة الزميل مفرح الشمري رئيس المركز الإعلامي.