أكدت دول غربية، أمس، أن القوات الروسية تقصف مدنا أوكرانية وتقتل مدنيين، غير أنها لم تعد تحقق تقدما على الأرض، مع دخول الحرب، التي كان متوقعا أن تكسبها موسكو في غضون أيام، أسبوعها الرابع، ومع مواصلة الجولة الرابعة من المفاوضات عبر الفيديو بين الوفدين الروسي والأوكراني، من أجل التوصل إلى هدنة أو حل ينهي الحرب بين البلدين.

وأعلنت الاستخبارات العسكرية البريطانية أن الغزو الروسي لأوكرانيا «متعثر إلى حد كبير على جميع الجبهات، مع تكبد القوات الروسية خسائر فادحة من دون تحقيق تقدم يذكر في البر أو البحر أو الجو في الأيام القليلة الماضية»، مشيرة إلى أن «المقاومة الأوكرانية لا تزال قوية ومنسقة جيدا، كما أن الغالبية العظمى من أراضي أوكرانيا، بما في ذلك جميع المدن الكبرى، لا تزال في أيدي الأوكرانيين».

Ad

يأتي ذلك، غداة إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن «القوات الروسية لم تحقق تقدما يذكر نحو العاصمة الأوكرانية كييف حتى الآن»، وفي وقت نقلت صحيفة نيويورك تايمز، عن مصادر استخباراتية أميركية، أن خسائر الجيش الروسي منذ 3 أسابيع فقط من القتال «بلغت أكثر من 7 آلاف جندي ونحو 21 ألف جريح»، مشيرة إلى أن هذا العدد من الجنود الروس يزيد على عدد الجنود الأميركيين الذين قتلوا في العراق وأفغانستان على مدار أكثر من 20 عاما.

وتعرضت العاصمة كييف أمس لقصف صاروخي استهدف مبنى سكنيا مؤلفا من 16 طابقا، ما أسفر عن مقتل شخص واحد وأصابة 3.

من ناحيته، قال حاكم مدينة تشيرنيهيف، فياتشيسلاف تشاوس، أمس، إن عدد القتلى يتزايد في هذه المدينة الشمالية، حيث قتل 53 شخصا على أيدي القوات الروسية أمس الأول فقط.

وقال النائب سيرغي تاروتا إن أعمال الإنقاذ مستمرة للوصول إلى المحاصرين تحت الأنقاض ومعرفة عدد الضحايا.

واستهدف القصف الروسي أيضا منازل في منطقة خاركيف الشمالية، ومسرحا لجأ إليه «أكثر من ألف» مدني. وأفاد رئيس بلدية ماريوبول فاديم بويتشنكو بأن «الغزاة دمروا مسرح الدراما الذي لجأ إليه أكثر من ألف شخص»، معتبرا الهجوم «إبادة جماعية لأمتنا وشعبنا الأوكراني».

لكن وزارة الدفاع الروسية نفت مسؤوليتها عن القصف، زاعمة أن «كتيبة آزوف» القومية الأوكرانية دمرت المبنى، إلا أنها تبنت من ناحية أخرى قصفها «بصواريخ عالية الدقة» مستودعا عسكريا في سارني بمنطقة ريفني الغربية، ودمرت منشآت لتخزين الصواريخ والذخيرة، بينما نقلت مجلة فورين بوليسي، عن مصدر مطلع، ان «مسؤولين أميركيين أبلغوا الأمم المتحدة بوجود أدلة على أن القوات الروسية استخدمت القنابل العنقودية المحرمة دوليا على نطاق واسع بأوكرانيا».

إلى ذلك، أطلقت القوات الروسية سراح رئيس بلدية مدينة ميليتوبول الجنوبية إيفان فيدوروف بعد أيام من اختطافه، بعدما تم استبداله بـ9 جنود روس أسرى تتراوح أعمارهم بين 20 و21 عاما.

بوتين لن يتوقف

في كلمة له أمام لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي، شدد وزير الدفاع الأوكراني ألكسي ريزنيكوف على وجوب مواصلة الدعم الأوروبي لكييف، محذرا من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يتوقف عند أوكرانيا، بل قد تطال عملياته دولا أوروبية أخرى، داعيا إلى تصنيفه «مجرم حرب»، وهو التعبير نفسه الذي كان الرئيس الأميركي جو بايدن استخدمه قبل ساعات ردا على سؤال لصحافي عن نظيره الروسي، بقوله «إنه مجرم حرب».

في المقابل، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن «الرئيس بوتين شخصية دولية حكيمة وبعيدة النظر ومثقفة، وهذا ما يمنعه من أن يرد على التصريحات غير المقبولة التي لا تغتفر لرئيس دولة قتلت قنابله مئات آلاف الأشخاص في جميع أنحاء العالم لسنوات عدة»، في إشارة إلى بايدن، الذي من المقرر أن يجري اتصالا هاتفيا، اليوم، مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، لبحث إدارة المنافسة بين البلدين، فضلا عن الغزو الروسي لأوكرانيا، حسبما أعلن البيت الأبيض، أمس.

تواصل المفاوضات

في غضون ذلك، لم تمنع الهجمات الروسية والاتهامات المتبادلة بين الطرفين من تصميم المعسكرين على مواصلة محادثات أعيد إطلاقها الاثنين عبر الفيديو على مستوى وفود.

وفي وقت فُتح تحقيق بفرنسا في جريمة حرب محتملة، بعد مقتل الصحافي الفرنسي الايرلندي بيار زاكريفسكي الاثنين في أوكرانيا، رفض بيسكوف قرار محكمة العدل الدولية، الذي أصدرته لروسيا بوقف عملياتها العسكرية على الفور، معتبرا أنه «لن نتمكن من أخذ هذا القرار في الاعتبار»، مؤكدا أنه ينبغي للجانبين، روسيا وأوكرانيا، الاتفاق على إمكان تنفيذه.

وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا، شدّد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على ضرورة عقد لقاء بين بوتين وزيلينسكي، في حين قال كوليبا، «إننا نعمل على عقد لقاء بين الرئيسين في تركيا».

من ناحيته، ذكر دميتري ميدفيديف، نائب سكرتير مجلس الأمن الروسي، أن الولايات المتحدة أججت حالة رهاب من روسيا «مثيرة للاشمئزاز» في محاولة لتركيع موسكو، مضيفا: «لن تنجح (المؤامرة)... روسيا قادرة على وضع كل أعدائنا المتهورين في مكانهم»، وأكد أن موسكو ستحبط مؤامرة الغرب الرامية لإجبار موسكو على الركوع ثم تمزيقها.

في السياق نفسه، اعتبرت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن «الدول التي تزود ​أوكرانيا​ بالسلاح، ليس فقط سلوفاكيا، ولكن أيضا من قبل بلدان أخرى، يخلقون مشاكل لأنفسهم»، لافتة إلى أن «الأمر نفسه ينطبق على تجنيد المرتزقة».

واتهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان روسيا بأنها تتظاهر بالتفاوض، وقال إنه لا يمكن التفاوض بتوجيه سلاح إلى الرأس.

في غضون ذلك، شكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظيره الإماراتي عبدالله بن زايد، خلال لقائهما في موسكو، أمس، على «الموقف المتوازن» الذي اتخذته الإمارات.

كما أعرب لافروف عن إدانة بلاده الهجمات التي تشنها الميليشيات الحوثية على أهداف في الإمارات والسعودية، كما أعرب عن قلقه لموجة التصعيد في اليمن وحولها.

ورحب بن زايد بجهود الوساطة الدولية، وقال إنه بحث مع المسؤولين الروس أمن الطاقة والأمن الغذائي في العالم، على ضوء تداعيات حرب أوكرانيا.

هدم الجدار

وغداة خطابه أمام الكونغرس الأميركي، والذي أشار فيه الى 11 سبتمبر وهجوم بيرل هاربور، استحضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جدار برلين، في كلمة أمام مجلس النواب الألماني (بوندستاغ) أمس، بقوله إن روسيا بنت جدارا جديدا بوجه الحرية في أوروبا بغزوها أوكرانيا.

وفي كلمته، التي استمرت 10 دقائق، وتخللها تصفيق من النواب، قال زيلينسكي: «عزيزي المستشار (أولاف) شولتس، اهدم هذا الجدار، اعط ألمانيا الدور القيادي الذي تستحقه».

وتابع: «هذا ليس جدار برلين لكنه جدار في وسط أوروبا بين الحرية والعبودية، وهذا الجدار يزداد اتساعا مع كل قنبلة ترمى على مدينة أوكرانية»، محذرا من أن «شعبا يتم تدميره في أوروبا».

وأضاف: «ساعدونا في وقف هذه الحرب، فالشعب في أوكرانيا يريد العيش حرا ولا يريد الخضوع لدولة أخرى»، متهما ألمانيا بتفضيل اقتصادها على أمن بلاده في الفترة التي سبقت الهجوم الروسي.