بقايا خيال: إجـازات وعطل الكويتيين... غير
نحن أغرب شعب في العالم، وأنا هنا أتكلم في العموم، ولكل قاعدة شواذ، إذ إن الغالبية بيننا تبحث عن أي إجازة لكي تفر من العمل، بينما هناك شعوب يراهم المتشددون كفاراً بسبب دينهم، يلتصقون بأعمالهم إلى حد العبادة، خلال رحلة عمل مصرفية إلى الشرق الأقصى (اليابان وكوريا الجنوبية وتايبيه) في عام 1984، عرفت أن اليابانيين يعدون من أكثر الشعوب عشقاً للعمل وأكثرهم إنجازاً وإنتاجاً، كما أنهم أكثر الشعوب حرماناً من العطل، فالياباني لا يحصل على إجازة لأكثر من أسبوعين، أو تسعة أيام بالمتوسط، مهما كانت الظروف، في حين يصل متوسط الإجازات السنوية للفرنسيين إلى 30 يوماً سنوياً، وفي أميركا يتراجع هذا المتوسط إلى 17 يوماً ليتساوى مع الأستراليين، أما في الكويت فحدّث ولا حرج، إذ يحق لأي موظف أن يحصل على إجازته السنوية حتى لو كانت شهرين أو ثلاثة. في صيف 1993 حصلت على إجازتي السنوية (45 يوماً) قضيتها كلها في مدينة دنفر الأميركية، لتأثيث بيتي الجديد الذي كنت قد اشتريته هناك، ولأن السكان كلهم كانوا حديثي العهد في هذه المنطقة الجديدة، فقد تعرفت على أحدهم فطلب بطاقتي التعريفية، ثم سألني، مستغرباً، عن اسم البنك المسجل بالبطاقة، والذي لم يسمع عنه من قبل، فقلت له إنه بنك كويتي ومركزه في الكويت، فتساءل باستغراب أكثر عن كيفية مواظبتي على العمل والانتقال ما بين أميركا والكويت، فأخبرته بأنني في إجازة مدتها 45 يوماً لتأثيث المنزل ثم أعود إلى الكويت بعد ذلك، فقال: ألا تعتقد أن هذه الإجازة طويلة جداً، خصوصاً أنك تعمل في بنك؟ فأجبته بأن حصولي على هذه الإجازة الطويلة تحدث لأول مرة، إذ إنني في كل مرة أحصل على 30 يوماً أو أقل، فرد علي بإجابة ماكرة: نحن هنا إجازاتنا لا تزيد على الأسبوعين، ولهذا أقول إنه إذا كان هذا البنك يتحمل غيابك لمدة شهر، ولا أقول 45 يوماً، فإنه بالتأكيد يستطيع العمل بدونك إلى الأبد، فابتسمت دون أن أقدر على الإجابة. ولك أن تتخيل أن هذه الإجازة الطويلة، التي غالباً ما تمتد إلى ستة أسابيع، ليست العطلة الوحيدة التي يتمتع بها الموظفون في المؤسسات العامة والخاصة، فهناك يومان في نهاية كل أسبوع طوال السنة، وهناك عطلات الأعياد، ليكون إجمالي العطل قرابة 180 يوماً في السنة من أصل 365 يوماً، أي أن عدد أيام العمل يتساوى تقريباً مع عدد أيام العطل، بل إن الـ185 يوماً الباقية من السنة تتوزع أشلاؤها على الإجازات المرضية والاضطرارية عند وفاة أحد الأقرباء، فلا يتبقى من أيام العمل الفعلية سوى أسابيع معدودة معروف عنها أنها تفتقر إلى الإنجاز والإخلاص في العمل، رغم أن الغالبية من الباحثين في الدفاتر القديمة عن أي إجازة أو عطلة يكررون على مسامعك الحديث الشريف: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
وطالما كانت الحكومة المشجع الأول لكثرة الإجازات والعطلات، وطالما صار الإنجاز معدوماً، وطالما تركز أسلوب الدولة على استخراج البترول وبيعه وتوزيع إيراداته كرواتب، أعتقد أنه من الأنسب على الحكومة أن تسرح موظفيها لكي يبقوا في بيوتهم، وتحول رواتبهم على البنوك، و"وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ".