لبنان يسابق الزمن لتجنب المجاعة
بعد توقف استيراد القمح من أوكرانيا إلى لبنان غداة الحرب الروسية هناك، تسابق الحكومة اللبنانية الزمن لمنع أزمة غذائية كارثية، فقد أطلق هذا الصراع مشكلة كبيرة على مستوى الأمن الغذائي في دول عدة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ تتكل هذه البلدان على منطقة زراعة القمح في البحر الأسود لإنتاج الخبز، لكن يبقى وضع لبنان هشاً على نحو خاص، حيث يتعلق سبب المشكلة بعدم تخزين كميات احتياطية كافية والتضخم المفرط الذي يشوب الاقتصاد، فالوضع مزرٍ بمعنى الكلمة، وقد ينهار النظام الغذائي خلال أسابيع أو حتى أيام معدودة إذا لم يتلقَ البلد مساعدات مالية فورية. يحتاج لبنان إلى استيراد نحو 50 ألف طن متري من القمح شهرياً لتلبية حاجات البلد إلى الخبز، وكانت الحكومة تتكل على أوكرانيا لتـأمين ثلثَي تلك الكمية تقريباً، أي ما يساوي أكثر من 400 ألف طن متري سنوياً، وكان لبنان يخزّن احتياطيات القمح بكمية تكفيه لأربعة أشهر، لكن أدى انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 إلى تدمير أهم إهراءات لتخزين الحبوب في البلد، ولا يشمل المرفأ اللبناني الأساسي الثاني في طرابلس مركزاً لتخزين الحبوب، لذا يملك البلد مخزوناً يكفيه لشهر واحد بفضل مستودعات تعود إلى 12 مطحنة.هذا الوضع دفع وزارة الاقتصاد اللبنانية إلى خوض سباق مع الزمن لتأمين إمدادات القمح كي لا يفتقر البلد إلى الخبز، فيوم الثلاثاء، وصلت سفينة أوكرانية تحمل 11 ألف طن من القمح (تم تحميلها قبل اندلاع الحرب) إلى طرابلس، مما يمنح البلد استراحة قصيرة لأسبوع تقريباً، لكن سيبدأ العد التنازلي الذي يسبق الكارثة الكبرى قريباً.
في نهاية الربع الاقتصادي الثالث من عام 2021، بلغ سعر القمح اللين المستعمل لصناعة الخبز 271$ للطن الواحد، ما يساوي زيادة سنوية بنسبة 22%، لكن بدءاً من يوم الأربعاء، بلغ سعر القمح اللين لشهر مارس وفق مجلس شيكاغو للتجارة نحو 468$ للطن الواحد، ويقول وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام إن لبنان كان يدعم نحو 100% من سعر القمح، أي 400$ مقابل كل طن، ويعني ذلك أن يؤمّن مصرف لبنان 20 مليون دولار شهرياً، لكنه لا يستطيع اليوم تغطية الأسعار المتزايدة". في ظل انشغال أوروبا بأوكرانيا المحاصرة والدول المجاورة التي أصبحت معرّضة للتصعيد الروسي، مثل مولدوفا، قد تضطر الولايات المتحدة ودول الخليج العربي وجهات أخرى لمساعدة لبنان في تجنب كارثة شاملة عبر تأمين مساعدات مالية مؤقتة.لكن بعيداً عن التدابير المؤقتة، يحتاج لبنان إلى تغيير المهلة الزمنية المتبقية له عبر تعزيز أمنه الغذائي من خلال توسيع قدرته على تخزين الإمدادات وصولاً إلى تطوير قطاع التكنولوجيا الزراعية الناشئ في نهاية المطاف، ولتحقيق هذا الهدف، يمكن اعتبار الإمارات العربية المتحدة قدوة بارزة، وفي يوم اندلاع الحرب في أوكرانيا، استضافت دبي أول قمة لمستقبل الغذاء ومَعرضاً عالمياً للتكنولوجيا الزراعية، فنُظِّم ذلك المؤتمر الرائد للشركات المبتدئة في مجال التكنولوجيا الزراعية، وشارك فيه قادة من قطاع الإنتاج الغذائي المبتكر والمستدام، وارتكز على عقد شراكة غير مسبوقة بين وزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.تُعتبر الإمارات رائدة عالمياً في الخدمات اللوجستية الغذائية وفي استثمار تقنيات الطاقة الخضراء المبتكرة، فمن خلال تسهيل إنشاء اتحاد من أصحاب المصالح المحليين والإقليميين والدوليين لدعم تطوير قطاع التكنولوجيا الزراعية المبتكرة في لبنان، قد يتطور الأمن الغذائي اللبناني على المدى الطويل ويتوسع التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط عموماً.بدأ الوقت ينفد في بيروت، ويجب أن يتحرك البلد سريعاً إذا أراد تجنّب أزمة جوع مرتقبة.