ما تأثير الضربة الصاروخية البالستية الإيرانية في العراق؟
يوم الأحد 13 مارس أطلقت إيران نحو 12 صاروخاً بالستياً من نوع "فاتح 110" باتجاه مواقع في أربيل، شمالي العراق، بالقرب من مقر القنصلية الأميركية. أسفر هذا الهجوم عن إصابة شخصَين على الأقل، وأحدث أضراراً كبرى في عدد من السيارات والأملاك، بما في ذلك غرفة الأخبار في مؤسسة "كوردستان 24"، فأجّجت هذه العملية المخاوف من تصعيد الوضع تزامناً مع تعثّر جهود إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني.أعلن الحرس الثوري الإيراني مسؤوليته عن الهجوم، فقال إنه استهدف "المركز الاستراتيجي للمؤامرات والشرور الصهيونية" في أربيل رداً على الضربة الإسرائيلية التي قتلت ضابطَين من الحرس الثوري في دمشق، في 7 مارس، وتعهد الحرس الثوري أيضاً بإطلاق "ردود قاسية وحاسمة ومدمّرة" ضد أي "عمليات متهورة وحاقدة".لكن تطرح نزعة إيران إلى تحدي الوجود الإسرائيلي المزعوم في العراق مخاطر واضحة على الولايات المتحدة، ففي المقام الأول، أصبحت القدرات الصاروخية الإيرانية اليوم متقدمة لدرجة أن يتمكن الحرس الثوري الإيراني من تدمير أهداف قريبة من الأميركيين ومن دون التسبب بأضرار جانبية غير مرغوب فيها أو مواجهة رد مدمّر من الدفاعات الصاروخية الأميركية، كذلك، أثبتت إيران مستوىً عالياً من ضبط النفس في ردّها على الاعتداءات، فهي تبقي المجال مفتوحاً أمام الرد الانتقامي ومنع التصعيد في المرحلة اللاحقة.
لكن قد تكون هذه الضربات إثباتاً آخر على زيادة جرأة إيران واستعدادها للرد مباشرةً على خصومها عبر استعمال الصواريخ البالستية، فهذا التطور ليس إيجابياً للولايات المتحدة التي تحاول منذ فترة طويلة عدم الانجرار إلى الصراع الإيراني الإسرائيلي رغم دعمها الدائم لإسرائيل وإقدامها على استهداف مواقع عسكرية إيرانية من وقت لآخر.من حسن حظ نتنياهو، لم يعد قرار تجديد الاتفاق النووي يتوقف بالكامل على الميول الأميركية والإيرانية، وفي هذا السياق، كتب المحللان حميد رضا عزيزي ونيكول غراجيسكي حديثاً في مجلة "ناشونال إنترست" أن مطالبة روسيا بـ"ضمانات خطية" لمنع العقوبات الغربية المرتبطة بأحداث أوكرانيا من التأثير على حق موسكو بإقامة تعاون حر وشامل مع إيران في مجالات التجارة، والاقتصاد، والاستثمارات، والجيش، والتكنولوجيا، زادت المخاوف من أن تحاول روسيا أخذ الاتفاق النووي رهينة لديها لحصد المنافع وخرق العقوبات المفروضة عليها، أو لاستعمال الاتفاق النووي كورقة مساومة تضمن التوصل إلى اتفاق معيّن مع الغرب في ملف أوكرانيا. لكن بغض النظر عن دوافع موسكو، توقفت المفاوضات في مطلق الأحوال ويشعر الإيرانيون والأميركيون بالاستياء، فرغم حرص إيران على عدم المجازفة بعلاقاتها الوثيقة مع روسيا، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: "لن نسمح لأي عوامل خارجية بالتأثير على مصالحنا الوطنية"، كما أنه طلب "توضيحاً" من روسيا حول موقفها الأخير، وكانت ردة فعل واشنطن أكثر جرأة، فقد رفض المسؤولون الأميركيون ذلك الطلب بشكلٍ قاطع وهددوا بإقصاء موسكو واستكشاف حلول بديلة إذا لم يتراجع الروس عن موقفهم.لكن لن يكون تطبيق هذا الحل سهلاً على أرض الواقع لأن إيران والولايات المتحدة لم تعالجا بعد النقاط الشائكة النهائية التي تُمهّد لتجديد الاتفاق النووي، بما في ذلك تبادل الأسرى وتقديم ضمانات رسمية تمنع الولايات المتحدة من الانسحاب فجأةً من الاتفاق للمرة الثانية. جاءت الضربة الصاروخية الإيرانية في أربيل لتزيد المفاوضات تعقيداً، إذ يدرك الغرب أن إيران مستعدة لتخريب مصالحها في الشرق الأوسط وأماكن أخرى من دون استعمال الأسلحة النووية، ويؤكد استعراض القدرات الصاروخية الإيرانية بهذا الشكل على ضرورة تشديد بنود الاتفاق النووي، ومع بلوغ المفاوضات هذه المرحلة الشائكة، قد تقضي أي مفاجآت أو أشكال أخرى من التصعيد على جهود قائمة منذ أشهر، ولا يفوّت خصوم بايدن الجمهوريون ومنتقدوه هذه الفرصة لمهاجمة الرئيس الأميركي. يقول بنيامين نتنياهو: "هذا الاندفاع اليائس إلى توقيع الاتفاق النووي الشائب مع إيران ليس سخيفاً فحسب، بل إنه خطير جداً، فهو يخفف العقوبات المفروضة على الإيرانيين ويمنحهم مئات مليارات الدولارات، مما يسمح لهم بمتابعة الأعمال الإرهابية كتلك التي أطلقوها في الأمس وتنفيذ عمليات مشابهة يومياً في أنحاء الشرق الأوسط والعالم... ألم نتعلم شيئاً مما حصل"؟