القوة فوق الحق
"يظهر أن موجة الركود التضخمي قادمة وستتمدد لزمن طويل، وآثارها ستكون كبيرة على الأسواق المالية، وعلى الأغلب سيحدث بزوغ كتلتين بينهما انقسامات عميقة ستنعكس على المصالح التجارية للجغرافيا السياسية، حتى الحرب النووية، للأسف، قد تكون محتملة"... تلك كانت الفقرة الختامية لمقال مارتن وولف أحد أهم الكتاب في الفايننشال تايمز، وفيها يقدم صورة حالة السواد فيما لو استمرت الحرب في أوكرانيا، وتمسك الرئيس بوتين بشروطه ولم يتجاوب معها الرئيس الأوكراني زيلينسكي.تقرير آخر من الواشنطن بوست يقول إن زيلينسكي قد أظهر مرونة وربما بعض التردد في التوافق مع شروط روسيا، ولنقل إملاءاتها، فهذا الرئيس ظهر كبطل قومي يناطح قوة جبارة مدمرة، لكن الخراب أكبر مما يتصور، فأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ نزحوا من ديارهم، وهناك آلاف القتلى والجرحى، فما الحل؟!هل توجد واقعية سياسية لإنهاء محنة أوكرانيا وتجنيب العالم أخطار استقطاب قوى عظمى وحروب اقتصادية؟ بالتأكيد لا يمكن للرئيس الأوكراني إجراء استفتاء شعبي الآن حول السلام أو الاستسلام، أي القبول بتعهد عدم الانضمام إلى حلف "الناتو" ومناطق منزوعة السلاح، الواقعية السياسية اليوم تفرض قبول هذه الشروط، فروسيا ترى نفسها محاطة بدول الحلف وانضمام أوكرانيا إليه سيعني حتمياً خطراً دائماً على الدولة الروسية.
الحديث عن حق سيادة الدولة في تقرير شؤونها ومصيرها في علاقاتها الخارجية كحق أوكرانيا في الانضمام للحلف، كلام ليس له ظل من الواقع المعيش، فالدول الكبرى تملي إرادتها على الأضعف بصرف النظر عن أحكام القانون الدولي، أما اعتراض دول "الناتو" في شرق أوروبا على مثل هذا الطرح، فليس من حقهم، فليست أراضيهم اليوم هي التي تقصف يومياً، وليس سكانهم من يُهجَّرون ويُقتَّلون.الحق فوق القوة، كلام ليس له أساس تاريخي - واقعي، العكس صحيح، فلنتعلم.