شكل اكتشاف الذهب والفضة نقطة تحول اقتصادية في العالم، لاسيما بعد استخدامهما ونقل كميات كبيرة منها من إسبانيا إلى أوروبا في القرن السادس عشر.وكان الإسبان يستخرجون الذهب بأقل التكاليف، ويتم نقل ما يعادل 170 طناً من هذه المعادن الثمينة سنوياً، مما ساهم في فقدان الذهب قيمته بسبب الكثرة، وكانت النتيجة الحتمية زيادة في كمية النقد المتوفرة، وأدت إلى توجه عام نحو ارتفاع الأسعار في أوروبا وتضخم غير مسبوق في الاقتصاد الإسباني، وغيّر ذلك وجه العالم الاقتصادي وسجلت ارتفاعاً في أسعار جميع المواد بتضاعف ست مرات خلال 150 سنة في أوروبا الغربية.
وبنفس الطريقة، يمثل فعل الحكومة عندما تزيد كميات النقد الورقية المتداولة، فالنتيجة ذاتها وحتمية وهي أن القوة الشرائية للوحدة النقدية سوف تتجه إلى الانخفاض، وبالمقابل تأخذ الأسعار مسار الارتفاع، وهذا هو التضخم.يقاس التضخم بمؤشر أسعار الاستهلاك، وهو يعكس التغير السنوي في النسبة المئوية للتكلفة، التي يتحملها المستهلك المتوسط لاقتناء سلة من السلع والخدمات التي يمكن تثبيتها أو تغييرها على فترات محددة.هناك الكثير من النقاشات تدور في أحاديث الاقتصاديين وغير الاقتصاديين حول التضخم وماهيته وأسبابه، فلو سألنا عامة الناس عن أسبابه فسيكون في الأغلب جواباً غير صائب فالعامة (غير الاقتصاديين) يفضلون أن يعزوا سبب التضخم إلى ارتفاع الأسعار، غير واعين أن السبب يعود إلى الزيادة في كمية النقد المتداول، نفتقد للنقاشات الجدية مقابل التفسيرات الاقتصادية لعلاقة النقد المتوفر بالأسعار.في لغة الأرقام يتراوح معدل التضخم في الكويت على مدى 47 سنة بين - 0.55 في المئة و13 في المئة، وكان المعدل الأعلى في تاريخ الكويت عام 1974 إذ بلغ 13 في المئة، وكان أقل معدل بلغ نسبة - 0.55 في المئة في عام 1992، أي بعد الغزو العراقي.واجهت الكويت ثلاثة ارتفاعات ضخمة، البداية في عام 1974 حيث بلغ معدل التضخم 13 في المئة، قد لا تعتبر النسبة ضخمة في هذه السنة فقد كانت النسبة قريبة لسنة سابقة والتي بلغت 8.27 في المئة وسنة لاحقة بلغت 8.39 أتى الارتفاع الثاني عام 1990 أي أثناء الغزو العراقي لدولة الكويت، وصل التضخم إلى 9.83 في المئة بعد أن كان 3.34 في عام 1989.وظل على مستوى 9 في المئة (تحديداً 9.06 في المئة) في عام 1991، ثم انكمش وبلغ - 0.55 في العام التالي (1992).والارتفاع الضخم الأخير كان في عام 2008 وبلغ 10.58 في المئة، متأثراً بالأزمة العالمية المالية التي حصلت في وول ستريت.فيما يخص متوسط معدل التضخم خلال السنوات ال47 من 1973 إلى عام 2020 فقد قدر 4.1 في المئة سنوياً. وبلغت الزيادة في الأسعار بشكل كلي إلى 544.34 في المئة.حيث المبلغ الذي كان يكلف 10 دنانير في عام 1973 كلف في بداية عام 2021 مبلغ 554.34 دينار.وما كان يكلف 100 دينار أصبح يكلف 644.34 ديناراً.وما بين الأعوام العشرين أي ما بين 2001- 2020 قد مال معدل التضخم في الكويت إلى الانخفاض في السنوات الأخيرة.فقد بلغ عام 2001 نسبة 1.30 في المئة وفي عام 2020 بلغ 2.1 في المئة.وأقصى ارتفاع كان عام 2008 حيث بلغ 10.58 في المئة. في حين أشارت البيانات الأخيرة الصادرة من الإدارة المركزية للإحصاء أن معدل التضخم السنوي للكويت بلغ 4.30 في المئة في يناير 2022، دون تغيير عن ديسمبر 2021 وهو أعلى مستوى له منذ أخر ارتفاع في 2011 الذي بلغ 4.84 في المئة. وبحسب كل مجموعة فإن التضخم طال كلا من الأغذية والمشروبات والكساء وملبوسات القدم وخدمات المسكن والمفروشات المنزلية والصحة والنقل والاتصالات ومجموعة الترفيهية والثقافية والتعليم والمطاعم والفنادق وجميع السلع والخدمات المتنوعة، في حين أن المجموعة الوحيدة المستقرة هي مجموعة السجائر والتبغ.
سيناريو حدوث التضخم
هناك تضخم ينشأ عن الطلب، وآخر ينشأ عن التكاليف، والتضخم في الكويت ناشئ عن الطلب والتكاليف، حيث إن الأزمات الاقتصادية المتتالية رفعت أسعار سلاسل الإمداد الذي يدخل بدوره من ضمن التكاليف، فبالتالي ارتفعت أسعار السلع والخدمات.الأزمات الاقتصادية المتتالية هي الأزمات التي حصلت خلال العامين الماضيين، أزمة كورونا التي ساهمت بشكل كبير في التأثير على الاقتصاد، وتحديدا الأسعار، عن طريق الإغلاقات والقيود المفروضة على السفر وسلاسل التوريد، تليها الحرب الروسية - الأوكرانية، التي عززت الضغوط الاقتصادية وصعّبت عمل الاستيراد والتوريد، وبما أن الكويت تستورد أكثر من 80 بالمئة من السلع، وهذا ما يضعنا تحت ضغط واتجاه أقرب إلى الحدية في التضخم.وفيما يتعلّق بالتضخم الناشئ عن الطلب، فإنّ الأزمتين ساعدتا في زيادة الطلب، وكان الطلب أو الإنفاق نتيجة لكساد السوق في الكويت والعالم أجمع الذي صاحب الأزمة، وهو دليل على فشل اقتصاد السوق الحر في تجاوز الأزمات بنفسه من دون تدخّل، لذلك لم نتأثر كثيراً به. إن تأجيل الأقساط كان سببا مرافقا للإغلاقات في المساهمة بزيادة الطلب على السلع الأساسية والكمالية.ومن جانب آخر، زاد الخوف من تأثير الحرب الأوكرانية على القمح وتوقعات الناس بارتفاع الأسعار لندرتها مستقبلاً من إقبالهم على الشراء بغرض التخزين، وكل ذلك ساهم، بدوره، في ارتفاع الأسعار الحالية.توطين الصناعات
يؤثر التضخم على النمو الاقتصادي بشكل واضح ودقيق، خاصة أن التضخم يعتبر الخطر الأكبر على النمو الاقتصادي، فإحدى طرق الحد من التضخم هو الاتجاه لتوطين الصناعات، وهو ما يهيئ بيئة تنافسية قليلة التكلفة ومنخفضة التضخم، في حين أن الحاجة إلى الاستيراد تقل، مما يؤدي إلى عدم تحمّل المستوردين تكاليف الشحن وغيرها.أسعار النفط
الاقتصاد علم منظم وفوضوي في الوقت ذاته، الأنشطة الاقتصادية وعوامل الاقتصاد ومحركاته تتصادم دائما ويؤدي أحدها للآخر، والنفط أساس الاقتصاد الكويتي تأثيره واضح في ملامح الأزمات الاقتصادية، فالتضخم يتماشى مع تحركات أسعار النفط إن ارتفع أو انخفض.أي ارتفاع في أسعار النفط يؤثر بشكل مباشر على القطاعات المعتمدة في صناعاتها على النفط، على سبيل المثال قطاع النقل، وبعد عودة كل من المصانع والشركات إلى مزاولة العمل بدأ يرتفع الطلب على النفط، مما أدى إلى ارتفاع سعره، وساهمت الحرب الروسية - الأوكرانية في ارتفاع سعره حتى وصل إلى 140 دولارا للبرميل، وذلك رفع بدوره أسعار الشحن وكل السلع، مما أثر على تضخم الكويت، وسيؤثر أكثر كلما زادت أسعار النفط.متلازمة البطالة والتضخم
عند الحديث عن التضخم في أي زاوية من زواياه، لا بدّ من التطرق إلى البطالة، المشكلتان تعتبران من أشهر المشاكل الاقتصادية، التي لا بدّ من إبراز العلاقة بينهما، فكما قلنا، في بداية التقرير، إن التضخم هو ارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات، أو بإمكاننا تعريفه كما عرّفه الاقتصادي جون ماينرد كينز «ظرف اقتصادي لا تؤدي فيه زيادة إضافية في الطلب الكلي إلى زيادة أخرى في الناتج»، باستطاعة الحكومة التدخل لحل هذه المشكلة، إلا أنها ستخلق مشكلة مضادة لها، وهي البطالة.وفيما يتعلق بالبطالة، فقد بلغ معدل البطالة في الكويت عام 2020 أعلى مستوياته، حيث بلغ 6.79 بالمئة، زاد بنسبة 4.38 بالمئة عن سنة 2019، التي بلغ معدل البطالة بها 2.41 بالمئة.ومن الجدول يتبين لنا أن البطالة في الكويت لم تتعد نسبة 3 بالمئة خلال 19 سنة منذ 1991، فكان متوسطها في هذه الفترة يعادل 1.54 في المئة، بحد أدنى قدره 0.7 في الأعوام من 1994 إلى 1999، وبحد أقصى وصل إلى 6.79 بالمئة في سنة «كورونا» 2020.