توجه أعضاء مجلس الأمة إلى الصرف من المال العام لكسب الشعبية وإعادة انتخابهم دون أن يواكب ذلك تقديم مقترحات لتحقيق إيرادات للمال العام هو توجه غير مجد للبلاد، ويضر بمستقبل البلاد والأبناء ضرراً بليغاً.

فالفرحة بزيادة أسعار النفط لا يجوز أن تنُسي الأعضاء أن أسعار النفط ترتفع وتنخفض حسب أوضاع السوق العالمية، وكذلك حسب الأوضاع السياسية، وقد نشر تقرير الشال الأسبوع الماضي قائمة تبين كيف انخفضت أسعار النفط حتى وصلت إلى 8 دولارات و20 دولاراً في بعض السنوات بعد أن كانت 100 دولار قبلها، ثم عاودت الارتفاع بعد سنوات ثم عاودت الانخفاض بعد ذلك، وهكذا مما يؤكد أن الركون إلى سلعة متغيرة الأسعار يعتبر خللاً اقتصادياً كبيراً.

Ad

كما لا يجوز أن ينسينا الارتفاع الحالي لأسعار النفط أن المصروفات العامة ستتصاعد تلقائياً دون أي تدخل من الأعضاء، وذلك نظراً للزيادة الطبيعية في أعداد الكويتيين الذين تشكل أعدادهم مثل الهرم كلما نزلت فيه إلى القاعدة ازداد العدد أكثر فأكثر، وينتظر أن يصل عدد الكويتيين وحدهم إلى نحو مليونين ونصف خلال 15 أو 20 سنة القادمة، ولا بد أن يرافق هذه الزيادة زيادة مثلها في الإيرادات لكي ينعم الأبناء بمستوى المعيشة الحالي نفسه وأفضل منها مثل التعليم والصحة والوظائف والسكن.

ومن الخطأ أيضاً الركون إلى الاحتياطيات أو أملاك الدولة لأنها معرضة أيضاً للصرف والتقلبات المالية والسياسية فقد تلاشت السيولة من الاحتياطي العام عام 2021 بعد أن كانت تزيد على 60 مليار دينار كويتي قبل ذلك بسنوات.

وقد انتبهت بعض المجالس السابقة إلى هذا الأمر الخطير فأقرت بعض القوانين التي تزيد إيرادات الدولة، ففي مجلس 1999 زادت الحكومة ووافق المجلس على نسبة اشتراك الموظف في التأمينات تدريجياً من 5% إلى 7% بعد مطالبة الأعضاء بمزيد من الامتيازات للمتقاعدين.

وعندما طالبنا في المجلس بصرف العلاوة الاجتماعية وعلاوة الأولاد للعاملين في القطاع الخاص بقانون، أضافت الحكومة لهذا القانون إنشاء صندوق توضع فيه حصيلة 2.5% من أرباح الشركات المسجلة في سوق الكويت للأوراق المالية لكي تصرف منه هذه العلاوات، وأيضاً قامت حكومة 2001 بزيادة القيمة الإيجارية للمتر المؤجر من بعض أملاك الدولة من 100 فلس إلى نحو 7 دنانير.

وكذلك قمت شخصياً في المجلس نفسه مع بعض الأعضاء بتقديم قانون الضمان الصحي للوافدين الذي يورد للدولة نحو 150 مليون دينار، وذلك بدعم ومساندة وزارة الصحة والوزير عادل الصبيح والوكيل عبدالرحيم الزيد، رحمه الله، وفي مجلس 2006 تقدمنا بقانون فرض الزكاة على أرباح الشركات المساهمة الذي يورد للدولة نحو 30 مليون دينار، وفي مجلس 2013 تم إقرار زيادة أسعار الكهرباء من فلسين إلى 5 فلوس على القطاعين الاستثماري والتجاري مما يزيد إيرادات الكهرباء وبالتالي الميزانية العامة.

ولكن بعد هذا المجلس توقفت القوانين والاقتراحات الخاصة بزيادة الإيرادات وانهمك المجلسان الأخيران باقتراحات النواب لزيادة المصروفات مما سيؤدي إلى أعباء هائلة على الميزانية السنوية في المستقبل وبالتالي التأثير على معيشة ورفاهية الأبناء والأحفاد.

لذلك يجب أن تتعامل الحكومة ويتعامل المجلس بشكل علمي مع هذا الموضوع، بمعنى أن يعمل على تنويع مصادر الدخل وتقليل الركون على مالية الدولة وأسعار النفط، ويوفر مصادر ذاتية جديدة للدخل، ويزيد كفاءة العمل الحكومي لمنع الهدر، ويمتنع عن أي مصروف ما لم يجد له الإيراد المناسب، بالإضافة إلى واجب الحكومة والمجلس بمكافحة الفساد مما سيؤدي إلى الحفاظ على المال العام ونموه.

وفي فترة المشاورات التي سبقت تشكيل الحكومة الحالية تقدم عدد من النواب والوزراء السابقين والناشطين الاقتصاديين بعدد من الاقتراحات الجيدة التي تؤدي الى زيادة دخل وإيرادات الدولة دون أن تمس جيب المواطن، ولكن للأسف لم يتم حتى الآن إقرار أي اقتراح منها، واستمر الأعضاء في اقتراحات الصرف دون أن يجتهدوا في اقتراح الإيرادات، وإلى الله المشتكى.

● أحمد باقر