بعدما تحولت الحرب، التي توقعت موسكو أن تتوج باستيلاء سريع على العاصمة الأوكرانية كييف، إلى مستنقع مكلف ومحرج، كشف مسؤولون أميركيون أن تبادل الاتهامات و«تصفية الحسابات» بدأ داخل وكالات التجسس والدفاع الروسية.

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن توجيه أصابع الاتهام، الذي شمل اعتقال مسؤول استخبارات روسي رفيع المستوى واحد على الأقل، لا يبدو أنه يشكل أي تهديد مباشر على قبضة الرئيس فلاديمير بوتين الحديدية على السلطة.

Ad

وتحدث مسؤول أميركي عن تقارير «موثوقة» بشأن وضع قائد وحدة استخبارات بجهاز الأمن الفدرالي، مسؤولة عن أوكرانيا، رهن الإقامة الجبرية.

ووفقا للصحيفة، فإن هذا المسؤول هو الجنرال سيرغي بيسيدا رئيس الخدمة الخامسة بجهاز الأمن الفدرالي، والمعروفة أيضا باسم خدمة المعلومات التشغيلية والاتصالات الدولية، ونقلت الصحيفة عن المسؤول الأميركي أن المشاحنات اندلعت بين الأمن الفدرالي ووزارة الدفاع الروسية بشأن التحضير لغزو 24 فبراير.

وكان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) وليام بيرنز أخبر الكونغرس، في وقت سابق من الشهر الجاري، أن بوتين خطط للاستيلاء على كييف في غضون يومين، ما يشير إلى أن الرئيس الروسي كان يتوقع مقاومة ضئيلة.

وبدلا من ذلك، واجهت القوات الروسية هجمات مضادة شرسة، وتوقف تقدمها البري هذا الأسبوع، وسط تزايد عدد القتلى، بينهم 4 جنرالات روس، وتقدر بعض حسابات الإدارة الأميركية أن ما يصل إلى 7 آلاف جندي روسي قتلوا أثناء الحرب، رغم أن مسؤولين يقولون إن هذه التقديرات قد تكون غير مؤكدة.

ويقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن وكالات الاستخبارات الروسية «غالبا ما تخجل من إخبار رؤسائها بالأخبار السيئة، وربما عززت آراء بوتين عن أوكرانيا بشأن انهيار قيادتها بسرعة، وترحيب بعض مواطنيها بالقوات الروسية». وأعلن مسؤول استخباراتي أميركي سابق آخر أن بوتين، وهو رئيس سابق لجهاز الأمن الفدرالي، ساعد في إنشاء الخدمة الخامسة، التي تعمل كذراع استخبارات أجنبية لوكالة الاستخبارات، مضيفا أن هذه الوحدة تتقاسم مسؤولية تمهيد الطريق لغزو أوكرانيا.

S400

في غضون ذلك، أكدت 3 مصادر مطلعة، لـ«رويترز»، أن الولايات المتحدة أثارت بشكل غير رسمي مع تركيا الاحتمال غير المرجح بإرسال أنظمة دفاع صاروخي روسية الصنع من طراز S400 إلى أوكرانيا، لمساعدتها في محاربة القوات الروسية الغازية.

وقالت المصادر إن المسؤولين الأميركيين طرحوا الاقتراح على نظرائهم الأتراك الشهر الماضي، لكن لم يتم تقديم طلب محدد أو رسمي، مضيفة أن هذا الاقتراح نوقش بشكل مقتضب خلال زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان لتركيا في وقت سابق من هذا الشهر.

وطلبت إدارة الرئيس جو بايدن من الحلفاء الذين يستخدمون معدات وأنظمة روسية الصنع، بما في ذلك S300 وS400، التفكير في نقلها إلى أوكرانيا.

وقالت مصادر ومحللون أتراك إن أي اقتراح من هذا القبيل لن يكون مجديا لتركيا، مشيرين إلى مشكلات تتراوح بين العقبات الفنية المتعلقة بتركيب وتشغيل S400 في أوكرانيا ومخاوف سياسية مثل رد الفعل الذي من المرجح أن تواجهه أنقرة من موسكو.

وذكر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن روسيا وأوكرانيا تقتربان من التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا «المهمة»، وأوشكتا على الاتفاق على بعض الموضوعات، وعبر عن أمله إعلان وقف النار إذا لم يتراجع الجانبان عن التقدم الذي حققاه نحو التوصل إلى اتفاق.

ضغوط على الصين

وتتزايد الضغوط على الصين للتخلي عن حيادها، وغداة تحذير الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الصيني شي جينبينغ يوم الجمعة، من «عواقب» إذا قدمت بلاده دعما ماديا للغزو الروسي، حض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في حوار مع صحيفة صنداي تايمز، أمس، الصين على التخلي عن حيادها، والانضمام إلى المجتمع الدولي في إدانة الهجوم.

وكان ميخالو بودولياك، مستشار الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي، وأحد المشاركين في المفاوضات مع موسكو، دعا الصين إلى أن «تكون جزءا مهما من نظام الأمن العالمي»، وأن تتخذ «القرار الصحيح لدعم تحالف الدول المتحضرة وإدانة الهمجية الروسية».

في المقابل، بدأت لهجة بكين المتحفظة تتغير، فقد قال نائب وزير الخارجية الصيني لي يوتشينغ إن «حلف الناتو كان يجب أن يتفكك ويدرج في التاريخ جنبا إلى جنب مع حلف وارسو»، مشددا على أن «محاصرة دولة كبرى، لا سيما قوة نووية في زاوية، سيترتب عليه تداعيات مروعة جدا، بحيث لا يمكن التفكير فيها».

ودافع وزير الخارجية الصيني وانغ يي عن موقف بلاده، معتبرا أنه يتماشى مع رغبات معظم الدول، وأن بكين تقف مرة جديدة على الجانب الصحيح من التاريخ.

الوضع الميداني

ميدانيا، أكدت روسيا أمس أنها استخدمت صواريخ «كروز» من سفن في البحر الأسود وبحر قزوين، وأطلقت صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت من المجال الجوي لشبه جزيرة القرم، لتدمير مخازن وقود للجيش الأوكراني في منطقة ميكولاييف بجنوب البلاد.

وأكد الناطق باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف أن «صواريخ كروز من طراز كاليبر أطلقت من مياه البحر الأسود على مصنع نيجين الذي يقوم بإصلاح العربات المدرعة الأوكرانية التي تضررت خلال القتال»، مضيفا أنه تم أيضا إطلاق صواريخ «كاليبر» من بحر قزوين وصواريخ «كينجال» (الخنجر بالروسية) البالستية، والتي تفوق سرعتها سرعة الصوت، من المجال الجوي لشبه جزيرة القرم لتدمير منشأة مهمة لتوفير الوقود للدبابات الأوكرانية.

وفي بيان منفصل، أكد كوناشينكوف أن «صواريخ عالية الدقة أصابت مركز تدريب للقوات الخاصة الأوكرانية في منطقة جيتومير على بعد 150 كيلومترا غرب كييف»، مشيرا إلى أن «أكثر من 100 من القوات الخاصة الأوكرانية والمرتزقة الأجانب قتلوا» في الضربة.

في غضون ذلك، قال مسؤولو مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية على بحر آزوف في جنوب شرقي أوكرانيا إن القوات الروسية قصفت مدرسة ماريوبول للفنون، لجأ إليها 400 شخص من النساء والأطفال وكبار السن، مشيرين إلى أن «الأشخاص مازالوا تحت الأنقاض». ولم تتوقف الضربات في العاصمة كييف وفي ميكولاييف بالجنوب، وخاركيف المدينة الكبيرة الناطقة بالروسية في شمال غربي البلاد، حيث لقي ما لا يقل عن 5 حتفهم في المدينة عقب قصف مبنى مؤلف من عدة طوابق.

وبعدما ركز الغزو الروسي في الغالب على المناطق الشمالية والجنوبية والشرقية من أوكرانيا، أفاد مكتب الرئاسة، نقلا عن الجيش، بأن أوكرانيا ترى أن هناك خطرا كبيرا يتمثل في شن هجوم من بيلاروسيا على منطقة فولين غرب البلاد، وأعلنت أوكرانيا إيقاف حركة القطارات مع جارتها بيلاروسيا.

وقال زيلينسكي لشبكة CNN: «أعتقد أنه من دون مفاوضات لا يمكننا إنهاء الحرب» مبدياً استعداده للحوار مع بوتين، ومضيفا: «إذا كانت هناك فرصة 1 بالمئة فقط لنوقف هذه الحرب، فأعتقد أننا بحاجة إلى اغتنامها».

كما حذّر من أنه إذا فشلت محاولات التفاوض، فهذا يعني «حرباً عالمية ثالثة».

انتقادات لجونسون لمقارنته أوكرانيا بـبريكست
تعرّض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للانتقادات بعدما قارن الشعب الأوكراني، الذي يقاوم الغزو الروسي، بالبريطانيين الذين صوتوا لمصلحة خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي «بريكست».

وقال جونسون، في خطاب ألقاه أمام مؤتمر الربيع لحزب المحافظين في مدينة بلاكبول، أمس الأول، إن «البريطانيين مثل الأوكرانيين، لديهم غريزة اختيار الحرية»، واستشهد باستفتاء عام 2016 الخاص بخروج بريطانيا أو بقائها ضمن الاتحاد الأوروبي كـ»مثال حديث».

وأضاف: «عندما صوت الشعب البريطاني لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثل هذه الأعداد الكبيرة، لا أعتقد أن السبب في ذلك هو أنهم كانوا معادين للأجانب، بل لأنهم أرادوا أن يكونوا أحراراً في فعل الأشياء بشكل مختلف، وأن يكون هذا البلد قادراً على إدارة نفسه».

لكن تصريحات جونسون، التي تهدف إلى حشد أتباع حزب المحافظين، أثارت انتقادات من الشخصيات السياسية في المملكة المتحدة وأوروبا.

فقد وصفها الرئيس السابق للمجلس الأوروبي دونالد تاسك، بـ«المهينة» وقال:«بوريس، كلماتك تسيء إلى الأوكرانيين والبريطانيين»، بينما اعتبر غاي فيرهوفشتات، رئيس الوزراء البلجيكي السابق الذي كان كبير مفاوضي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في البرلمان الأوروبي، إن المقارنة كانت «جنونية».

أما عضو مجلس اللوردات عن حزب المحافظين غافين بارويل، فأوضح أن الاستفتاء لم يكن «بأي صورة يمكن مقارنته بأناس تتعرض حياتهم للمخاطر في حرب».

بدوره، وصف زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار السير إد دافي، رئيس الوزراء بأنه «يحرج الوطن»، مضيفاً أن «مقارنة الاستفتاء بالنساء والأطفال الفارين من قنابل بوتين هو إهانة لكل أوكراني. إنه جونسون ليس تشرشل، إنه مثل الممثل الكوميدي الساخر باسيل فولتي».

من ناحيته، قال اللورد بارويل، الذي شغل منصب كبير موظفي رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، «بصرف النظر عن الجزء الذي لا يمكن فيه مقارنة التصويت في استفتاء حر ونزيه بالمخاطرة بحياتك للدفاع عن بلدك ضد الغزو، والحقيقة المحرجة أن الأوكرانيين يقاتلون من أجل حرية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن هذه المقارنة تحدث ضجة».

ومن بين الذين انتقدوا تعليقات جونسون، النائب المحافظ، توباياس إلوود، رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان، الذي قال «إن مقارنة حرب الشعب الأوكراني ضد طغيان بوتين بالشعب البريطاني الذي يصوت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يضر بمعايير فن الحكم التي بدأنا نظهرها».

باتروشيف... الرجل الذي يهمس في أذن بوتين
يقف وراء تمسك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستمرار الحرب التي يشنها ضد أوكرانيا مستشارون مقربون منه، أبرزهم سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، وفق ما أورده تقرير نشرته صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

وبحسب ما نقلته الصحيفة عن مصادر استخبارية، فإن قرار روسيا إعلان الحرب على أوكرانيا ساهم فيه بشكل واضح باتروشيف، الذي تحدث هاتفيا مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الاسبوع الماضي.

وأضاف التقرير أن «واشنطن تعرف أن إيصال رسائلها إلى باتروشيف يعني وصولها بالضرورة إلى فلاديمير بوتين، فرئيس الكرملين ورئيس مجلس الأمن الروسي يتعايشان بشكل رائع أيضا، وعلاقتهما الوطيدة تعود إلى زمن بعيد».

وأشار إلى أن «الرجلين يتشاركان العمر نفسه، والبلدة، والدراسة، والماضي نفسه في الكي جي بي».

وتعتبر المخابرات الأميركية، بحسب ما ورد في «لوفيغارو»، أن باتروشيف الذي ولد في بطرسبورغ (لينينغراد سابقا)، هو عضو في الأجهزة الأمنية منذ عام 1974، ويقال إن باتروشيف هو من «اكتشف» بوتين.

وليس من قبيل المصادفة أنه بمجرد وصوله إلى السلطة، عيّنه بوتين في منصب الرجل الثاني في القيادة، عندما تولى السلطة في عام 1999، ثم عينه سكرتيرا لمجلس الأمن الروسي عندما خلف ديمتري ميدفيديف في عام 2008.

وأضاف التقرير أن باتروشيف لم يكن أبدا مهووسا بالسلطة، فقد كان شغوفا بالسباحة الحرة، ولكن قبل كل شيء بالكرة الطائرة (وهي رياضة يمارسها أربع مرات في الأسبوع)، لكن هذا لا ينتقص من حقيقة أنه من جميع النواحي، كما قال الخبير البريطاني مارك غاليوتي، «الرجل الأكثر روعة في روسيا»، وهو بحسب عدد من الخبراء الرجل الذي يهمس في أذن بوتين لاتخاذ أي قرار.

ووصف تقرير «لوفيغارو» باتروشيف بأنه من الصقور المؤثرة في محيط الكرملين، والرجل الذي يثق به بوتين بالكامل، وهو بحكم الأمر الواقع مستشار الأمن القومي الذي يشارك ويشكل ويفسر نظرة بوتين للعالم، وأيضا واحد من القلائل، إلى جانب وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، الذين كانوا على دراية بنيّة رئيس الكرملين شن هجوم في أوكرانيا.