هل ينجرّ بايدن إلى حرب بوتين؟
ألقى الرئيس الأوكراني المحاصر فولوديمير زيلينسكي خطاباً قوياً عبر الفيديو أمام الكونغرس الأميركي، يوم الأربعاء الماضي، فكرر نقاطاً من خطاب رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل في زمن الحرب أمام القاعة نفسها ودعا الأميركيين إلى تذكّر صدماتهم الماضية، بدءاً من هجوم "بيرل هاربر" وصولاً إلى اعتداء 11 سبتمبر 2001، حتى أنه تحدى الرئيس الأميركي جو بايدن ودعاه إلى إثبات حسّه القيادي فيما تخوض أوكرانيا معركة وجودية ضد عدو مُصِرّ على إبادتها.أكدت مواقف زيلينسكي البليغة على الوضع الجيوسياسي الشائك الذي يتعامل معه بايدن اليوم، فمن جهة، يواجه بايدن معتدياً وحشياً على الطرف الآخر من المحيط الأطلسي، فقد هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإطلاق حرب نووية إذا تدخلت الولايات المتحدة أو حلف الناتو في أوكرانيا مباشرةً، ومن جهة أخرى، يتعرض بايدن لضغوط متزايدة كي يساعد أوكرانيا في حربٍ تُنشَر تفاصيلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفيديوهات ونشرات الأخبار الليلية حيث يُعتبر زيلينسكي، صاحب الكاريزما العالية والممثل التلفزيوني السابق، نجمها الأول.خاطب بايدن الأمة بعد كلام زيلينسكي يوم الأربعاء، فأعلنت الإدارة الأميركية تقديم مساعدات أمنية جديدة بقيمة 800 مليون دولار، بالإضافة إلى حزمة المئتَي مليون التي تم إعلانها في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، قال بايدن أيضاً إن الولايات المتحدة وحلف الناتو يحاولان مساعدة أوكرانيا لاكتساب أنظمة صاروخية طويلة المدى من دون تحديد تفاصيل هذه الخطوة، وعبّر الرئيس الأميركي عن التزامه بزيادة الأسلحة والمعدات الموجهة إلى أوكرانيا، بما في ذلك 800 نظام مضاد للطائرات و9 آلاف نظام مضاد للمدرعات، لكن أصرّ بايدن في المقابل على معارضة فرض الحظر الجوي ونقل الطائرات المقاتلة.
في غضون ذلك، حاولت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، جين بساكي، ضبط الوضع عبر الإعلان عن توجّه بايدن للتوقيع على مشروع قانون شامل يتضمن مساعدات بقيمة 13.6 مليار دولار، وقد صادق الرئيس على حُزَم من المساعدات الأمنية للحالات الطارئة لمنح أوكرانيا أنواع الأسلحة التي تبرع في استعمالها اليوم دفاعاً عن البلد، منها مضادات المدرعات وأسلحة الدفاع الجوي، وأكدت بساكي أيضاً على التوجه إلى تشديد العقوبات المفروضة على حلفاء بوتين الأوليغارشيين في روسيا، بما في ذلك مصادرة اليخوت في الخارج. زادت خطورة المأزق السياسي الذي يواجهه بايدن نتيجة المقاربة الخجولة التي طبّقها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حين كان بايدن نائبه، فقد رفض أوباما مراراً التعامل بصرامة مع بوتين بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات محدودة على روسيا حينها واستهدف بعضها قطاعات الطاقة والدفاع والمال، لكنها استخفت بالتهديدات التي تطرحها موسكو.لكن قد تُغيّر فصاحة زيلينسكي في الكلام هذه الحسابات كلها، فلم يكتفِ الرئيس الأوكراني في خطابه بالمطالبة بمعدات دفاعية إضافية بل دعا إلى فرض العقوبات على جميع السياسيين والمسؤولين الروس الذين لم يستنكروا علناً غزو بوتين، حتى أنه ناشد أعضاء الكونغرس إغلاق الموانئ الأميركية في وجه السلع الروسية كلها ومطالبة مختلف الشركات الأميركية بمغادرة السوق الروسي فوراً لأنه "مغمور بدماء الأوكرانيين" كما قال زيلينسكي.ربما تكمن أفضل آمال بايدن في قوة المقاومة الأوكرانية وقلة كفاءة روسيا، وتزامناً مع وصول الغزو المكثف إلى طريق مسدود بعد ثلاثة أسابيع على بدء الحرب، رغم اقتراب الوحدات الروسية من كييف وقتل المدنيين في ماريوبول، بدأت الجهود الدبلوماسية تتصاعد، فكان لافتاً ألا يُعبّر زيلينسكي عن رغبته في الانضمام إلى حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي في خطابه الأخير أمام الكونغرس، وهو مطلب روسي أساسي لتشجيع موسكو على وقف الحرب.