قالت محكمة التمييز، إنه «من المقرر في - قضاء هذه المحكمة - أن حق الالتجاء إلى القضاء هو من الحقوق العامة التي تثبت للناس كافة، ولكل مواطن الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي يحتمي به تمسكا، أو ذودا عن حق يدعيه لنفسه. والمحاكم هي صاحبة الولاية العامة للقضاء، فتختص بالفصل في كل المنازعات أيا كان نوعها وأيا كان أطرافها ما لم يكن الاختصاص بالفصل فيها مقررا بنص في الدستور أو القانون لجهة أخرى استثناء لعلة أو لأخرى وأي قيد يضعه المشرع للحد من اختصاص القضاء ولا يخالف الدستور يعتبر استثناء واردا على أصل عام، ومن ثم يجب عدم التوسع في تفسيره».

وأضافت: «كما انه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مفاد الفقرة الثانية من المادة 153 من قانون المرافعات أنه في الطعن بالتمييز يجوز للخصوم - كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة ولمحكمة التمييز - إثارة الأسباب المتعلقة بالنظام العام ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع، أو في صحيفة الطعن متى توافرت عناصر الفصل فيها من الوقائع والأوراق التي سبق عرضها على تلك المحكمة، وأن مسألة الاختصاص الولائي هي من النظام العام عملا بالمادة 78 من ذات القانون، ولذا فإنها تعتبر قائمة في الخصومة ومطروحة دائما على المحكمة تقضي فيها من تلقاء ذاتها، ويجوز الدفع بها من كل ذي مصلحة في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة التمييز».

Ad

إنهاء خدمات الموظفين

ولفتت المحكمة إلى أن المادة الأولى من المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 1981 بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية نصت على أن «تنشأ بالمحكمة الكلية دائرة إدارية تشكل من ثلاثة قضاة وتشتمل على غرفة أو أكثر حسب الحاجة، وتختص دون غيرها بالمسائل الآتية، وتكون لها فيها ولاية قضاء الإلغاء والتعويض، أولا: .....، رابعا: الطلبات التي يقدمها الموظفون المدنيون بإلغاء القرارات الصادرة بإنهاء خدماتهم أو بتوقيع جزاءات تأديبية عليهم .....».

وبينت أن «المادة الخامسة من القانون تنص على أن تكون للدائرة الإدارية وحدها ولاية الحكم بإلغاء القرارات الإدارية المشار اليها في البنود ثانيا وثالثا ورابعا وخامسا في المادة الأولى، كما تكون لها وحدها ولاية الحكم في طلبات التعويض عن الأضرار الناشئة عن تلك القرارات، سواء رفعت بطريقة أصلية أو تبعية، وتنص مادته السادسة عشرة على أن «يلغى كل نص يتعارض مع أحكام هذا القانون».

وتنص المادة الثانية من القانون المدني على أن:

1- لا يلغي التشريع الا بتشريع لاحق ينص على ذلك صراحة على الغائه، أو يتضمن حكما يتعارض معه.

2- وإذا صدر تشريع ينظم من جديد موضوعا كان ينظمه تشريع سابق، الغى كل ما أورده هذا التشريع من أحكام.

وتنص المادة (60) من القانون رقم 30 لسنة 1964 بشأن إنشاء ديوان المحاسبة على أن «تختص بالمحاكمة التأديبية عن ارتكاب المخالفات المالية المنصوص عليها في المادة (52) من هذا القانون هيئة يكون تشكيلها على الوجه الآتي: أ- بالنسبة للموظفين الذين يشغلون أعلى درجة من درجات الحلقة الثانية فما فوقها تشكل الهيئة من، رئيس إدارة الفتوى والتشريع (رئيسيا)، ووكيل ديوان المحاسبة، ووكيل وزارة المالية والصناعة (عضوين) ومستشار بإدارة الفتوى والتشريع، ووكيل ديوان الموظفين.

ب - وبالنسبة لغير من ذكروا في البند (أ) تشكل الهيئة من، وكيل إدارة الفتوى والتشريع (رئيسا)، ووكيل ديوان المحاسبة المساعد، ومستشار مساعد بإدارة الفتوى والتشريع (عضوين)، ومندوب من وزارة المالية والصناعة، ومندوب من ديوان الموظفين. ولا يجوز أن تقل درجة أي من هذين العضوين الأخيرين عن درجة الموظف المحال للمحاكمة.

وعند غياب رئيس الهيئة أو أحد أعضائها في أي من التشكيل أو قيام مانع لديه يحل محله من يقوم مقامه طبقا لنظام الجهة التي يتبعها. وتنص المادة (64) من ذات القانون على أن «تصدر قرارات الهيئة مسببة وتوقع من رئيس الهيئة وأعضائها»، وتنص المادة (65) من ذات القانون على أن «قرارات الهيئة نهائية سواء كانت غيابية او حضورية. على أنه يجوز للديوان ولذوي الشأن الطعن فيها بالطريق المقرر للطعن في القرارات الإدارية بطلب إلغائها أو التعويض عنها في وجه من أوجه مخالفتها للقانون وذلك خلال ستين يوما من تاريخ العلم بها».

القضاء الإداري

وحيث إن المشرع عهد بالقضاء الإداري إلى دائرة تخصص لهذا الغرض في المحكمة الكلية، وحدد قانون إنشائها المسائل التي تختص بها، وكلها تتعلق بشؤون الموظفين المدنيين العاملين في أية جهة حكومية سواء أكانت احدى الوزارات أو مؤسسة أو هيئة عامة، وأن إلغاء التشريع يتم بنص صريح يتضمنه تشريع لاحق، ويتحدد الإلغاء وفقا للنص الذي يقرره فقد يكون الإلغاء شاملا أو جزئياً وقد يكون هذا الإلغاء إلى غير بدل يحل محل النص الملغى، وقد يكون إلى بدل، وقد يأتي إلغاء التشريع ضمنياً، وهو ما يتحقق في صورتين أولاهما أن يصدر تشريع جديد يتضمن نصه يتعارض مع نص في تشريع قديم وفي هذه الحالة يقتصر الإلغاء على النص القديم في حدود ما يتحقق به التعارض، والأخرى أن يصدر تشريع ينظم من جديد تنظيما كاملا موضوعه كان ينظمه تشريع سابق، وفي هذه الحالة يقتصر الإلغاء على النص القديم في حدود ما يتحقق به التعارض. كما أنه من المقرر - في قضاء المحكمة الدستورية - أن العمل القضائي يصدر بعد ادعاء مخالفة القانون، ويفصل فيه من هيئة تتوافر في أعضائها ضمانات الحيدة والاستقلال - ليست طرفا في النزاع المعروض عليها - عهد إليها بسلطة الفصل في خصومة قضائية بقرارات حاسمة ودون اخلال بالضمانات الأساسية التي تقوم في جوهرها على اتاحة الفرصة لتحقيق دفاع أطرافها، وتمحيص ادعاء اتهم على أساس قاعدة قانونية نص عليها المشرع، وكانت هذه الخصائص لا تتوافر فيما تصدره جهة الإدارة من قرارات إدارية بتوقيع جزاءات في مخالفات ذات طبيعة إدارية، ذلك لأن جهة الإدارة التي توقع الجزاء تعتبر طرفاً في هذا الأمر، كما أن قرارها الصادر في هذا الصدد لا يحسم خصومة بين طرفين متنازعين، وبالتالي فإن تصرفها أو عملها الإداري في هذا المساق لا يندرج في مفهوم الخصومة التي ترتبط سلامة تنظيمها - في المجال الدستوری - باستيفائها ما يلزم توافره في الخصومة القضائية بصفة عامة من ضمانات أساسية يقررها الدستور، ومتى كان ذلك، وكانت الهيئة التأديبية المنصوص عليها في قانون إنشاء ديوان المحاسبة هي بحكم تشكيلها وبحسب طبيعة عملها لا تعدو كونها لجنة إدارية -حسبما نصت عليه صراحة المادة (65) من القانون سالف الذكر - وتنحسر عنها الصفة القضائية، ولا تباشر عملا من أعمال الخصومة القضائية، وما تقوم به لا يتسم بطبيعة العمل القضائي، أو يصطبغ بالصبغة القضائية، بل محض قرار اداری ما فتئ خاضعاً للرقابة التي يباشرها القضاء الإداري ليحكم تقديره ويقسط ميزانه وينزل حكم القانون عليه إعمالا لولايته في إطار مبدأ المشروعية.

قانون المحاسبة

وحيث إنه ولئن كان قانون ديوان المحاسبة قد أجاز للديوان ولذوي الشأن الطعن فيما يصدر عن هيئة المحاكمات التأديبية المشكلة وفقاً لأحكام هذا القانون من قرارات تأديبية بالطريق المقرر للطعن في القرارات الإدارية بطلب إلغائها أو التعويض عنها في وجه من أوجه مخالفتها للقانون وذلك خلال ستين يوماً من تاريخ العلم بها، ومن ثم كان يجوز وفقاً لأحكام هذا القانون لرئيس ديوان المحاسبة الطعن على ما يصدر من هيئة المحاكمة التأديبية من قرارات بطرق الطعن المقررة قانوناً أسوة بالأفراد، لكن لما كان قد صدر القانون رقم 20 لسنة 1981 بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية النظر المنازعات الإدارية - وهو قانون لاحق لقانون ديوان المحاسبة - أنشأ المشرع بمقتضاه بالمحكمة الكلية دائرة معينة خصها دون غيرها بنظر المنازعات الإدارية المنصوص عليها في تلك المواد، وهي الأمور المتعلقة بشؤون الموظفين المدنيين التي أوردتها والطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية -عدا ما استثنى منها- وكذا طلبات التعويض الناشئة عن هذه المسائل، ولازم ذلك ومقتضاه أن اختصاص الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية ومن بعدها محكمة الاستئناف لا ينعقد إلا حيث تكون المنازعات المعروضة من بين المنازعات الإدارية المنصوص عليها في المواد سالفة الذكر باعتبار هذا الاختصاص اختصاصاً نوعياً أما ما عداها من أقضية فلا تختص بها تلك الدائرة، ولما كانت هذه الدائرة تختص فقط بالنظر في طعون الأفراد والموظفين المدنيين الصادرة بتوقيع الجزاءات التأديبية، ولم يتضمن اختصاصها طعون رئيس ديوان المحاسبة فيما يصدر عن هذه الهيئة من قرارات - تأديبية بإدانة الموظف المحال إليها أو ببراءته، باعتبار أن ما يصدر عن هذه الهيئة من قرارات يعتبر صادراً عن لجنة إدارية ذات اختصاص تأديبي طبقاً لقانون إنشائها، وإنه ولئن كانت هذه الهيئة تتمتع بالاستقلال من حيث تشكيلها من جهات مختلفة لتكون بمنأى عن رؤساء الجهات الإدارية لتقوم بمحاكمة الموظفين المحالين إليها الذين يرتكبون مخالفات مالية، لكنها تظل تابعة لديوان المحاسبة سيما أنه لم يصدر قانون خاص بها، ولا تتمتع بالشخصية القانونية الاعتبارية المستقلة وتستفذ ولايتها بإصدار قرارها بإدانة أو براءة الموظف المحال إليها. ولما كانت الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية وفقاً لأحكام قانون إنشائها تختص بالقرارات المحددة بالمادة الأولى من القانون على سبيل الحصر والتحديد، وقد ورد هذا الاختصاص على سبيل الاستثناء، وكان الاستثناء لا يقاس عليه، أو يتوسع فيه ولما كانت الدعوى - مدار الطعن الماثل - تتعلق بقرار تأديبي صادر عن هيئة المحاكمة التأديبية ببراة المطعون ضدها، وقد تم الطعن في هذا القرار من رئيس ديوان المحاسبة، ولما كان هذا القرار لا يصلح أن يكون محلاً لدعوى الإلغاء وفقاً للمفهوم القانوني المحدد في القانون رقم 20 لسنة 1981 سالف الذكر إلا إذا كانت الدعوى مرفوعة من الصادر بشأنه قرار الجزاء التأديبي ولا يحق للمطعون ضده الأول (بصفته) أن يكون في مركز رافع الدعوى طعن على قرار إداري صادر عن هيئة المحاكمة التأديبية وبحسبان أن هذا القرار ينفذ مواجهة الجهة الإدارية التي أصدرته وفي مواجهة المخاطبين به ومن ثم فإن الدعوى لا تدخل في الاختصاص الولائي للدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية، وإذ لم تلتزم محكمة الاستئناف بدائرتها الإدارية هذا النظر، وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي الصادر من الدائرة الإدارية والفاصل في موضوع الدعوى بما ينطوي على قضاء ضمني باختصاصها حالة كونها غير مختصة ولائية فإن حكمها المطعون فيه يكون معيباً بمخالفة القانون مما يوجب تمييزه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.

وحيث انه عن موضوع الاستئناف رقم 1878 لسنة 2018 إداري طعون موظفين/2 فلما كان صالحاً للفصل فيه، ولما تقدم وكان الحكم المستأنف قد قضى في موضوع الدعوى بما ينطوي على قضاء ضمني باختصاصها حالة كونها غير مختصة ولائية بنظر الدعوى، فإن حكمها المطعون فيه يكون معيباً بمخالفة القانون، متعيناً الحكم بإلغائه والقضاء مجدداً بعدم اختصاص الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية ولائياً بنظر الدعوى.

● حسين العبدالله