في مشهد مهيب، شيّعت الكويت، أمس، جثمان الراحل النائب الأسبق عبدالله النيباري، إذ ووري الفقيد الثرى في مقبرة الصليبيخات، بحضور جموع غفيرة من كبار المسؤولين والنواب الحاليين والسابقين والوزراء وممثلي القوى السياسية وجمع غفير من المواطنين.

وقال رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت محمد الصقر، في كلمة له خلال مراسم التشييع، رحم الله عبدالله النيباري وأسكنه الجنة، مضيفا "إنني عاشرت الفقيد كصديق وسياسي وبرلماني، وكان يعطينا دروسا في الصدق والأمانة والمواقف الصلبة، حيث كان من القلائل الذين يحترمون أنفسهم ومواقفهم والشعب الكويتي".

Ad

واستذكر الصقر مواقف الراحل، لاسيما في مجلس 1970، مشيرا إلى أن جميع مواقفه المحلية والاقليمية والدولية ترفع "الرأس".

ومن جهته، عبر رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون عن حزنه الشديد لفقد الكويت قامة كبيرة مثل عبدالله النيباري، قائلا إن الحديث عما قدمه للكويت لا يمكن أن يحصى.

وأضاف السعدون أن من أبرز ما يمكن الحديث عنه دور الفقيد في قضية تأميم النفط، حيث كان له دور كبير وواسع في قيادة مجموعة من زملائه، لافتا الى أنه كان شاهدا على الحديث الذي دار بين النيباري ووزير المالية بشأن هذه القضية.

بدوره، قال الوزير السابق عبدالله الرومي إن "الكويت خلال هذا الشهر فقدت قامات وطنية صدقوا وطنهم وقسمهم وعملهم، أمثال د. أحمد الخطيب وعبدالله النيباري، ومن سبقهم من المخلصين لوطنهم، ولي الشرف أني عاصرتهم".

وأضاف الرومي: "نصيحتي لكل نائب أن يحتذي بهم في أدائهم، وما أحوج الكويت حاليا إلى رجال أمثالهم".

ومن جانبه، وصف النائب السابق ناصر الصانع الرمز الوطني الراحل عبدالله النيباري، بأنه كان من الرجال السياسيين الذين تركوا بصمة في الكويت.

وقال الصانع "كان آخر عهدي به تقديم كتاب لمواجهة الفساد في الكويت، حيث كان النيباري رمزاً للعمل الوطني ومكافحة الفساد، وتعرض لأكثر من محاولة اغتيال لتصديه للفساد".

وذكر أن "للنيباري أدوارا سياسية كثيرة، وكان أخاً كبيراً ذا أسرة عزيزة، وعظّم الله أجر كل أهل الكويت".

بدوره، أعرب النائب يوسف الفضالة عن حزنه الشديد لرحيل النيباري، مضيفاً: "فقدنا قيمة دستورية وقامة سياسية، نسأل الله له الرحمة والمغفرة".

نواب ينعون الفقيد: مُدافع شرس عن المال العام ومناهض صلب للتطبيع

• الغانم: برحيله تطوى صفحة أخرى من صفحات التاريخ الديموقراطي في الكويت

• جوهر: قامة وطنية خسرتها الكويت بعد مسيرة سياسية ناصعة لم تدنّسها المصالح والانتهازية

نعى عدد من النواب، السياسي والبرلماني الأسبق عبدالله النيباري، مشيرين إلى أنه برحيله فقدت الكويت مدافعًا شرسًا عن المال العام، ومناهضًا صلبًا للصهيونية والتطبيع، واصفين الفقيد بـ "القامة الوطنية" التي خسرتها الكويت بعد مسيرة سياسية ناصعة لم تدنسها المصالح والانتهازية.

وأعرب رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، عن بالغ الحزن والأسى لوفاة العم عبدالله النيباري بعد مسيرة حافلة شغل خلالها عضوية مجلس الأمة في دورات عدة.

وقال الغانم: «تلقينا ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة قامة أخرى من قامات العمل الوطني النيباري الذي رحل بعد أيام قليلة من رفيق نضاله الوطني د. أحمد الخطيب».

وأضاف: «برحيله تطوى صفحة أخرى من صفحات التاريخ الديموقراطي في الكويت، وهو الذي حظي بشرف تمثيل الأمة مرارا، وكان خير ممثل للشعب الكويتي».

وتقدّم الغانم بخالص العزاء وصادق المواساة إلى أسرة الفقيد والشعب الكويتي، سائلا الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه جنة النعيم، وأن يلهم ذويه ومحبيه الكثر جميل الصبر والسلوان.

ووصف النائب د. حسن جوهر، عبدالله النيباري بـ "القامة الوطنية" التي خسرتها الكويت بعد مسيرة سياسية ناصعة لم تدنسها المصالح والانتهازية.

وقال جوهر: «رحمك الله يا فارس حماية الثروة الوطنية وصون الدستور والدفاع عن المال العام».

مناهض للصهيونية

من جهته، قال النائب أسامة الشاهين إنه «برحيل النيباري‬ نفتقد مدافعًا شرسًا عن المال العام، ومناهضًا صلبًا للصهيونية والتطبيع؛ رحمه الله تعالى، وخالص التعازي لذويه ومحبيه».

بدوره، تقدّم النائب مهلهل المضف باقتراح برغبة لتسمية أحد مرافق مجلس الأمة باسمه، وتسمية شارع رئيسي باسم النيباري، تخليدا لذكراه ودوره العطر في العطاء تجاه الكويت.

قامة وطنية

من جانبه، أكد النائب خليل الصالح أنه «برحيل النيباري ودعت الكويت قامة سياسية وطنية دستورية، دافعت عن المال العام، وأسهمت في إرساء دعائم العمل البرلماني، وقواعد العمل الوطني المخلص، رحم الله فقيد الكويت، وأسكنه فسيح جناته، وخالص العزاء وصادق المواساة لعائلة النيباري الكريمة».

وتقدّم النائب علي القطان بـ «خالص التعازي للشعب الكويتي بوفاة الرمز السياسي الكبير عبدالله النيباري صاحب البصمة التاريخية في رسم خريطة الكويت السياسية، حيث كان أحد أركان العمل الوطني، وأحد أهم الأسماء التي ستظل عالقة في أذهان الشعب بمختلف أطيافه».

دفع الثمن

‏إلى ذلك، عزى النائب مهلهل المضف الشعب الكويتي وأسرة الرمز الوطني عبدالله النيباري بوفاته، يرحمه الله، قائلا إن الفقيد تصدّى للفساد ودفع الثمن من دمه، وظل لآخر حياته مدافعاً عن الحقوق والحريات السياسية».

وفي السياق، قال النائب أحمد الحمد: «فارقنا أحد الرجال الوطنيين الذين سطروا تاريخا مشرّفا من العمل الديموقراطي والوطني النائب الأسبق عبدالله النيباري، نسأل الله عز وجلّ أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته».

السيرة الذاتية

• الاسم: عبدالله محمد النيباري

• مواليد عام 1936

• حاصل على البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 1961.

• حاصل على دبلوم في الاقتصاد من جامعة أوكسفورد البريطانية عام 1963.

• رئيس إدارة البحوث والرقابة على الصرف بمجلس النقد الكويتي من عام 1964 حتى 1966.

• رئيس وفد الكويت في مفاوضات السوق العربية المشتركة 1964 - 1966.

• عضو مجلس إدارة الاتحاد الكويتي لكرة القدم بين عامي 1965 و1967.

• أمين سر مجلس إدارة شركة البترول الوطنية من عام 1966 حتى 1968.

• عضو مؤسس للجمعية الاقتصادية الكويتية وعضو مجلس إدارتها منذ تأسيسها عام 1970، وتولى رئاسة مجلس الإدارة وأمانة السر في بعض الفترات.

• مدير إدارة التخطيط والاستكشاف بشركة البترول الوطنية منذ عام 1968 وحتى 1971.

• عضو مجلس الأمة في الفصول التشريعية 1971 و1975 و1992 و1996 و1999.

• عضو مؤسس في المنظمة العربية لحقوق الإنسان عام 1983.

• عضو مؤسس للمنبر الديموقراطي الكويتي عام 1991.

• عضو مؤسس لجريدة الطليعة وجمعية الخريجين الكويتية والجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام.

• عضو مؤسس لمجلس إدارة الاتحاد الطلابي بالقاهرة عام 1958.

• مشرف على إصـدار مجلة الاتحاد للطلبة الكويتيين بالقاهرة من عام 1956 حتى 1960.

• عضو بنادي أكسفورد للطاقة ومعهد أكسفورد لدراسات الطاقة.

• عضو مجلس إدارة الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية بالقاهرة.

• عضو منتدى التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي.

• عضو المنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد.

• عضو الجمعية الدولية لاقتصاديات النفط.

• عضو جمعية التنمية الدولية.

• الناطق باسم مؤتمر مقاومة التطبيع مع إسرائيل في الكويت.

النيباري و«الطليعة»... علاقة توأمة

عندما كتب النيباري على صفحات هذه «الجريدة» في مارس 2016 مقالاً يودع فيه صحيفة «الطليعة» بعد 53 عاماً من الصدور، كان مقاله أشبه برسالة وداع لحب استمر طويلاً، وداع لحبيبة تغرق أمامه على وشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهو يقف أمامها متحسراً مكتوف الأيدي، لا يدري ماذا يفعل، ولا بأي حروف يكتب، فأسلم نفسه إلى قلبه وكتب عبارات بدموع القلب قبل العين.

وكيف له ألا يفعل وقد كرّس جزءاً غير قصير من حياته في سبيل إعلاء كلمتها واحترام مادتها وتحقيق غايتها، حتى وصل إلى تولي رئاسة تحريرها، منذ يونيو عام 2005، خلفاً للرمز الكبير الآخر أحمد النفيسي الذي أمضى في رئاسة تحريرها 20 عاماً، ليتركها للنيباري، ويصبح هو رئيساً لمجلس إدارتها.

كان يرى، رحمه الله، أن «الطليعة» لم يؤسسها أشخاص أو أفراد أنانيون ينظرون إلى الربح، بل قامات وطنية عالية، ومع ذلك تكالبت على ذلك الصرح آفات أرادت النيل منه، فلم تحفظ لذلك الميراث الوطني الزاخر والنبل الأخلاقي الذي تركه صديقه سامي أحمد المنيس حقاً، ولم تراعِ له منزلته الواجبة.

كم كان صعباً عليه أن يقف محايداً أو يمسك لسانه عن الجهر بحبه الغامر لـ «الطليعة» التي تشرّب أهدافها، فعاش فيها بروحه، وعاشت فيه بقيمتها ونبلها، لذا كان يرى أن تزكيتها ومدحها إنما هما تزكية ومدح لنفسه هو، لذا استدعى ما قاله عنها صديقه أحمد الديين الذي كتب حينئذ أن «الطليعة» لم تكن شاهدة على هذا التاريخ توثق أحداثه، بل كانت في حقيقة الأمر صانعة لجزء من تاريخ الكويت وعنصراً مؤثراً في تطوره.

واستذكر النيباري لـ «الطليعة» دورها المشهود في قضية رفض اتفاقية العوائد النفطية مع الشركات الأجنبية، ونجاحها في تعبئة الرأي العام ضدها، بحملة إعلامية عنوانها «يا أمة ضحكت»، فضلاً عن مساهمتها البارزة في رفض اتفاقية المشاركة النفطية في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، وصولاً إلى تأميم شركات النفط الأجنبية والسيطرة على القطاع النفطي.

ولم ينسَ النيباري للصحيفة معركتها في الدفاع عن الديموقراطية، وتصديها للقوانين المقيدة للحريات، ووقوفها في وجه تزوير الانتخابات عام 1967، ثم رفضها الانقلاب على الدستور عام 1986، فضلاً عن أنها كانت اللسان المعبِّر عن هموم الطبقة العاملة والفئات الشعبية والداعم الأول للحركة النقابية العمالية الكويتية، وحملها لواء القضية القومية، منتهياً إلى أن «توقفها عن الصدور سيترك فراغاً كبيراً يتجاوز حدود غيابها كصحيفة».

وإذا كان توقف «الطليعة» قد ترك لدى النيباري فراغاً مؤلماً وغرس في نفسه حسرة ولوعة، فها هو نفسه يودعنا ويترك في نفوسنا حزناً وألماً على رحيل قامة وقيمة ورمز وطني قدّم لهذا البلد الكثير.