أكد سمو الشيخ ناصر المحمد، «حرص دولة الكويت أن تبقى حاضنة للثقافة والفنون في هذه المنطقة من العالم، وأن تظل أبوابها مفتوحة أمام أفضل ثقافات العالم، لنتعلم منها ونستفيد»، متمنياً تحقيق المزيد من التعاون الثقافي بين الكويت والدول الفرانكوفونية في السنوات المقبلة»، وأمل في الوقت نفسه «نجاح مباحثات افتتاح فرع لجامعة السوربون في الكويت».

وفي كلمة ألقاها خلال رعايته وحضوره حفل استقبال مساء أمس ، بمقر إقامة السفيرة الفرنسية لدى البلاد كلير لوفليشر، للاحتفال بشهر الفرانكوفونية ومرور 10 سنوات على إنشاء «المعهد الفرنسي في الكويت»، وحضور عدد كبير من السفراء المعتمدين في البلاد، إضافة إلى مشاركة عدد كبير من المواطنين الكويتيين، الذين يتحدّثون الفرنسية، ألقى المحمد كلمة باللغة الفرنسية قال خلالها: «يسعدني أن أشارك بفعاليات اليوم العالمي للفرانكوفونية، كما يسعدني أن أشاطركم الاحتفال بمرور 10 سنوات على مشاركتي لكم في هذه المناسبة، التي انطلقت عام 2012 حتى هذا اليوم ولم تنقطع، كنت خلالها أتابع معكم النجاحات والإنجازات التي حققتها الثقافة الفرانكوفونية في عالمنا العربي، ولعل أبرزها تأسيس معهد العالم العربي في باريس عام 1987، الذي دعت إلى تأسيسه عدة دول عربية، بدعم خاص من الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، والأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه وخادم الحرمين الراحل الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله».

Ad

نجاحات متتالية

وأضاف: «أما على مستوى النجاحات، التي حققناها خلال العقد الماضي، فإن أبرزها استمرار هذا الاحتفال السنوي، بمشاركة مزيد من الدول الأعضاء في المنظمة الفرانكوفونية».

وتابع: «ومن هذه الإنجازات افتتاح معهد الكويت الفرنسي في 2012، بعد دمجه بمعهد فولتير، وافتتاح قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب بجامعة الكويت عام 2014، بالتعاون مع جامعة السوربون الفرنسية، إضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الإعلام الكويتية ورادیو فرانس الدولي RFI عام 2006 لتدريب الكوادر الكويتية، من أجل بث قناة ناطقة باللغة الفرنسية عبر إذاعة الكويت FM، كما تم افتتاح مقر المعهد الفرنسي لعلم الآثار والعلوم الاجتماعية في الكويت عام 2016، وإطلاق وكالة الأنباء الكويتية (كونا) بثها باللغة الفرنسية عام 2017 وساهم كل ذلك بنشر الثقافة الفرانكوفونية».

وقال: «أما على الصعيد الأكاديمي، فما زلنا نأمل نجاح مباحثات افتتاح فرع لجامعة السوربون في الكويت، وكان آخر الإنجازات التي تحققت خلال عام 2021 هو الإعلان عن إنشاء مجلس التعزيز الفرانكوفونية في الكويت، مهمته دعم الأنشطة التي تهدف إلى تقوية استخدام اللغة الفرنسية في البلاد»، معرباً عن سعادته بتسلم رئاسة المجلس الفخرية.

واعتبر أن «انضمام الإمارات وقطر إلى المنظمة الدولية للفرانكوفونية حدثان مهمان، خصوصاً بعد حضورهما كدولتين مشاركتين في المؤتمرات الوزارية للمنظمة، وهو ما نعتبره تطوراً إيجابياً في هذا المضمار، لأن الإمارات وقطر خير من يمثل المنظومة الخليجية في هذا المحفل الدولي»، آملاً «قبول عضوية الكويت كدولة مشاركة، بعدما أعلنت رغبتها في الانضمام إلى منظمة الدول الفرانكوفونية، وقدمت طلباً لتحقيق ذلك، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرص مجلس التعاون لدول الخليج العربي على العلاقات الخليجية ـــ الفرانكوفونية».

توترات وتفاؤل

وإذ تمنى «مزيداً من النجاحات والإنجازات على مستوى التفاعل الثقافي بين الفرانكوفونية واللغة العربية خلال العقد الجاري»، أسف ناصر المحمد «على توقف كثير من الأنشطة الثقافية خلال العامين المنصرمين، إذ لم يشهد تاريخ البشرية كارثة شاملة مثل جائحة كورونا، التي اشتهرت بفيروس كوفيد 19، ذلك الكائن المتناهي الصغر الذي أربك المنظمات الدولية، وأقلق الدول، وعطل برامج الحكومات، واقتحم البيوت، وهدد حياة الأفراد في كل مكان»، مشدّداً على أن «الأنشطة الثقافية في العالم ما زالت مهدّدة بالإعاقة والتراجع، فعالمنا مازال مضطرباً، وإذا كانت جائحة کورونا حرباً عالمية ثالثة لم يستخدم فيها السلاح، فإننا نقف اليوم أمام حرب مسلحة حقيقية جديدة، قد يمتد أثرها إلى بقية أرجاء العالم»، موضحاً أنه «ما كاد العالم يتنفس الصعداء بعد اكتشاف لقاحات ضد كوفيد 19، وبعد التراجع النسبي لمخاطر الجائحة، حتى توترت الأوضاع في العالم، وأصبح السعي لإنجاح المباحثات السلمية هو المطلوب، ولا نريد أي تأخير من شأنه أن يهدد منجزات الحضارة المعاصرة، ويعيد البشرية إلى عصور بدائية».

واسترسل بالقول: «رغم تكاثر الأزمات الدولية في اللحظة الراهنة، فإنني لا أملك إلا التفاؤل في القادم من الأيام، فإن الله كما يخرج النور من الظلمات، وكما يجعل مع العسر يسرا، فإنه سيمنحنا الفرج من بعد الشدة، ومع هذا الاستبشار بالخير، أود أشدد على حرص الكويت أن تبقى محضنة للثقافة والفنون في هذه المنطقة من العالم، وستظل أبوابها مفتوحة أمام أفضل ثقافات العالم، لنتعلم منها ونستفيد»، متمنياً أن يرى مزيداً من التعاون الثقافي بين الكويت والدول الفرانكوفونية خلال السنوات المقبلة.

والد الفرانكوفونية

من ناحيتها، رحّبت السفيرة الفرنسية لوفليشر بحضور «أعداد كبيرة للاحتفال بالفرانكوفونية»، مشيرة إلى أن «هذا العام استثنائي، لأنه بعد عامين من عدم التمكن من الاجتماع، يمكننا أخيراً أن نلتقي معاً للاحتفال بالفرانكوفونية وباللغة الفرنسية».

وأضافت لوفليشر: «كما تعلمون، فإن الكويت بلد محب لفرنسا والفرنسية، بفضل عملكم جميعاً وقبل كل شيء بفضل عمل سمو الشيخ ناصر المحمد، الذي شرفنا بحضوره بيننا، هو والد الفرانكوفونية في الكويت، الذي بدأ أولى الإجراءات لصالحها، منذ الثمانينيات، ولهذا السبب اختاره بالإجماع مجلس تعزيز الفرانكوفونية في الكويت رئيساً شرفياً، كما أود أن أشكره على استثماره والتزامه الثابتين في خدمة الفرانكوفونية».

وخاطبت المحمد قائلة: «أود أن أؤكد أنك محق في اختيارك للغة الفرنسية، وهي لغة غارقة في التاريخ، لكن أيضاً، قبل كل شيء، لغة المستقبل في العالم، إذ إنها اللغة الخامسة في العالم، بعد لغة الماندرين والإنكليزية والإسبانية والعربية، لكنها أيضاً اللغة العالمية الثانية، أي يتم التحدث بها في جميع القارات، تماماً مثل اللغة الإنكليزية».

وأوضحت لو فليشر، أن «الفرانكوفونية هي بالفعل حركة لأنها تتكيف وتثري نفسها بكلمات وتعابير من جميع أنحاء العالم، كما أنها مساحة سياسية واقتصادية واسعة تعزز المشاركة وتبادل الأفكار والمعرفة وتحمل قيماً عالمية مشتركة تدعو إلى السلام، والوصول إلى التعليم للجميع، واقتصاد قائم على المشاركة والتنمية المستدامة».

أضافت: «لقد فهمت الكويت هذا الموقف في وقت مبكر جداً وراهنت على تدريس اللغة الفرنسية منذ عام 1966، عندما تم إدخال الفرنسية في النظام المدرسي. منذ ذلك الحين، ودون أي انقطاع، يدرس طلاب المدارس الثانوية في الفصول الأدبية اللغة الفرنسية كل عام، لذلك أود أن أهنئهم وأن أشكر وزارة التربية الوطنية والمفتشية العامة لتعليم اللغة الفرنسية، اللذين يواصلان، معاً، إحياء هذه اللغة، التي باتت الثالثة التي يتم تدريسها في الكويت، وهي علامة على العلاقات القوية والدائمة بين بلدينا».

المحمد يستشهد بماكرون: نحن في حرب صحية

استشهد ناصر المحمد بما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطاب متلفز يوم الاثنين 16 مارس 2020: «نحن في حرب صحية. إذ لم يفرق هذا الفيروس بين دول عظمى وغير عظمی، ولا بين مجتمعات متطوّرة ومجتمعات نامية، حتى أضحت الحضارة المعاصرة في بداية الجائحة مذهولة بسبب عجزها أمامه، رغم كل التقدم العلمي والتكنولوجي الذي حققته في المجال الصحي».

وتابع: «واكتشف العالم كله ضرورة التكاتف والتعاون للحفاظ على جنسنا البشري، خصوصاً بعدما جسدت جائحة كورونا مقولة أن العالم قرية صغيرة، إذ لم يمنع إصابة أفراد في مدينة صينية هذا الفيروس من انتقاله إلى كل أرجاء الكرة الأرضية. وقد أصبحت المحافظة على عالمنا مسؤولية مشتركة، يتساوى فيها الصغير والكبير، وبرزت على السطح ضرورة الالتزام بمنظومة أخلاقية في المجال العلمي تقي البشرية من أبحاث تقود إلى الدمار الشامل، فالعلم هبة من الله للبناء وليس للهدم، والسباق نحو السيطرة يجب أن يلتزم بحدود أخلاقية».

● ربيع كلاس