ميزان الجمر والكبريت ‎‎

يحكى أن تاجراً كويتيا أراد أن يوظف فتى يعرفه فدعاه إلى بيته عشاء، فأتاه الشاب وجلس قرب "دوة النار" أو المدفأة وانتظر مستعداً أن يختبره التاجر ليعرف خبرته وكفاءته، لكن التاجر اكتفى بالسلام فقط مع تقديم واجب الضيافة له، ومع طول الانتظار أخرج الشاب سيجارة وأشعلها بعود من علبة كبريت كان يحملها في جيبه، وتجرأ بعدها على سؤال التاجر عما يريده منه في حال أراد توظيفه نظر التاجر طويلا نحو الشاب، وقال له بهدوء: "لا يا ولدي ما فيه نصيب ما أقدر أوظفك ما تنفعني".

ذُهل الشاب من جواب التاجر، وتذكر أنه هو من دعاه لمناقشة أمر التوظيف، وهو أيضا لم يسأله عن شيءٍ أبدا لكي يغير رأيه ويرفضه! فسأله عن سبب رفضه، فرد التاجر: أنت أشعلت سيجارتك بعود كبريت دفعت ثمنه في حين كان الجمر أمامك متاحا طوال الوقت، وهذا التصرف رغم صغره يدل على سوء تصرفك وتبديدك لما هو متاح، ولا يصلح هذا لوظيفة أريدك بها أن تحافظ على مصالحي وتحفظها.

معيار التاجر مع الشاب هنا يصلح كميزان ذهب فيه غرام تجربة يغنيك عن قنطار تجارب، ويعلمك أن من يسقط في اختبار بسيط سيهوي بلا شك في اختبارات أكبر لترتاح من البداية، وتغسل يدك من تكرار التجارب لتعطي آمالك إجازة مدفوعة بدلا من إنهاكها بما لا طائل منه، نعم اغسل يدك من كل مسؤول لم ينجح في ضبط إدارة صغيرة وسهلة، ووجدته لاحقا في موقع أكبر يبشر في كل مانشيت وتصريح بنجاحات مستقبلية.

واغسل يدك من كل اقتصادي فشل في كل مشاريعه الخاصة، ويريد منك بالمقابل أن تأتمنه على اقتصاد وطن كامل، واغسل يدك من كل سياسي فشل في إقرار وعد واحد طوال مسيرته الوزارية أو البرلمانية الطويلة وكان في كل انتخابات وندوة وترشيح وزاري يزمجر أمام الحشود كالفارس المنتظر الذي سيأتي على سرج حصان صوتك وثقتك الأبيض ليحرر أحلامك! واغسل يدك جيداً يا أخياه وتذكر أن الذي لا يوفر عود كبريت واحد وهو يرى جمراً ملتهبا لن تنفعك نار شعاراته ووعوده الوهمية، ولن تدفّئ لك حلما واحدا أضناه زمهرير الأمل.

● فالح بن حجري