«عبدالعزيز حسين... رجل فكر ودولة» في ندوة الملتقى الكويتي
استضافها مركز جابر الثقافي بحضور الصقر وجمع من المثقفين
سُطرت مآثر التنويري الرائد الراحل، عبدالعزيز حسين، بحروف من ذهب في تاريخ لا يمكن أن تمحوه الأيام، وكما يقول أحمد شوقي «الناس صنفان موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء»، ورغم أن ما قدمه هذا الراحل الباقي لوطنه الكويت ومنطقته العربية، وتأثيره العالمي لم يكن مستحيلا، فإنه كان صعباً في مسيرة خاض خلالها الكثير من التحديات، أما عن الإنجازات فهي كثيرة ومتفوقة على الصعاب في طريق صناعة الكويت الحديثة علمياً وثقافياً وفنياً وتعليمياً ودبلوماسياً.
انطلقت أعمال الملتقى الكويتي بندوة تحمل عنوان «عبدالعزيز حسين... رجل فكر ودولة»، والذي استضافه مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي بقاعة السينما، أمس، بحضور رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت، محمد جاسم الصقر، وجمع كبير من المثقفين، وجمهور من الشباب والكبار.وبدأت الندوة بحفل افتتاح في العاشرة صباحا، ألقى خلاله كلمة الكتاب والمثقفين، د. سليمان الشطي، مؤكداً دور التنويري عبدالعزيز حسين في دعم الحركة الثقافية والفنية على مستوى الكويت، متقدما بالشكر لمن ساهم في إطلاق تلك الندوة لرجل كان جل همه تنمية شخصية الأفراد وتقوية مداركهم، كما كشف لنا المسارات النيرة بفكره، الذي أوصانا بالقدرة على مواجهة الحقائق، لأن من يغمض عينيه لا يمكنه الانتفاع بالضوء.
النهضة الكويتية
ثم ألقى كلمة أسرة المفكر الكبير عبدالعزيز حسين ابنه الأكبر هاني عبدالعزيز، إذ عبّر خلالها عن امتنانه لتتويج ذكرى والده، مضيفا أن النهضة الاقتصادية التي شهدتها الكويت في مرحلة النفط واكبتها نهضة فكرية وأدبية وثقافية ودبلوماسية، لتصبح الكويت محط أنظار العالم، وكان والده حاملا شعلة التنوير والنهضة الفكرية في الكويت. وجاء دور كلمة الملتقى الكويتي، إذ ألقاها الأديب طالب الرفاعي الذي أشار من خلالها إلى سعادته وفخره بأن تكون أولى ندوات الملتقى حول المفكر الكبير الراحل عبدالعزيز حسين، مضيفا أن قلة قليلة أولئك الذين يمشون على الأرض ويراد لهم أن يكونوا نجوما في السماء، حيث أهلت أفكار وأحلام وخطط عبدالعزيز حسين أن يتم رسمه بها، ورسم أن يكون نجما.الكتاب والمعرفة
وذكر الرفاعي أن عبدالعزيز حسين ولد عام 1920 لأب تاجر أخشاب في شرق، موضحا أن ما خلق التميز في نفس التنويري الراحل هو الكتاب والمعرفة، لأنه فتح عيونه في منزل يضم مكتبة كبيرة وديوانية ثقافية فيها قراءة للقرآن والأدب والشعر، ومنا هنا صادق حسين الكتاب طوال حياته، وفي 1930 سافر في أول دفعة تعليمية إلى مصر، وكان لديه مخطط في حياته بأن تفوق في دراسته وعاد إلى الكويت 1945، وبعدها عاد إلى القاهرة وبنى بيت الكويت في القاهرة، وبعد ذلك أنشأ مجلة البعثة التي تحولت إلى حركة مهمة في الثقافة الكويتية، ثم سافر إلى أوروبا قبل أن يعود وزيراً للمعارف.ولفت الرفاعي إلى أن عبدالعزيز حسين لم يهتز في أي مرحلة من مراحل حياته، فقد قابل تحديات كثيرة عبرها، واستكمل مسيرته، ونجح في صنع علاقات قوية في مصر بداية من الحارس وصولا حتى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهنا يمكن التساؤل حول كيف تشكلت شخصيته القيادية؟ هل من الصمت أم من التأمل والقراءة؟ ولكن الحقيقة أن كل هذا صنع شخصية القائد في شخص عبدالعزيز حسين.تأثير عالمي
وفي نهاية كلمته، أكد الرفاعي أن التنويري الراحل ليس محسوبا على الكويت ولا الخليج ولا العرب بل هو صاحب دور محوري عالمي، لأنه ساهم في حركة ثقافية وفنية ودبلوماسية أثرت في الكويت والمنطقة والعالم وصولا إلى مجلس الأمن، وبالختام توجه الرفاعي بالشكر لأسرته التي تحملت أعباء انشغاله بالفترة الأخيرة للتحضير لهذا الملتقى، مؤكدا أن للنجاح ضريبة يتم دفعها من أغلى ما يملك الإنسان، وهي أيام العمر، كما توجه بالشكر لمركز جابر، والديوان الأميري والقائمين عليه، لاستضافتهم الفعالية وتنظيمها على أعلى مستوى.وقبل نهاية حفل الافتتاح عرض مقدم الحفل، د. بسام الجزاف، إصدارات الملتقى، وهي عبارة عن كتابين حول الراحل عبدالعزيز حسين، أحدهما للكاتب الأديب طالب الرفاعي، والثاني يتضمن الأبحاث التي شارك به المتحدثون بالندوة، وثالث تلك الإصدارات فيلم توثيقي حول حياة ومسيرة التنويري الكبير، ويحمل عنوان الملتقى وهو «عبدالعزيز حسين رجل فكر ودولة»، من إخراج علي الريس.سيرة عطرة
وبعد حفل الافتتاح تم أخذ استراحة لدقائق قبل أن تبدأ أولى جلسات الملتقى، والتي أدارها د. عبدالله الجسمي، وكانت البداية بشهادة عبدالله يعقوب بشارة تحت عنوان «عبدالعزيز حسين... قوة العزم وحقوق القيادة»، والتي استعرض خلالها جانباً من السيرة العطرة لحسين، مؤكداً دوره المهم في انضمام الكويت لجامعة الدول العربية عام 1961، ومن ثم انضمامها لهيئة الأمم المتحدة عام 1963، مضيفا أنه على الرغم من الصعوبات التي واجهها الوفد الكويتي بقيادته فإنه استطاع التغلب عليها بحنكة وحكمة وعمل دؤوب.وأشار بشارة إلى أن حسين حينما بدأ مسيرته الحكومية عين وزيراً في ثاني وزارة شكلت بعد العمل بالدستور، ومن ثم عاد للعمل وزيرا من 1971 حتى 1985، مؤكدا أن أبرز ما يميز عمله السياسي والثقافي عدم خلطه بين الاثنين، إذ إنه كان يعطي لكل منهما حقه في مجاله.العلم والثقافة
وفي بحث قدمه خلال الجلسة، د. يعقوب يوسف الغنيم، بعنوان «عبدالعزيز حسين... رائد في العلم والثقافة»، استعرض دور الراحل في الحركة الثقافية بالكويت، قائلا: «عبدالعزيز حسين علم من أعلام الكويت منذ أن بدأ العمل إثر تخرجه، وآية ذلك أنه بعد أن اجتاز مرحلة الدراسة اختير لكي يكون مسؤولا عن بيت الكويت في القاهرة، وهناك ظهرت إمكاناته بصفقته قائداً ومربياً، إضافة إلى إصداره مجلة «البعثة» التي يغني تصفحنا لها عن كل الأقوال».وأشار إلى تولي حسين مديرا لدائرة المعارف في الكويت عام 1952، وهي الفترة التي ظهر فيها للناس جميعا مدى تمكنه من عمله باهتمامه بالمكتبات العامة والمدرسية وتشجيعه للمدرسين الكويتيين ودعمه للنشاط المحلي، حيث أقام للكويت الموسم الثقافي الذي استقطب عددا كبيرا من أدباء وعلماء الوطن العربي، وفتح المجال لمؤتمر الأدباء العرب الرابع الذي عقد في الكويت خلال سنة 1958، وهو ما هيأ له كل سبل النجاح حتى يعد دور الانعقاد هذا من أهم أدوار مؤتمر الأدباء العرب.الفكر الوهابي
وقدم د. خليفة الوقيان ورقة بحثية أخيرة بالجلسة الأولى تحت عنوان «واقع المجتمع الكويتي الثقافي والفكري الذي نشأ فيه عبدالعزيز حسين»، وكشفت تلك الورقة عن محاولات ونجاح حسين في التصدي لوقوع الكويت تحت وطأة الفكر الوهابي، وأن تتخذ الكويت مسارها الإصلاحي الخاص الذي يضمن لها التقدم والريادة الفكرية والثقافية بالمنطقة، وهو ما حدث بالفعل.وسعى الوقيان من خلال هذا البحث إلى الاقتراب من واقع المجتمع الكويتي الثقافي والفكري في الحقبة التي نشأ فيها حسين، ما اقتضى العودة إلى مرحلة تاريخية سابقة لبيان الأرضية والبنية الفكرية التي قام ونما على أساسها الكيان الكويتي، وكيف تمكن حسين من مواجهة التحديات المرافقة لمرحلة النشأة، والممتدة إلى المراحل اللاحقة مع الوقوف أمام حقبة العقود الأولى للقرن العشرين التي شهدت معركة فكرية طاحنة بين تيار القوى الأصولية الدينية المتشددة والتيار الإصلاحي ومن بعد التنويري من جهة أخرى.الأمم المتحدة
وبعد استراحة قصيرة ثانية انعقدت الجلسة الثانية والأخيرة بالفترة الصباحية، وأدارها القائم بأعمال الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، د.عيسى الأنصاري، وقدم خلالها د.عبدالله يوسف الغنيم ورقة بحثية بعنوان «وقائع وأحداث أول طلب لانضمام الكويت للأمم المتحدة» واستعرض من خلال بحثه وقائع هذا الطلب بناء على وثيقة نادرة عثر عليها مؤخرا تتمثل في رسالة تقع في 12 صفحة مؤرخة في 9 يوليو 1961، والتي كتبها المرحوم عبدالعزيز حسين رئيس وفد الكويت إلى الأمم المتحدة بنيويورك، الذي كان يحمل معه طلب الكويت الانضمام إلى تلك المنظمة الدولية، والرسالة موجهة إلى بدر الملا سكرتير الحكومة آنذاك، والتي وصف فيها حسين بخط يده مواقف الدول من التهديد العراقي للكويت، ومسألة انضمام الكويت إلى الهيئة الدولية.وكيف أن الكويت دخلت مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وأهمية استقلال الكويت بعيداً عن تلك النزاعات، مخصصا كل جهده وعلاقاته مع القاهرة وجامعة الدول العربية، ما يكشف عن قدراته الفكرية والسياسية والدبلوماسية فضلا عن قدراته التنويرية والثقافية، مستشهدا ببيت الشعر القائل «عن المرء لا تسأل ولكن اسأل عن قرينه ... فكل قرين بقرينه يهتدي»، مؤكدا أن حسين لم يكن بمفرده بل كان محاطا بباقة من رواد العصر ومنهم الشاعر الكبير أحمد العدواني، وفهد دويري، وحمد رجيب وغيرهم من الأسماء اللامعة التي كونت هذا الفريق التنويري الذي قاد الكويت في القرن العشرين.الحمود: الراحل أول من فتح باب البعثات العلمية للمرأة
تناولت د. موضي الحمود، في شهادتها «عبدالعزيز حسين وأثره في خريطة التعليم النظامي والبحث العلمي في الكويت»، من خلال ورقتها البحثية، موضحة أنها احتفت بذكرى حسين من خلال تتبع سيرته منذ عودته من دراسته في لندن عام 1952 وتعيينه مديرا للمعارف. وأكدت أنه لم يكن من الأشخاص الذين تنطوي صفحتهم بمجرد رحيلهم، ولكنه رجل لا يمحوه التاريخ بل يحفظ مسيرته بكل تفاصيلها، لأن كل خطواته كانت رسالة سطرها في وضوح في مجلة «البعثة» التي أصدرها في القاهرة.وأشارت إلى اهتمام حسين بالمدارس، مؤكدة «أننا نعيش الآن في عصر الأقزام بعد أن تراجع التعليم والمدارس في الكويت، مقارنة بالنهضة التي غرسها هذا التنويري الرائد في مدارس وتعليم الكويت الحديثة»، مضيفة أنه وضع المناهج الدراسية الحديثة ورفع ميزانية التعليم من مليون و100 ألف روبية إلى مليوني روبية، كما ارتفع عدد الطلبة بشكل مضاعف، فضلا عن دعمه لتعليم المرأة بكل قوته.وأكدت اهتمام حسين بالمدرسين وتجهيزهم وتحفيزهم بالرواتب المجزية، كما اهتم بمرحلة رياض الأطفال، ثم دعم البعثات التعليمية الطلابية إلى الدول العربية والأجنبية، ثم أقنع الآباء المحافظين بالسماح لبناتهم بالابتعاث إلى الخارج، ومن أحد أقواله لأب محافظ رافض ابتعاث ابنته: «هل قمت بتربية ابنتك تربية صالحة؟... إذا لا تخف فلتذهب مع زميلاتها، ونحن سنرعى جميع شؤونها»، وبالفعل ذهبت ابنته واستمر ابتعاث البنات شريكا أساسيا في المجتمع والتنوير.وأشارت إلى يده البيضاء في جميع المراحل التعليمية، ودعم المرأة، ومعهد التخطيط، والجامعة، ومراكز الأبحاث، فضلا عن إنشاء 17 مركزا لمحو الأمية، كما كانت له مساهماته خارج الكويت مثل إنشاء 33 مدرسة في الإمارات، و42 في البحرين، و45 مدرسة في اليمن، ومدارس أبناء ضحايا الحرب في فلسطين وصولا إلى إنشاء جامعة القدس العربية، وغيرها من البلدان. سعاد الصباح: التركيت رجل من زمن الجبال
وألقى شهادة الشيخة د. سعاد الصباح، ممثلا عنها مدير دار سعاد الصباح للنشر علي المسعودي، والذي أبلغ الحضور سعادتها واهتمامها بالإدلاء بشهادتها في مسيرة الراحل عبدالعزيز حسين، في رسالة بعنوان «رجل من زمن الجبال»، قالت فيها: «حين أتحدث عن عبدالعزيز الحسين التركيت فأنا أتحدث عن نجم وهبته لنا الحياة لتمهيد طريق التنوير أمام الأجيال الكويتية، وهو ما أنجزه بكثير من التضحية والجد والعمل الدؤوب».وعلى الصعيد الشخصي أكدت الشيخة سعاد: «لا أنسى أنه وراء اقتراني بالشيخ عبدالله المبارك رحمه الله، فحين عرض شهادات الطالبات المتفوقات على الشيخ بصفته الرئيس الأعلى لمجلس المعارف رأى اسمي، فسأل عني ثم طلبني زوجة له»، مضيفة: «انه مثلما كان الشيخ عبدالله المبارك ملء السمع والبصر كان عبدالعزيز حسين ناراً في رأس علم يجوب البلاد لتأسيس نهضة تعليمية شاملة».عزة إبراهيم
خليفة الوقيان: حسين نجح في التصدي لإيقاع الكويت تحت وطأة الفكر الوهابي
سليمان الشطي: كان جلّ همّه تنمية شخصية الأفراد وتقوية مداركهم
هاني عبدالعزيز: والدي كان حاملاً لشعلة التنوير والنهضة الفكرية في الكويت
طالب الرفاعي: قلة قليلة يمشون على الأرض ويُراد لهم أن يكونوا نجوماً في السماء
سليمان الشطي: كان جلّ همّه تنمية شخصية الأفراد وتقوية مداركهم
هاني عبدالعزيز: والدي كان حاملاً لشعلة التنوير والنهضة الفكرية في الكويت
طالب الرفاعي: قلة قليلة يمشون على الأرض ويُراد لهم أن يكونوا نجوماً في السماء