العقل المفكر لبوتين... داهية استراتيجي
إذا أردت أن تعرف كيف يفكر فلاديمير بوتين فعليك أن تتعرف على أفكار كبار مستشاريه والملهم الأول له وهو ألكسندر دوغين، هذا الرجل يرتكز في نظريته على أن الصراع القائم بين روسيا والعالم الغربي صراع "جيو سياسي"، أي بين "حضارة اليابسة" التي تنتمي إليها بلاده في مقابل "حضارة البحر والأطلسي" وفرسانها الأميركيين والأوروبيين، فالثقافة السائدة في روسيا اليوم هي الثقافة "البوتينية" نسبة إلى بوتين ومخترعها ألكسندر دوغين ابن الستين عاماً. هذا الشخص هو الأب الروحي لبوتين وكاتب خطاباته، ظهر منذ أسبوع على "قناة الجزيرة" وأسهب في شرح مقاصده وأهداف الاستراتيجية الجديدة لروسيا التي يحمل لواءها، حيث يقول "لا نريد ديمقراطية على النموذج الأوروبي"، وفي الوقت نفسه يقف ضد المفهوم الليبرالي الأميركي، أي أنه يعمل على أن يكون بوتين هو الدولة والدولة هي سلطة الفرد الواحد. دبلوماسي أوروبي يعمل في الكويت، متخصص بالشأن الروسي يعتقد أن بوتين مختطف من قبل دوغين وأسير أفكاره الأيديولوجية، وبالتالي هو صاحب رسالة تاريخية لإنشاء "روسيا عظيمة"، قد يكون الكلام المنسوب إلى الرئيس بوتين في لحظة غضب وانفعال هو الوجه الحقيقي الذي تم إخفاؤه، فقد وصف معارضي غزوه العسكري لأوكرانيا بأنهم "حثالة وخونة"، وشبههم بالذبابة التي تدخل عن طريق الخطأ في الفم! ودعا إلى "التطهير الطبيعي".
من القراءات المتوافرة عن "دوغين" هذا أنه متأثر بالنزعة السلافية الأرثوذكسية ومن دعاة "الطرح الأوراسي" بالمعنى الجغرافي وهو الفضاء الممتد من الأطلسي إلى جبال الأورال في روسيا، حيث قدم رؤيته وفق ما بات يعرف "بالنظرية السياسية الرابعة"، وهي نظرية تسعى إلى "حماية الوجود من الممارسات المؤدلجة" بعيداً عن المدارس الشيوعية والليبرالية والفاشية التي تعترف بـ"حق الجميع في الحياة والشراكة"! يصفونه في الغرب بأنه عقل بوتين الاستراتيجي، وباعتقاده أن الحرب ضد أوكرانيا وقبلها التدخل في سورية ضرورات أولتها "الحاجة الجيوسياسية" التي تتخطى الحدود الراهنة لروسيا الاتحادية، ويرى أنه لا بد من تقسيم أوكرانيا إلى شرقية تتبع بلاده، وغربية من حيث الموقع الجغرافي إنما تبقى حيادية وتابعة لروسيا. فهو أهم منظري فلسفة القومية الروسية والمتحدث بثماني لغات، وهي ميزة يضفونها على شخصه لإعطائه مسحة من العبقرية، وهو العضو الفاعل في حزب "روسيا الموحدة" الحاكم ومؤسس الجبهة القومية البلشفية وحزب أوراسيا الروسي، وهو من دعاة السيطرة على المناطق والدول والأقاليم التي يسكن فيها الناطقون باللغة الروسية أينما كانوا، وهذا ما يفسر إصرار بوتين على إلحاق شبه جزيرة القرم وجمهوريتين في شرق أوكرانيا بروسيا الاتحادية. الصراع القائم هو بين "قوى البَرْ" و"قوى البحر"، ومن يسيطر على أوراسيا (قلب العالم) يسيطر على العالم، وروسيا تسعى في "استراتيجيتها الأوراسية" إلى استخدام كل ما لديها من عناصر القوة، ابتداء من موقعها الاستراتيجي وامتلاكها ثروات طائلة وقوة عسكرية جبارة ونفوذا سياسيا... وفي المحصلة تلك هي صورة القوة العظمى لروسيا الجديدة!