لعل القصة التي تروي لنا نبأ نبي الله موسى مع نبي الله الخضر (عليهما السلام) من أشهر قصص الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم، تلك الأحداث التي مر بها كليم الله موسى ليتعلم من الدروس والعبر الشيء الكثير، وما لم يدركه في البداية النبي موسى، عليه لسلام، هو أن رحمة الله تجسدت بتصرف الخضر في خرق السفينة ليعيبها أمام الملك فينجو من عليها، ولعل المثال (والقياس مع الفارق طبعا للشخصيات القرآنية) يتجسد أيضا على شكل منحة المتقاعدين التي أثارت جدلاً واسع النطاق خلال الأيام الماضية، ودللت بوضوح على نهج السلطة التنفيذية ونواياها وكيفية إدارة الأمور لدى وزرائها ورئيس الحكومة.

بتوجيه من ولي العهد لتوزيع الأرباح على المتقاعدين من بعد استعراض مؤسسة التأمينات الاجتماعية أرباحها، والتي كانت في الواقع من جراء ارتفاع قيمة أصول استثمارية كما كشف لنا النائب د. الكندري فقط لا غير، ماطلت الحكومة ودغدغت مشاعر المتقاعدين لمدة تزيد على ستة أشهر فقط لتخرج لنا بمشروع قانون، وتتم مناقشته بين ليلة وضحاها والطلب في الاستعجال بالأمر كذلك!!

Ad

مشروع القانون «المسخ» الذي منح المتقاعدين ثلاثة آلالف دينار ولمرة واحدة كان على شكل حقل للألغام أكثر منه مشروع قانون، ناهيك عن أن بنده السابع الذي ضلل الشارع ليلة جلسة مجلس الأمة والذي ينص على رفع سن تقاعد الموظف الحالي، كانت المنحة دون مستوى الطموح لرفع أعباء الحياة عن شريحة كبيرة جداً من المجتمع، ودليل أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية ليست بحاجة لهذه (الدراما التركية) وكان بإمكانها صرف المنحة لو كان لديها فعلا أرباح (كاش) بموجب المادة (٨٠) من قانون المؤسسة لعام ١٩٧٦ وبموافقة مجلس الوزراء.

طبعا هذا يكشف النية الحقيقية لوزير المالية، وهي تقليص مكتسبات الموظفين وضربهم بشريحة المتقاعدين بالمجتمع بحجة العجز الاكتواري دون النظر أن ودائع المؤسسة ذاتها في لبنان غير قابلة للاسترداد، وأموالها سرقت في السابق، وهي تصرف على بذخ العيش الآن في العاصمة الإنكليزية (لندن)!!

يبدو أن مبدأ «خذ من چيسه وعايده» هو السائد لدى وزارة المالية، وعليه وجب استجواب وزيرها من نواب الأمة الشرفاء الذين فصلوا المنحة بتوصية عن المشروع الحكومي المسخ، فبوركت مساعيهم، ومن بعدها طرح الثقة فيه ليكون عبرة أمام أكثر من نصف مليون مواطن من المتقاعدين والموظفين الحاليين.

أستغرب من هذه الحكومة أيضا التي عمرت البلدان وتبخل بمنحة على شعبها ولفئة ضيقة جداً، وتقرنها بمصير أكثر من أربعمئة ألف موظف حكومي ومكتسباتهم، وأستغرب أكثر من أصحاب النفوس المريضة الذين يعارضون منحة المتقاعدين ويحسدونهم عليها وإيجارات وأراضي أملاك الدولة تسكت كل خطيب!! وأن الأيام القليلة القادمة لهي حبلى بالمحاولات وإعادة الكرة من الحكومة وانقضاضها على جيوب ومكتسبات الموظفين الذين يعانون الأمرين في ظل كل هذه التحركات والتخبطات، فإعادة إحياء هذا الموضوع (رفع سن التقاعد ومساومة المتقاعدين) يستوجب وقفة جادة من كل أطياف الشارع الكويتي.

على الهامش:

ترجل فارس التأميم والمناضل الوطني عبدالله النيباري الذي وافته المنية بعد أقل من أسبوعين من وفاة رفيق دربه الرمز الوطني د. أحمد الخطيب. إن هذه إشارة سماوية إلى أن القادم من الأيام صعيب، فخالص العزاء لأهلهما وذويهما و«إنا لله وإنا إليه راجعون».

● د. سلطان ماجد السالم