في رثاء عبدالله النيباري
سرب طيور النوارس كان بالانتظار على شاطئ الرحيل ليكمل تألقه، لم يتأخر عنه، فقد استبد به الشوق لسربه، فخف لهم كالنسيم العليل، قبل أن يحلقوا ميممين لحمرة الغروب، وبداية الغسق علينا، ليتواروا مع الشمس في مغيبها، فنتذكرهم في شروقها وغروبها.المناضل عبدالله النيباري رحل معهم حاضناً بين جوانحه بكل أثقال همومنا وآمالنا، همه شقاء الإنسان وهو يكابد بؤس الحياة، يصونه من ذئاب الاستغلال والجشع، خافقاً بجناح الحرية بلاعنوان لما وراء الحدود، يذود عن الحرية أينما حطّ طائرها أو برقت رعودها المزلزلة لعروش الطغاة المستبدين.عبدالله النيباري تجسيد حي للمبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية ومعاني الوطنية، ملهم للشباب في حراكهم ومرجع سياسي وقانوني وأخلاقي للقادة والنشطاء المنخرطين في الشأن المحلي، وعلى وقع كتاباته وندواته نضجت أجيال لعقود فتية من نهضة الكويت الحديثة.
عبدالله النيباري جزء لا يتجزأ من تاريخ الكويت السياسي المعاصر، وشاهد على العصر، اتفق الجميع على إخلاص وطنيته ودوره وتأثيره المحلي والإقليمي والعربي، امتهن الاقتصاد واحترف السياسة وتبحر في التاريخ السياسي، ناقش، حاور، احتضن قضايا الأمة، وتبنى الحلول وأبدع في الدفاع عنها، وضميره النابض بعيون تبصر الأمل بجيل الشباب الواعد.عبدالله النيباري آمن بالنهج السياسي الجماعي، فشارك رفاقه في تأسيس المنبر الديمقراطي الكويتي منطلقاً للمشاركة السياسية الفاعلة، على ركيزة ثابتة من معاني الحرية والمبادئ الإنسانية وقواعد الدستور. عبدالله النيباري المؤمن بالقومية العربية والديموقراطية الاشتراكية منهجاً ودرباً للنضال والوحدة تعلّق الجماهير عليها الآمال لاسترجاع حريتها وإرادتها المغيبة بتحالف الرجعية والدكتاتورية. عبدالله النيباري الذي استرد لنا حقوقنا المسلوبة من ثروتنا النفطية من شركات النفط الاحتكارية الناهبة، وقدح لنا وعينا الغافي على القناعة باللمم، فمتى ترد له الدولة الديْنَ والوفاء ليتبوأ اسمه موقعاً في أحد أرجائها، جزاءً لبعض صنائعه.عبدالله النيباري الذي تداعى له الشعب الوفي بالدعاء له يوم تعرضه لمحاولة اغتياله عام 1997م، ورُفِع على رؤوس الأشهاد يوم فراقه ووداعه ملتحقاً بموكب الإباء، د. أحمد الخطيب، وجاسم القطامي، وسامي المنيّس وآخرين، ممن جسّدوا ضمير الشعب الواعي، مخلفاً الحسرة والغصة على شخصية فريدة عزّ نظيرها في زماننا البائس.المناضل عبدالله النيباري، وهبت لنا محاسنك وسجاياك، ووهبنا لك الوفاء والخلود في قلوبنا، نستأذنك في وداعك على أمل لقاء لن يعود، لن يعود.